"بعيداً عن أعمال الشغب والعنف وفيضان المياه.. فقط المستعدون جيداً سينجون من نهاية العالم"، بهذه التعابير تروج شركة إنشاء ملاجئ نهاية العالم وحداتها السكنية المصفحة لحماية الأثرياء عند وقوع الكارثة. ما هي هذه الكارثة؟ ومما يخاف هؤلاء على وجه التحديد؟ سؤال تجيب عنه الأحداث العالمية والانهيارات الاقتصادية التي تغذي مخاوف أثرياء العالم يوم تقع الواقعة.
نيزك سيضرب الأرض على طريقة أفلام هوليوود أو صاروخ نووي أو جائحة أخرى أو حتى ثورة الجياع، هذه هي سيناريوهات نهاية العالم كما يتصورها البعض.
وبينما يكمل الإنسان العادي حياته اليومية بحثاً عن قوت عياله، يخطط الأثرياء لإجراءات احترازية على شكل "البيوت الآمنة" والملاجئ التي ستحميهم من صواريخ العدو أو غضب الناس عندما تجوع.
ولو تخيلت للحظة أن الحكام والأثرياء فرّوا للاختباء، فربما أوَّل ما يتبادر إلى ذهنك هو غرفٌ إسمنتية مظلمة محصنة ومدفونة تحت الأرض لا تخترقها الصواريخ ولا يعرف مكانها أحد؛ مليئة بأطعمة معلَّبة وقوارير مياه وأدوية وبطاريات إسعافات أولية تكفي لعدد محدود جداً، أو بالأخرى نخبة سياسية معينة، فأنت مخطئ، الأمر على واقع الأرض مختلف كلياً عن هذه التصوّرات، و"المذعورون" من نهاية العالم كثر جداً ويملكون الكثير من الأموال.
بمجرد أسابيع على سبيل المثال، تراجع خطر جائحة كورونا ليتقدم ذعر اندلاع حرب عالمية ثالثة – أو ربما نووية – بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا، ويتصدر قائمة مخاوف أثرياء الغرب سواء في أوروبا أو أمريكا.
ولطمأنة هذه المخاوف، تلبي شركات معدودة هذا الطلب المتزايد على الأماكن التي "تحمي من أيّ خطر"، سواءً كان جائحةً عالميةً أو نيزكاً أو حرباً عالميةً ثالثة أو اندلاع الاضطرابات المدنية نتيجة السياسات الاقتصادية التي تزيد من ثروات الأثرياء وفقر الفقراء.
ولا تقدِّم هذه الحماية بأقل الإمكانات أو التكاليف؛ أبداً! بل تقدمها بمعايير جودة عالية ووسائل راحة فاخرة، بعيدة كل البعد عن الصورة النمطية للغرف الإسمنتية القاتمة في باطن الأرض.
أثرياء يبحثون عن ملاجئ نهاية العالم
شركة أمريكية تسمى Rising S Company، ربما لم يسمع عنها أحد، تعمل بعيداً عن الضجيج الإعلامي على الاستجابة لهذه المخاوف وتحويلها لأرباح بالملايين.
من مقرها في ولاية تكساس، قال مديرها العام غاري لينش إنه تلقى استفسارات من عملاء محتملين في إيطاليا ورومانيا والسويد والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، نتيجة الأحداث العسكرية الدائرة في أوكرانيا. الاستفسارات كانت عن كلفة وفعالية ما يُعرف بـ "ملاجئ نهاية العالم" أو "Doomsday Bunkers".
على مدى السنوات الخمس الماضية، انتعش هذا القطاع كثيراً وبنى أصحاب الملاجئ ملاذاتهم الفاخرة بهدف واحد: حماية أسرهم.
من غرف آمنة مع فتحات هروب عبر نفق تحت عقاراتهم الواسعة للهروب بعيداً عن أماكن إقامتهم الرئيسية، إلى يخوت متحركة في عرض البحر، تتسم ملاجئ نهاية العالم معايير عالية لا ترضى بالتخلي عن الرفاهية، حتى ولو كان الموت يدق على الأبواب.
شركة Vivos هي الأخرى إحدى هذه الشركات التي تتخصَّص في بناء وإدارة الملاجئ الراقية.
