جدَّد البروفيسور البيولوجي الأمريكي بول إيرليخ، من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، أن سكان الأرض قد يتعرضون إلى موجة سادسة وشيكة من الانقراض الجماعي العظيم للكائنات الحية.
وأشار البروفيسور في ورقة بحثية سابقة تداولتها كبريات الصحف العالمية خلال اليومين الماضيين على خلفية، إلى أن الصندوق العالمي للحياة البرية يحذِّر من أن العالم خلال الأعوام العشرة المقبلة سيشهد موجة انقراض جماعي هائلة لم يعرفها منذ انقراض الديناصورات قبل عشرات الملايين من السنين.
وسوف تشمل هذه الموجة ملايين النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة.
ويخشى العلماء من أن تحدث موجة الانقراض الجماعي السادسة أمام أعيننا خلال السنوات الجارية، باعتبار أن تلك الموجة من الانقراض قد بدأت بالفعل منذ عام 2015، بحسب جامعة ستانفورد الأمريكية.
أي أننا على وشك رؤية آثارها الواضحة خلال الأعوام المقبلة، بحلول عام 2025 على الأكثر، وستستمر تداعياتها الكارثية خلال 50 سنة مقبلة تقريباً.
وستكون تلك الموجة بشكل رئيسي بسبب إفراط الإنسان في إزالة الغابات وتصحيرها مقابل بناء عمرانه ومدنه، إضافة إلى استمرار عمليات الصيد الجائرة التي تُخِلّ بالسلسلة الغذائية الطبيعية، بجانب معضلات صيد الأسماك التي تهدد الثروة المائية العالمية للكائنات الحية.
ويشير البروفيسور -وفقاً لورقته البحثية مع مجموعة من علماء البيئة والبيولوجيا- إلى أن الانقراض الجماعي الوشيك هو أحد التهديدات الحالية التي تواجهها الحضارة البشرية، جنباً إلى جنب مع التغيرات المناخية والتسمم العالمي واستئناف سباق التسلح النووي.
يأتي هذا التحذير المتجدد بعد حوالي 65 مليون سنة من الانقراض الجماعي الأخير، والذي مثَّل نهاية الديناصورات على الكوكب، وسط تحذيرات من العلماء أننا في مخاض مبكر لحدث إبادة آخر من هذا القبيل.
وعلى عكس أي حالة أخرى، فإن هذا الانقراض الجماعي السادس -أو انقراض الأنثروبوسين كما سموه بحسب موقع DW الألماني- هو الوحيد الذي تسبب فيه البشر، نتيجة تغير المناخ وتدمير الموائل ورفع مستويات التلوث والزراعة الصناعية التي تلعب جميعها دوراً كبيراً في ذلك.
وفي حالات الانقراض الجماعي، يموت ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الكائنات الحية عن الوجود في غضون حوالي 3 ملايين سنة.
ويعتقد بعض العلماء أنه وفقاً لمعدلاتنا الحالية في التلوث وقتل الطبيعة بأنواعها، فإننا على الأرجح نسير على المسار الصحيح لفقدان هذا الرقم في غضون بضعة قرون مقبلة.
على مدى العقود القليلة القادمة وحدها، هناك ما لا يقل عن مليون نوع من الكائنات الحية معرضٌ لخطر الانقراض، هذا وفقاً لتقدير في تقرير تاريخي نُشر عام 2019 بموقع الأمم المتحدة الرسمي.
ومع ذلك، تُعد محاولة التنبؤ بنتائج الانهيار الكامل في التنوع البيولوجي الوشيك بمثابة لعبة من التكهنات، لأن النظم البيئية معقدة وغير متوقعة، لكن بشكل عام ستؤدي هذه التطورات على أقل تقدير إلى تهديد الأمن الغذائي للبشر بشكل كبير وخطير، مع ارتفاع مخاطر الجفاف والمجاعات.
موجات الانقراض السابقة التي شهدها كوكب الأرض
كان أشهر حدث انقراض جماعي على الأرض هو الكويكب العملاق الذي ضرب كوكب الأرض وأدى إلى القضاء على الديناصورات قبل 66 مليون سنة.
ولكن على الرغم من أنها كانت موجة انقراض شديدة، إذ قضت على حوالي 76% من الكائنات الحية في العالم، فإنه كان هناك أنواع أخرى أكثر تدميراً وتشابهاً مع أفلام نهاية العالم الخالية، التي وقعت عبر تاريخ كوكبنا البالغ 4.5 مليار سنة.
1- انقراض الأوردوفيشي السيلوري – منذ 444 مليون سنة
حدث أول انقراض معروف للعلماء منذ حوالي 444 مليون سنة عندما كانت كل أشكال الحياة تقريباً في البحر فقط، وكانت النباتات قد بدأت للتو في الظهور على اليابسة.
ويعتقد العلماء أن هذا الانقراض حدث على الأرجح نتيجة الصقيع العالمي وانخفاض مستويات سطح البحر، مما أثر بشكل كبير على العديد من الأنواع البحرية التي تعيش في المياه الساحلية الدافئة الضحلة.
