هل يجعل اللون الأحمر قلبك ينبض بشكل أسرع؟ بينما يُشعرك اللون الأخضر بتركيز أكبر ويساعدك على الاسترخاء؟ هذا ما يسميه علماء النفس والباحثون بـ"سيكولوجية الألوان" في محاولة لفهم تأثير الألوان على أفعالنا وأدمغتنا.
تُعرف الألوان الموجودة في المنطقة الحمراء من نطاق الألوان بالألوان الدافئة وتشمل الأحمر والبرتقالي والأصفر. وتثير هذه الألوان الدافئة مشاعر تتراوح من مشاعر الدفء والراحة إلى مشاعر الغضب والعداء.
بينما تُعرف الألوان الموجودة على الجانب الأزرق من الطيف بالألوان الباردة وتشمل الأزرق والأرجواني والأخضر. وغالباً ما توصف هذه الألوان بالهدوء، ولكنها قد تستدعي أيضاً مشاعر الحزن أو اللامبالاة.
في حين أن تصورات اللون وآثاره ذاتية إلى حد ما، إلا أن هناك بعض تأثيرات الألوان التي نتشاركها جميعاً خاصة في مواقف أو سياقات معينة.
فما هي آثار الألوان المختلفة على العقل والجسم البشري، وهل هناك أي أدلة وبيانات علمية تدعم هذه التأثيرات؟ تابعوا معنا القراءة لتعرفوا الإجابة.
العين ترسل رسائل للدماغ تسبب إفراز هرمونات معينة
في العقدين الأخيرين بدأ الباحثون يفهمون بشكل أفضل التأثيرات غير المرئية للون. ومثل الأذن، التي تزودنا أيضاً بإحساسنا بالتوازن بالاضافة إلى السمع، العين تؤدي وظيفتين.
الوظيفة الأولى هي إرسال الخلايا الحساسة للضوء المعروفة باسم المخاريط الموجودة في شبكية العين في الجزء الخلفي من العين إشارات كهروكيميائية إلى منطقة من الدماغ تعرف بالقشرة البصرية، حيث تتشكل الصور المرئية التي نراها.
أما الوظيفة الثانية فتتمثل في استجابة الخلايا العقدية الشبكية للضوء عن طريق إرسال إشارات بشكل أساسي إلى منطقة مركزية في الدماغ تسمى منطقة ما تحت المهاد.
يشير موقع ScienceAlert إلى أن هذه المنطقة لا تلعب أي دور في تكوين الصور المرئية لكنها مسؤولة عن إفراز عدد من الهرمونات التي تتحكم في العديد من جوانب التنظيم الذاتي للجسم، بما في ذلك درجة الحرارة والنوم والجوع وإيقاعات الساعة البيولوجية.
ما يعنيه هذا هو أن هناك آلية فسيولوجية يمكن من خلالها أن يؤثر اللون والضوء على الحالة المزاجية ومعدل ضربات القلب واليقظة والاندفاع والحالة النفسية، وفيما يلي تأثيرات بعض الألوان علينا.
اللون الأسود، علامة على الرقي والنضج ولكن يرتبط بالشر
يمكن أن تختلف ردود الفعل الفردية للون الأسود وأثره على الأشخاص بشكل كبير.
فبالنسبة للبعض، يثير اللون الأسود آثاراً إيجابية، بما في ذلك الجاذبية والأناقة والنضج. لهذا السبب يختار الكثير من الناس ارتداء الملابس السوداء عند حضور حدث فاخر.
ولهذا السبب أيضاً تستخدم العلامات التجارية الراقية مثل Tiffany & Co. و Chanel اللون الأسود في شعاراتها.
كما يرتبط اللون الأسود بالقوة لذلك يظهر في ملابس الكهنة والقضاة والبدلات الرسمية.