يقول مديرها التنفيذي روبرس فيسينو، لموقع CNN: "لم يكن ملجأ والدك أو جدك مريحاً، كان رمادياً ومعدنياً كسفينة أو مكان عسكري على سبيل المثال، لكن الحقيقة هي أن الجنس البشري لا يمكنه البقاء فترة طويلة في مثل هذه البيئة القاتمة المتقشفة".
وكان مدير شركة Rising S Company قال إن نسبة مبيعات ملاجئ نهاية العالم الموجودة تحت الأرض ازدادت بنسبة 700% في عام 2016 مقارنة بعام 2015، في حين ازدادت المبيعات الإجمالية بنسبة 300% بعد الانتخابات التي أوصلت الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة.
يمكن لمخابئ هذه الشركة المصنوعة من الألواح الفولاذية، والمصممة لتستمر لأجيال، أن تحتوي على مخزون ما لا يقل عن عام واحد من الطعام لكل مقيم وتتحمل الزلازل، والعديد منها يحتوي على حدائق للزراعة المائية، حال طالت الإقامة.
وبالفعل، اختار العديد من النخبة في العالم، وضمن ذلك مديرو صناديق التحوط ونجوم الرياضة والمديرون التنفيذيون للتكنولوجيا تصميم ملاجئهم السرية لإيواء عائلاتهم وموظفيهم عند الحاجة بالقرب من عقاراتهم، او تحتها. ويشاع أن بيل غيتس لديه مخابئ في جميع ممتلكاته في نيويورك وواشنطن.
ومن أصحاب هذه الملاجئ أيضاً اللاعب الأمريكي توم برايدي وزوجته العارضة جيزيل باندشن، وكذلك المغني الشهير خوليو إيغلاسياس وإيفانكا ترامب، حسب مجلة Business Insider.
ولكن بينما يريد البعض أن يتحصن بمفرده، يفضل البعض الآخر مواجهة نهاية العالم في بيئة مجتمعية توفر تجربة أقرب قليلاً إلى العالم الحقيقي، فما نفع الجنة إن خلت من الناس؟
إعادة تقديم المنشآت العسكرية المهجورة بحُلّة جديدة
لتقدم ملاجئ جماعية تتسع لعشرات أو ربما مئات الأشخاص، كان أمام هذه الشركات تحدي إيجاد المكان الآمن لإيواء هذا العدد الكبير، فكانت المنشآت والمقار العسكرية المهجورة وصوامع الصواريخ التي بنتها الولايات المتحدة أو الحكومات السوفييتية، خياراً يرضي الطرفين.
قدمت الشركات المطورة هذه المواقع البعيدة وغير المعروفة لمن يستطيع تحمل نفقاتها، ووفرت ملايين الدولارات عبر شراء هذه المنشآت المهجورة، ولكن المحصنة والمعززة عسكرياً.
فهذه المقار العسكرية أُنشئت أصلاً لتحمّل أي هجوم نووي، وتأتي مجهزة بأنظمة الطاقة وأنظمة تنقية المياه وصمامات الانفجار وترشيح الهواء النووي والبيولوجي والكيميائي (NBC)، فهل يوجد مكان أفضل منها للاحتماء من نهاية العالم؟
ولم تكتف الشركات بعرض ميزاتها التي تحمي من مخاطر العالم الخارجي، بل تعمل على إنشاء مجتمعات متكاملة ذات مجموعة من المهارات الإنسانية اللازمة على المدى الطويل، عبر بيعها لذوي الخبرات مثل الأطباء والمعلمين؛ تحسباً لحالة طوارئ طويلة الأمد.
استعدادات الأثرياء لنهاية العالم
أحد هذه الملاجئ Vivos xPoint، والذي في منطقة وسطية في الولايات المتحدة بولاية ساوث داكوتا، على امتداد 47 كلم مربعاً، يتألف هذا الملجأ الجماعي من 575 مخبأ عسكرياً سابقاً، كان بمثابة مستودع ذخائر للجيش الأمريكي حتى عام 1967.
ثم باع الجيش الأمريكي المخبأ إلى بلدية مدينة إيدجمونت، والتي قامت بدورها ببيعها لمربو الماشية المحليين. ظلت المخابئ فارغة حتى اشترت شركة Vivos المستودع.