كان هذا ثاني أسوأ انقراض جماعي عرفه العلم في عصرنا الحديث، ويُعتقد أنه قتل ما يُقدَّر بنحو 85% من جميع الكائنات الحية على الأرض.
وفي ذلك العصر، كانت الأرض مكاناً مختلفاً تماماً عما هي عليه اليوم، حيث تجمعت معظم قارات العصر الحديث معاً كقارة عظمى واحدة يطلق عليها اسم Gondwana.
ويقول الخبراء إن الصقيع العالمي ربما كان قد بدأ بسبب تطور وظهور جبال الأبلاش في أمريكا الشمالية، والتي بدورها امتصت ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتسبب في تبريد الكوكب بشكل كبير وأدت إلى انخفاض مستويات سطح البحر بمئات الأقدام.
وبعدما بدأت الكائنات البحريّة التي تعيش في المياه الضحلة بخسارة مواطنها وغذائها، بدأ مستوى سطح البحر بالارتفاع مجدداً، فانخفضت مستويات الأوكسجين المنحل بالماء، والذي بدوره أدّى إلى ازدياد نسبة المعادن السامة المنحلّة في مياه المحيطات.
2- انقراض العصر الديفوني المتأخر – منذ 383 إلى 359 مليون سنة
كانت الفترة التالية هي الفترة التي بلغت ذروتها مع حدث انقراض نبضة كليفاسر Kellwasser الغامض.
ومنذ حوالي 383 مليون سنة، أدت سلسلة من النبضات في باطن الكرة الأرضية إلى انخفاض مستويات الأوكسجين في المحيطات وتسببت في النهاية في اختفاء 75% من جميع أنواع الكائنات على الأرض على مدى 20 مليون سنة.
وكان أسوأ نبضة من هذه النبضات الغامضة هي نبضة كليفاسر، التي قتلت عدداً هائلاً من مخلوقات الشعاب المرجانية.
ليس من الواضح سبب هذا الانقراض بالتحديد، ولكن تم إلقاء اللوم على البراكين وفق بعض المدارس العلمية، في عين اعتقدت الأخرى أنها حدثت نتيجة ضرب نيزك لكوكب الأرض.
وذلك لأن منطقة كبيرة من الصخور البركانية المعروفة الآن باسم الفخاخ السيبيرية اندلعت في غضون مليوني سنة من حدوث نبضات كليفاسر.
وأطلق هذه البراكين 240 ألف ميل مكعب من الحمم البركانية معززة مستويات ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي، مما يُعتقد أنه تسبب في هطول أمطار حمضية قتلت ما قتلت من الكائنات الحية.
وفي الوقت نفسه، تشكلت واحدة من أكبر الفوهات الصدمية الباقية على الأرض – والتي تُسمى بـSiljan في السويد، ويبلغ عرضها 32 ميلاً، والتي لا يزال من الممكن العثور عليها حتى اليوم – كدليل بيولوجي لما وقع منذ حوالي 377 مليون سنة.
ويعتقد العلماء أن النباتات ربما ساهمت أيضاً في حدوث المشكلة. وهذا لأن العديد منها تكيفت وأصبحت أكبر، وجذورها أعمق، الأمر الذي كان من شأنه أن يزيد من معدل تجوية الصخور.
أدى هذا بدوره إلى تدفق المزيد من العناصر الغذائية الزائدة من اليابسة إلى المحيطات، مما أدى إلى نمو الطحالب، ولكنه أدى أيضاً إلى تشكل المنطقة الميتة في مياه الأرض، لأنه مع موت الطحالب، أزال الأوكسجين من المحيطات.
ويقول العلماء إن النباتات لم تكن مذنبة فحسب، بل كان من الممكن أن يؤدي انتشار الأشجار أيضاً إلى امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وقد يتسبب ذلك في برودة عالمية مثل موجة الانقراض السابقة لذلك.
3- انقراض العصر البرمي الترياسي – منذ 252 مليون سنة
كن الأسوأ من ذلك أنه بعد الانقراض الجماعي الديفوني المتأخر، حدث "الموت العظيم" لكوكب الأرض.
وكان هذا الانقراض الجماعي في نهاية العصر البرمي أكبر حدث من هذا القبيل واجهته الأرض والذي أثر بشكل كبير على بيئة كوكبنا.
حدث ذلك قبل 252 مليون سنة وشهد 97% من الأنواع التي تركت سجلاً أحفورياً تختفي إلى الأبد.
وتنحدر كل أشكال الحياة على الأرض اليوم من حوالي 10% من الحيوانات والنباتات والميكروبات التي نجت من الانقراض الجماعي في العصر البرمي.
ففي السابق، كان يُعتقد أن ثوراناً بركانياً ضخماً غطى الأرض بضباب دخان كثيف، مما منع أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الكوكب.