لكن للون الأسود أيضاً تأثير سلبي، فقد تم ربط هذا اللون الكئيب بالموت وكل الأشياء الشريرة والسيئة مما يثير مشاعر قوية من الغضب والخوف والحزن. كما أن هناك العديد التعبيرات شائعة الاستخدام مثل الطاعون الأسود والسحر الأسود وأسود القلب وحتى السوق السوداء التي تربط اللون بمعان سلبية. كما أنه يرتبط أيضاً بملابس رجال العصابات والأشرار والمافيا.
اللون الأحمر للتحذير والإثارة والهيمنة
بفضل الطول الموجي الطويل، يعد اللون الأحمر أحد أكثر الألوان وضوحاً في طيف الألوان. كما أن قدرته على جذب انتباه الناس على الفور هو السبب في استخدامه غالباً لتحذير الناس من خطر وشيك واستخدامه في إشارات التوقف وصفارات الإنذار وسيارات الإطفاء وإشارات المرور الحمراء.
يرتبط هذا اللون المحفز أيضاً بالشعور بالحماس والطاقة؛ إذ إن التعرض للون الأحمر أو لبسه يمكن أن يسبب بعض الآثار الجسدية مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التمثيل الغذائي ومعدل ضربات القلب ومعدل التنفس.
تؤدي كل هذه التغييرات الفسيولوجية بشكل طبيعي إلى ارتفاع مستويات الطاقة لديك.
من المعروف أيضاً أن اللون يزيد من شهيتك عن طريق زيادة التمثيل الغذائي الخاص بك، وهذا هو السبب في أن اللون الأحمر هو لون شائع في المطاعم.
وفي العديد من الثقافات، يربط الناس اللون الأحمر بمفهوم الغضب. وتبدو هذه العلاقة منطقية نظراً لأن العديد من الأشخاص تصبح وجوههم حمراء نتيجة زيادة تدفق الدم عند الشعور بالغضب.
ولا يقتصر تأثير اللون الأحمر على الحالة المزاجية والعواطف؛ إذ يمكن أن يزيد ارتداء اللون الأحمر من فرصك في الفوز إن كنت ترتديه في رياضة تنافسية.
في أولمبياد أثينا 2004، تم تخصيص ملابس حمراء أو زرقاء بشكل عشوائي للمتنافسين في أربع رياضات؛ الملاكمة، المصارعة اليونانية الرومانية، المصارعة الحرة، والتايكواندو. في جميع المسابقات الأربع، فاز المتسابقون الذين يرتدون ملابس حمراء بعدد جولات أكثر.
التفسير العلمي المحتمل لذلك هو أن ارتداء الزي الأحمر يعطي شعوراً بالهيمنة والأداء بقوة أكبر وينظر لهم على أنهم أكثر احتمالاً للفوز ليس فقط من قبل خصومهم ولكن أيضاً من قِبَل الحكام.
ربما ليس من المستغرب أن يرتبط اللون الأحمر أيضاً بالعاطفة والحب والرغبة. يمكن أن تفسر هذه الارتباطات سبب تصنيف الأشخاص الذين يرتدون اللون الأحمر باستمرار على أنهم أكثر جاذبية من قبل الجنس الآخر.
في دراسة بحثية نُشرت في عام 2008 في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي الأمريكية، أظهر الباحثون للرجال صورة لامرأة وطلبوا منهم تقييم مدى جاذبيتها. رأى بعض الرجال امرأة ترتدي قميصاً أحمر بينما رأى آخرون نفس المرأة ترتدي قميصاً أزرق. أظهرت النتائج أن الرجال صنفوا المرأة ذات اللون الأحمر على أنها مرغوبة جنسياً أكثر من نفس المرأة باللون الأزرق.
الأصفر.. لون السعادة والإبداع
يرتبط اللون الأصفر بمشاعر الفرح والانفتاح والود. ويطلق علماء نفس على اللون الأصفر "اللون الأقوى"؛ حيث يُعتقد أنه مرتبط بالعواطف واحترام الذات والإبداع. كما أن الشعور الأكثر شيوعاً الذي يُعتقد أنه ينشأ من التعرض للون الأصفر هو السعادة.