تحوَّل المخبأ العسكري إلى منشأة تستوعب نحو 5000 شخص، تم تجهيز الديكورات الداخلية حسب رغبة مالكي كل ملجأ بتكلفة تتراوح بين 25000 و200 ألف دولار، كل حسب قدرته، إلى جانب ثمن العقار نفسه.
كما يضم الملجأ الجماعي مسرحاً مجتمعياً وفصولاً دراسية وحدائق مائية وعيادة طبية ومنتجعاً صحياً وصالة ألعاب رياضية.
وتروج الشركة وحداتها بأنها للبيع أو الإيجار، سواء لأيام معدودة أو لشهور متواصلة، وعلى موقعها الإلكتروني عبارة "النقطة أكس هي النقطة الزمنية التي ينجو فيها المستعدون فقط".
إقامة فاخرة في جمهورية التشيك
أما من يفضلون الاحتماء وحدهم أو على الأقل مع العائلة والأصدقاء المختارين بعناية فائقة، يقدم ملجأ The Oppidum في جمهورية التشيك خيارات ترفيهية، حتى تم وصفه بأنه "أكبر ملجأ للمليارديرات في العالم".
استغرق بناء المنشأة السرية للغاية، التي كانت ذات يوم مشروعاً مشتركاً بين الاتحاد السوفييتي السابق وتشيكوسلوفاكيا (الآن جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا)، 10 سنوات كاملة بدءاً من عام 1984، حسب موقع CNN.
يشتمل الموقع الآن على عقار فوق الأرض ومجمع تحت الأرض مساحته 7200 متر مربع. وبينما يتم بناء المنتج النهائي وفقاً لمواصفات الراغبين في شراء ملاجئ نهاية العالم، تشمل التصاميم الأولية حديقة تحت الأرض ومسبحاً ومنتجعاً صحياً وسينما وقبواً للنبيذ.
وبينما يعتبر كثيرون أن وسائل الراحة الفاخرة في هذه المرافق غير ضرورية؛ نظراً إلى التهديدات الخارجية، يجادل المطورون بأن هذه الميزات ضرورية للبقاء على قيد الحياة.
Survival Condo.. مجمع البقاء على قيد الحياة
كان هذا الملجأ في يوم من الأيام صومعة صواريخ تابعة للحكومة الأمريكية في الحرب الباردة. تم تشييده في أوائل الستينيات، بتكلفة تقارب 15 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب، وكان واحداً من 72 مبنى تم تشييدها لحماية رأس حربي نووي أقوى 100 مرة من القنبلة التي أسقطتها الحكومة الأمريكية على ناغازاكي.
تم تفجير ودفن العديد من هذه الصوامع بعد عقود من الإهمال، ولكن ليس جميعها.
إحدى هذه الصوامع اشتراها عميل سابق للحكومة الأمريكية يدعى لاري هال، والذي قرر أن يدمج بين خبراته العسكرية السابقة والحالية في تطوير العقارات لتأمين ملاذ لأثرياء أمريكا الخائفين.
عمل في التسعينيات لدى مقاول دفاع خاص، حيث صمم قاعدة بيانات أسلحة لطائرة مراقبة تابعة لسلاح الجو، ثم انتقل إلى بناء مراكز بيانات قوية.
في البداية، خطط لبناء ملجأ داخل صومعة؛ لكنه سرعان ما أدرك أن هناك سوقاً ناشئة أخرى: تحضير الأثرياء لنهاية العالم.
اشترى "هول" الصومعة التي تبلغ تكلفتها 15 مليون دولار في عام 2008 مقابل 300 ألف دولار. وبحلول عام 2010، تحوّل المبنى الذي يبلغ عمقه 60 متراً، إلى مبنى فاخر مكون من 15 طابقاً، حيث يستطيع 75 شخصاً العيش لمدة 5 سنوات داخل المخبأ المحكم مع الاكتفاء الذاتي.
ملاجئ دونالد ترامب المتعددة
شكل ربيع عام 2020، لمحة لكيفية اندلاع الاضطرابات المدنية وتهديدها أمن هؤلاء.
في ذلك العام، أدى الإحباط العام من الشرطة إلى اضطرابات بجميع أنحاء الولايات المتحدة، وضمن ذلك واشنطن العاصمة.
