كشفت دراسة أجراها بريثفيراج تشودهاري، أستاذ كلية هارفارد للأعمال وخبير العمل عن بُعد، أن العمل في المكاتب سيصبح "موضة متجاوَزة" في العالم بعد 10 سنوات على أبعد تقدير، مؤكداً أن الشركات التي لن تعتمد على النمط ستكون أكثر عرضة لهجرة أمهر عمالها، الذين سيختارون التوجه إلى المؤسسات التي تعتمد على هذا النمط في العمل.
حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، الأربعاء 16 فبراير/شباط 2022، فقد درس تشودهاري، الذي يعتبر من أقدم الدعاة إلى "العمل من أي مكان"، الشركات التي تحولت إلى العمل عن بُعد بنسبة 100% قبل الجائحة، ومنها شركات Gitlab وZapier.
أظهر بحثه أن قوة العمل الهجينة عادةً ما تكون أكثر إنتاجية، وأكثر ولاءً، وأقل ميلاً إلى المغادرة، كما قال تشودهاري إن الشركات التي تمنح موظفيها الآن خيار العمل الافتراضي للأبد، مثل Twitter وPwC، ستجعل بقية الشركات عرضةً لاستنزاف المواهب الشديد إذا لم تواكب نهجها.
تحدث تشودهاري إلى صحفيي وكالة Bloomberg الأمريكية، وإليكم مقتطفاتٍ من المحادثة بعد تحريرها، للاختصار والتوضيح.
هل هناك أي شيءٍ لم تنتبه إليه وسائل الإعلام أو أخطأت في فهمه حول العمل عن بُعد؟
عادةً ما يدور الحديث حول العمل عن بُعد على أنه شيءٌ يريده الموظفون ويرفضه أصحاب الشركات، لكن أبحاثي تكشف أن العمل عن بُعد سيكون مكسباً لجميع الأطراف، إذ سيستمتع الموظفون بالعمل من أي مكان، لأنهم سيتمكنون من الانتقال إلى أماكن أرخص، حيث يمكن أن يعيش الموظف في أي مكان.
يعتبر العمل عن بُعد مكسباً بالنسبة لأصحاب العمل أيضاً، لأنهم لن يضطروا إلى التقيّد بالتوظيف من سوق العمل المحلية التي يمتلكون مكتباً فيها. أما المكسب الكبير الآخر فهو الإنتاجية. إذ وثقنا زيادة الإنتاجية بنسبة 4.4% في مكتب براءات الاختراع بالولايات المتحدة عام 2012، حين سمح المكتب لفاحصي براءات الاختراع بالعمل من أي مكان.
كيف سيكون شكل العمل الطبيعي في غضون 10 سنوات من الآن؟
يمكن القول إننا نعيش لحظةً لا تتكرر في الجيل سوى مرة، حين يدرك الناس أننا لسنا مجبَرين على العيش في مكانٍ لا نريده، إذ سيعثر البعض على مكان إقامةٍ دائم، بينما سيختار البعض التنقل، نحن نعيش ثورة العمل المتنقل.
من المرجح أن نتوقف عن استخدام مصطلح "العمل عن بُعد" في غضون 10 سنوات، ونكتفي بوصفه بـ"العمل"، وبالتالي سيصبح العمل بمثابة شيء تفعله، دون أن تكون له علاقة بوجهتك الحالية أو المكان الذي تعيش فيه. وأتوقع أن يحدث هذا في كل الصناعات والدول.
يخشى البعض أن يعطل غياب محادثات الردهات الابتكار في حقبة العمل عن بُعد، فهل قلقهم مبرر؟
تقول حقيقة الأمور إننا نُجري محادثات الردهات مع الأشخاص المقربين للغاية منا داخل المكتب المادي، حيث نلتقي ونتحدث إلى الأشخاص أنفسهم الـ10 كل يوم.
بينما يمكننا في العالم الافتراضي الاستمتاع بتجربةٍ أفضل، إذ أجريت دراسةً العام الماضي، بالتعاون مع مصرفٍ دولي، وصممنا تجربةً بعنوان "مبرّدات المياه الافتراضية"، حيث تبين أن المتدربين نجحوا في لقاء كبار المديرين وسط مجموعةٍ من الأشخاص الذين لا يعرفونهم عبر الإنترنت، رغم أنهم لم يلتقوهم من قبلُ، لإجراء محادثةٍ حميمة بشكلٍ شخصي على أرض الواقع.
وقد أسفر ذلك عن تحسُّنٍ كبير في الأداء وفرص التوظيف.
يجادل بعض المديرين بأنك ستخسر الكثير في حال عدم العمل مع زملائك وجهاً لوجه، كيف ترى هذه المقاومة من المديرين؟
أعتقد أن عليهم تقديم أدلةٍ تُثبت وجهة نظرهم، إذ إن نموذجي القائم على العمل من أي مكان يتضمن كثيراً من التفاعلات، حيث تقضي 25% من وقتك داخل مكانٍ واحد مع زملائك، ومراقبة الموظفين الجدد، والخروج لتناول العشاء مع الفريق، وتكوين الذكريات المشتركة.
كما يجب أن نُعيد تصميم المكاتب، حيث نحتاج إلى مزيد من غرف الاجتماعات والمطابخ المشتركة، ليتمكن الفريق من طهو وجبةٍ معاً، بدلاً من المكاتب المكعبة ومكاتب الزاوية، وحين يقضي المرء 25% من وقته بهذه الطريقة؛ يزيد عمق الروابط التي تجمع الفريق. في حين ستساهم تجربة مبرّدات المياه الافتراضية في توسيع الشبكة الاجتماعية لشركتك.
قررت بعض الشركات الناشئة في وادي السيليكون، مثل Bolt، الانتقال مؤخراً إلى أسبوع عملٍ مدته أربعة أيام، فهل ستحذو مزيد من الشركات حذوها؟
لديَّ فلسفةٌ مختلفة في الواقع، إذ يجب أن لا نهتم بعدد أيام أو ساعات العمل، بل يجب تحديد مقاييس موضوعية لكل وظيفة ومهمة، ولا بأس بعدها إن تمكَّن الموظف من تأديتها في يومين.
وأنا من أشد المؤمنين بضرورة التوقف عن احتساب الوقت. بل يجب أن نمنح الناس المرونة للعمل في الوقت المناسب لهم، وفي الساعات التي يريدونها، وفي الأيام التي يفضّلونها بينما ينصب تركيزهم بالكامل على عملهم فقط.