وقد يكون ذلك هو سبب ارتباطه بالكوميديا والتفاؤل وكوننا نشعر بسعادة في الأيام الصافية والمشمسة. كما أنه قد يكون السبب وراء اختياره لوناً للرموز التعبيرية!
الأخضر.. لون الهدوء والاسترخاء
قد تكون الطبيعة هي الوجهة الأولى لمعظمنا عند الرغبة بالاسترخاء والتفكير والهدوء أو حتى للحصول على الإلهام لتأليف الموسيقى أو الكتابة ولهذا تفسير منطقي وعلمي في الحقيقة.
فقد وجد علماء النفس أن اللون الأخضر يمكن أن يزيد الإبداع وأنه مرتبط أيضاً بالتفكير المعقد والتفكير عالي المستوى بالإضافة إلى الاسترخاء والتركيز الداخلي.
كما يمكن أن تساعد ظلال الطبيعة الخضراء في جعلنا نشعر بالراحة في مكان جديد. لهذا السبب، غالباً ما يستخدم المصممون اللون الأخضر في الأماكن العامة مثل المطاعم والفنادق.
كما يعتقد العلماء أن اللون الأخضر لا يؤثر فقط على عواطفنا، ولكن أيضاً على ذاكرتنا. قدمت إحدى الدراسات، التي نشرت في الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 2016، للناس قائمة من الكلمات المرتبطة بالعواطف والذكريات مكتوبة بألوان مختلفة ثم طُلب منهم تذكر كلمات معينة.
النتيجة كانت أن المشاركين استطاعوا تذكر الكلمات الإيجابية المكتوبة باللون الأخضر بشكل أكبر، مما دفع الباحثين إلى وضع نظرية مفادها أن اللون الأخضر يحمل دلالات عاطفية أكثر إيجابية. وبالتالي، قد يثير اللون الأخضر شعوراً بالتفاؤل عندما يتعلق الأمر بتذكر المعلومات.
الأزرق الفاتح يثير مشاعر الأمان والسكينة
يوصف اللون الأزرق بأنه اللون المفضل لدى كثير من الناس وقد يعود السبب إلى أنه يدعو إلى الهدوء والسكينة والأمان.
وغالباً ما يُنظر إلى اللون الأزرق على أنه علامة على الاستقرار والموثوقية؛ لذلك تستخدمه العديد من الشركات في الدعاية والتسويق.
والمثير للاهتمام هو أن اللون الأزرق يعتبر من أقل الألوان فتحاً للشهية. السبب هو أن من النادر أن ترى أطعمة لونها أزرق بشكل طبيعي بخلاف العنب البري والبرقوق أحياناً. كما أننا نتجنب الأطعمة إذا ظهر عليها لون أزرق؛ لأنه عادة علامة على التلف أو السم.
كما أن للون الأزرق تأثيراً صحياً وطبياً؛ فقد اقترحت دراسة تمت عام 2018 شاركها موقع Sciencedaily، أن الألوان الزرقاء الفاتحة تميل إلى خفض ضغط الدم عند التعرض لها كوسيلة علاجية.
وقد يفسر ذلك أيضاً شعورنا بالهدوء حول الممرضات والأطباء الذين يرتدون اللون الأزرق الفاتح.
وقد يكون هذا أيضاً سبب طلاء العيادات والمستشفيات أحياناً للجدران باللون الأزرق الفاتح.
كما يرتبط الأزرق الفاتح بالانفتاح والسلام ويعطي شعوراً بالطمأنينة؛ إذ أن الرمز العالمي للسلام، المستخدم في كل لافتة تقريباً ليوم السلام العالمي، هو عبارة عن حمامة بيضاء تحمل فرعاً صغيراً أمام خلفية زرقاء فاتحة.