وفي إحدى المرات، اختبأ الرئيس السابق دونالد ترامب في مخبأ تحت البيت الأبيض، حيث اشتبك المتظاهرون مع الشرطة وعملاء الخدمة السرية في الخارج.
حمت تلك الجدران الإسمنتية الرئيس، وفتحت الباب لتجارة من نوع آخر.
وترامب، الذي نجح في استفزاز مشاعر نصف الشعب الأمريكي فاخر بوجود ملاجئ تحت عقاره الشهير في نيويورك، وتحت ملعب الغولف في ولاية ميامي، فضلاً عن منتجعه Mar-a-Lago الشهير، حسب ما نشرت صحيفة The Guardian.
فالمنتجع يحتوي على ملجأ بُني في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وفي عام 2007 أخبر ترامب أحد الصحفيين في مجلة Esquire بأنه أنفق 100 ألف دولار على "إصلاح" الملجأ الموجود في ملعب الغولف، وبأنه في حالة وقوع كارثة، فإن ملجأ منتجع Mar-a-Lago هو المكان الذي يريد الاختباء فيه.
مزايا سعرها ملايين
Rising S Bunkers شركة أخرى بات لها سمعتها في سوق بيع ملاجئ نهاية العالم، إذ تقدم مجموعة واسعة من الخيارات حسب ميزانية البائن المذعورين، من 40 ألف دولار وصولاً للملايين.
على رأس القائمة ملجأ "الأرستقراطي"، والذي يبلغ ثمنه 8.35 مليون دولار، إذ تتسع مساحته لـ50 شخصاً، ويحتوي على غرف ألعاب وساونا وصالة ألعاب رياضية وغرفة ألعاب فيديو وصالة بولينغ وميدان أسلحة ومسبح.
إضافة إلى كل هذه الميزات، يحتوي القبو الضخم أيضاً على مطبخ مخصص ومرآب لأكثر من سيارة وغرفة دفيئة لمصادر الغذاء المستدامة وغرف تخزين كبيرة.
تم تجهيز هذه الوحدات أيضاً بأنظمة السباكة/الصرف الصحي الكاملة والأسلاك للحصول على طاقة مزدوجة، مما يسمح لمجمع القبو بتشغيل "الشبكة" أو إيقاف تشغيلها عند الحاجة. أما الأبواب فمقاومة للرصاص طبعاً.
تشمل الخيارات الأخرى "The Presidential Bunker" أو "الملجأ الرئاسي" مقابل 4.2 مليون دولار، والذي يضم 5 ملاجئ فردية و9 غرف نوم خاصة، و10 أسرّة بطابقين و8 أرائك للنوم.
يوجد أيضاً ملجأ "The Ultra"، الذي يحتوي على 6 غرف نوم ومطبخين وصالة ألعاب رياضية وميدان للرماية ومشتل للزراعة.
هذه الإجراءات الاحترازية – والتي تشبه بوليصة تأمين عقارية – ليست حكر على الأثرياء، وإن كانت تتميز بمعاييرها المرفهة. فالحربان العالميتان تركتا في الذاكرة الإنسانية ندوباً عميقة، ودفعت بعض الحكومات إلى تخصيص أماكن "شعبية" لحماية المدنيين عند وقوع أي هجوم أ كارثة.
فنلندا تستعد للحرب العالمية الثالثة
رغم أن هذه الدولة الأوروبية تشتهر بشتائها الجميل ونظامها التعليمي الفريد من نوعه، فإنها عانت الأمرّين خلال الحروب العالمية السابقة.
وتحت شوارع العاصمة هلسنكي، توجد شبكة متقنة من الأنفاق والكهوف قادرة على استيعاب جميع سكان المدينة البالغ عددهم 640 ألف نسمة، حسب صحيفة ABC الأسترالية.
هذا المخبأ الضخم مجهز بالطعام والفراش والمرافق الطبية وحتى حلبة للتزلج على الجليد تحت الأرض، وتم تخصيص مساحة كبيرة منه للاستخدام العام، وضمن ذلك مواقف السيارات وحمامات سباحة وملاعب أطفال ومراكز التسوق.
في الشتاء، يستخدمها بعض السكان للهروب من المناخ المتجمد والبرد القارس، أما في حال الحرب، فإن هذه الملاجئ مهيأة لتأمين الناس ما لا يزيد على أسبوعين.