ومع ذلك، تشير الأبحاث العلمية إلى أن ثوراناً بركانياً هائلاً استمر لما يقرب من مليون عام أدى إلى إطلاق كميات ضخمة من المواد الكيميائية القاتلة في الغلاف الجوي، والتي بدورها جردت الأرض من طبقة الأوزون الخاصة بها.
أدى هذا إلى القضاء على الحماية الوحيدة التي كان كوكب الأرض يتمتع بها ضد أشعة الشمس فوق البنفسجية المميتة، مما تسبب في ارتفاع عدد الوفيات بين الكائنات الحية بأنواعها.
4- انقراض العصر الترياسي الجوراسي – منذ 201 مليون سنة
بعد التعافي من "الموت العظيم"، استمرت الحياة مرة أخرى في الازدهار والتنوع، إلا أنها تعرضت لانتكاسة أخرى منذ حوالي 201 مليون سنة.
هذه المرة تم القضاء على ما يصل إلى 80% من جميع الأنواع البرية والبحرية على الكوكب، وحدث ذلك إلى حد كبير بسبب تحمض المحيطات الترياسية.
في نهاية تلك الفترة، ارتفعت درجة حرارة الأرض بمتوسط يتراوح بين 5 و11 درجة فهرنهايت، ويرجع ذلك في جميع الاحتمالات إلى الكميات الهائلة من غازات الدفيئة التي يتم دفعها في الغلاف الجوي بواسطة مقاطعة وسط المحيط الأطلسي الصخرية، والتي كان بها كميات من الحمم البركانية التي يمكن أن تغطي الولايات المتحدة.
وبحسب موقع National History Museum، أدت هذه الزيادة في ثاني أكسيد الكربون إلى حموضة المحيطات وجعلت من الصعب على الكائنات البحرية بناء أصدافها من كربونات الكالسيوم.
لكنها تسببت أيضاً في موت العديد من التمساحيات، والتي كانت هي الفقاريات المهيمنة في ذلك الوقت.
وبديلاً عنها، بدأت الديناصورات الأولى في الظهور في جميع أنحاء العالم وتنوعت بسرعة فائقة.
5- انقراض العصر الطباشيري والباليوجيني – منذ 66 مليون سنة
ولأن موجات الانقراض تُعد جزءاً من الحياة، اختفى حوالي 98% من جميع الكائنات الحية التي كانت موجودة على كوكبنا على مدار تاريخ الأرض.
لكن لا يوجد انقراض أكثر شهرة من انقراض نهاية عهد الديناصورات قبل 66 مليون سنة.
وحينها اصطدم كويكب Chicxulub، الذي كان عرضه حوالي 7.5 ميل، بالأرض في المياه قبالة ما يعرف الآن بشبه جزيرة يوكاتان المكسيكية، بسرعة 45000 ميل في الساعة.
لم تترك هذه الصدمة الهائلة وراءها حفرة يزيد عرضها عن 120 ميلاً فحسب، بل تسببت أيضاً في حدوث تسونامي ضخم وأشعلت حرائق غابات على أي أرض تقع ضمن 900 ميل من التأثير.
كما أدى الغبار والحطام الذي اندلع في الغلاف الجوي إلى تبريد عالمي وتسبب في انهيار النظم البيئية على الفور تقريباً.
وقد أدى هذا الارتطام إلى فقدان حوالي 76% من أنواع الكائنات الحية في العالم.
6- انقراض سادس من صنع الإنسان
يأتي ذلك بينما تشهد الأرض حالياً أزمة في التنوع البيولوجي، وهو تأثير غير مباشر للثورة الصناعية بسبب الأنشطة البشرية مثل إزالة الغابات والصيد الجائر.
وبحسب صحيفة Guardian البريطانية، يأتي انتشار الأوبئة والأمراض الغازية من التجارة البشرية، وكذلك التلوث وتغير المناخ الذي يسببه الإنسان، كتهديدات أساسية خطيرة لكوكبنا.
ليس ذلك فحسب، بل وجدت الأبحاث العلمية أن نشاطات مثل قطع الأشجار والصيد الجائر دفعت 500 من الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات إلى حافة الهاوية والانقراض.
وتختفي حالياً الكائنات الطبيعية في نظامنا البيئي بأكثر من 100 ضعف المعدل الطبيعي، وفقاً للباحثين البيولوجيين بقيادة البروفيسور جيراردو سيبايوس من جامعة المكسيك الوطنية في مكسيكو سيتي.
ذهب الصندوق العالمي للطبيعة إلى أبعد من ذلك اليوم، محذراً من أن العالم يتجه نحو أكبر حدث انقراض جماعي منذ الديناصورات خلال العقد المقبل، دافعاً ملايين النباتات والحيوانات إلى الانقراض.
وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 8.7 مليون نوع من أنواع النباتات والحيوانات على الأرض، وحوالي 86% من الأنواع البرية و91% من الأنواع البحرية لا تزال غير مكتشفة.