لا يولي الناس البراكين اهتماماً إلا عندما تنفجر وتسبب كوارث فوق الأرض، لكن الثوران البركاني العنيف الذي حدث تحت المياه في جزيرة تونغا بالمحيط الهادئ منتصف شهر يناير/كانون الثاني 2022، لفت أنظار الناس إلى البراكين تحت الماء.
وبينما تسبب ثوران البركان في تونغا بموجات مد عاتية (تسونامي) غمرت أجزاء من عاصمة البلاد، غالباً ما تحدث هذه الانفجارات تحت الماء وتمضي دون ضجة كبيرة.
بدوره قال عالم البراكين في جامعة ماينس الألمانية كريستوف هيلو، إن "ثلثي النشاط البركاني بأسره يحدثان في أعماق البحار".
وأضاف لشبكة Deutsche Welle: "معظم البراكين على كوكبنا تتشكل تحت المياه، وهذا ليس بالأمر الغريب. وهي تثور بهدوء شديد (وليس بانفجار) لذلك لا ينتبه إليها أحد".
أما عالم البراكين وأستاذ علوم الأرض بجامعة أكسفورد، تامسين ماذر، فقال إن العدد الدقيق للبراكين النشطة تحت المياه غير معروف، لكن تقديراتها تتراوح بين المئات والألوف.
كيف تتشكل البراكين تحت المياه؟
تتشكل البراكين حين تتشكل الصخور المنصهرة في الطبقة الثانية من لب الأرض- الوشاح العلوي الصلب في الغالب- وتشق طريقها عبر القشرة، سواء كانت تحت سطح المياه أو فوقها.
ومعظم النشاطات البركانية تحت سطح البحر مرتبطة بالبراكين النشطة باستمرار على طول المرتفعات المتطاولة الممتدة في وسط المحيط، حيث تنفصل صفيحتان تكتونيتان، أو حين تصطدمان.
يقول هيلو إنه إذا كانت الصفيحتان التكتونيتان تحت المحيط، فالبركان سيتشكل تحت الماء. وأضاف أنه بمرور الوقت قد تتطور لتشكل جزراً بركانية. والنشاط البركاني داخل صفيحة تكتونية واحدة قد يؤدي أيضاً إلى تشكُّل بركان. وهذا قد يحدث حين توجد بؤرة ساخنة تحت صفيحة محيطية، وهو ما ينتج عنه تشكُّل سلسلة جزر بركانية مثل هاواي.
ماذا يحدث حين يثور بركان تحت الماء؟
تأثير ثوران بركان تحت الماء يعتمد على قربه من سطح الماء.
يقول ديفيد بايل، عالم البراكين وأستاذ علوم الأرض في جامعة أكسفورد: "إذا حدث الثوارن البركاني على أعماق كبيرة في المياه، فوزن الماء الذي يعلوه يصبح شبيهاً بغطاء مبرد السيارة".
فإذا دخلت قطعة من الصخور المنصهرة إلى البحر على عمق كيلومترين تحت السطح، فسوف تتلامس مع مياه البحر الباردة وتبرد بسرعة كبيرة. وسيصبح الماء شديد السخونة، لكنه لن يتحول إلى بخار. ولكن إذا كانت المياه ضحلة، فسيتحول الماء إلى بخار.
وقال بايل: "الانفجارات البخارية مدمرة حقاً، لأن كمية صغيرة من المياه تتحول إلى كمية هائلة من البخار".
وفضلاً عن خطر تسونامي، فكتلة الرماد المنبعثة في الهواء حين يثور بركان في المياه الضحلة قد يكون لها تأثير خطير على صحة الناس.
فالرماد المتساقط والغازات المنبعثة لا تلوث الهواء فحسب، بل تؤثر على مرور إمدادات الكهرباء والمياه.
صعوبة الوصول ومحدودية البيانات
قد لا يكون مستغرباً أن البراكين التي تتشكل تحت المياه تصعب دراستها. وبإمكان العلماء التعرف على تاريخ أي بركان على الأرض عن طريق زيارة موقع البركان وجمع البيانات عنه عبر الاستعانة بسلاسل الجروف أو حفر الثقوب وجمع المواد.
أما البراكين التي تتشكل تحت المياه، فيعتمد العلماء في دراستها عادةً على المسوحات البحرية وتقنيات رسم الخرائط مثل السونار.
يقول بايل: "هذا يشبه كعكة معقدة من عدة طبقات يعدّها أحدهم ثم يفسدها ويحفر ثقباً فيها، وإذا كانت فوق الماء، فيمكنك الذهاب وإلقاء نظرة عليها، أما إذا ألقاها في مغطس الحمام، فستصبح في مشكلة حقيقية".
أين تقع معظم البراكين تحت الماء؟
تقع معظم البراكين النشطة على الأرض على طول "حلقة النار" في المحيط الهادئ، حسب ما نشره موقع Engineering for Discovery.
تتكون حلقة النار من أكثر من 450 بركاناً، وتمتد لما يقرب من 40.250 كيلومتراً على شكل حدوة حصان من الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية، على طول الساحل الغربي لأمريكا الشمالية نزولاً عبر اليابان وصولاً إلى نيوزيلندا.
هل توجد براكين تحت البحر المتوسط؟
نعم، هناك العديد من الأمثلة في البحر الأبيض المتوسط، لا سيما البحر التيراني قبالة الساحل الغربي لإيطاليا، حسب خريطة نشرتها المفوضية الأوروبية.
وجزر الكناري الواقعة قبالة الساحل الغربي لشمال إفريقيا، عبارة عن سلسلة جزر بركانية بها براكين نشطة تحت الماء في المياه المحيطة.
تشكل هذه البراكين عوامل خطرة على حياة الإنسان، لأنها لا تطلق المواد في الغلاف الجوي فحسب، بل يمكن أن تؤدي إلى حدوث انهيارات أرضية أو موجات تسونامي في أثناء ثوران البركان.