وفقاً للإذاعة الفنلندية العام، تضم الملاجئ 240 حماماً ومنطقة محددة للاستحمام في حالة تعرض الناس لتلوث في أثناء هجوم كيميائي.
سويسرا تجبر بلدياتها على بناء الملاجئ
أما سويسرا، فلطالما راهنت على هذه الإجراءات الاحترازية في يوم لا تُحمد عقباه. إذ فرضت الدولة منذ الستينيات على كل بلدية سويسرية بناء ملاجئ نووية لسكانها في المنازل الكبيرة والمباني السكنية. أصبحت الملاجئ جزءًا لا يتجزأ من الهوية السويسرية، تماماً كالشوكولاتة والبنوك والساعات الشهيرة في البلاد.
وقالت رئيسة خدمات الأمن المدنية والعسكرية ماري كلود نوث إيكور لموقع Euro News: "كان هناك وقت أرادت فيه الحكومة الفيدرالية إزالة الملاجئ ولكن حدثت أحداث محطة فوكوشيما، وأدركنا أن هناك محطات طاقة نووية في سويسرا وأوروبا. لذلك نعم، يجب علينا الاحتفاظ بهذه الملاجئ، على الأقل مع ما يحدث في العالم، يجب أن نبقيها في حالة استعداد".
حتى بريطانيا، تمتلك شبكة من الملاجئ النووية الجماعية، يقع 6 منها في العاصمة لندن، بينما تنتشر الملاجئ المشيدة من حقبة الحروب العالمية في سائر عواصم ومدن أوروبا الكبرى لحماية المواطنين تحت إسمنتها المعزز وبإمكانيات لا تضاهي طبعاً "معايير ومواصفات" الأثرياء.
لكن الملاجئ ليست مخصصة فقط لحماية الأرواح البشرية، إذ خصصت الحكومة الأمريكية ملجأ كاملاً لحماية إنتاج البشرية صوتاً وصورة.
مكتبة الكونغرس وملجأ الذاكرة البشرية
كان محمد باكارد مخبأ من أي اعتداء نووي تحت الأرض يدعى "ماونت بوني"، حيث كان يخزن مليارات الدولارات التابعة للبنك الفيدرالي الأمريكي.
كان الهدف الرئيسي منه هو استخدامه كمجلس للنواب في حال اندلاع حرب نووية كجزء من منتج يضم أسرَّة ومؤناً تكفي لاستضافة أعضاء المجلس البالغ عددهم 535.
كان يحتوي على الغذاء والماء لمدة 30 يوماً لجميع الأعضاء، ويوجد فيها ميدان رماية داخلي ومهبط للطائرات العمودية، كما تم تعزيزه بسقف ترابي يبلغ ارتفاعه ما يزيد عن متر ونوافذ مصفحة بالرصاص.
ولم يكن المخبأ مجرد مكان سري لتخزين الأموال حال اندلاع كارثة، بل كان يضم أيضاً Culpeper Switch، أو العقدة المركزية في نظام Fedwire الذي يتيح التحويلات المصرفية الإلكترونية بالدولار.
يشير كتيب فيدرالي قديم إلى الملجأ بأنه كان موقعاً مناسباً، إذ استخدم الجيش الكونفدرالي قمة الجبل كمحطة إرسال وتلقي إشارات، وخلال الحرب العالمية الثانية، كان بمثابة نقطة مراقبة لرصد الطائرات.
وفي العام 2007 قررت الحكومة الأمريكية نقل إدارته إلى مكتبة الكونغرس، التي حولته إلى ملجأ آمن لحفظ كل الملفات المسموعة والمرئية من مكتبة الكونغرس، أي بمعنى آخر، ما تيسر لها من ذاكرة البشرية الرقمية.
وأخيراً، فإن هذه المشاريع تخاطب مخاوف واحتمالات، وقد تحصل هذه الكوارث بعد سنوات عديدة وقد لا تحدث أبداً.
وبينما يعد العيش تحت الأرض لفترة قصيرة أمر مقدور عليه، فإن التحدي الأكبر هو خلق بيئة ترضي النزلاء المدللين على المدى الطويل؛ فلا يقتل الأعضاء المرفهون في هذا المجتمع المهول بعضهم البعض، وتتحول ملاجئ الهاربين من الموت إلى مقابرهم.