يأمل كل منا في تجنّب أسوأ ظروف الحياة والصدمة النفسية بأنواعها، مثل التعرُّض للحوادث أو المرض أو الخسارة أو التعرُّض للصدمات والعنف. لسوء الحظ، قلة منا ستنجح في الحصول على حياة سالمة وخالية تماماً من الصدمات.
ووفقاً لبحث نشرته مجلة Time الأمريكية عن اضطراب ما بعد الصدمة، فإن 75% من الأشخاص حول العالم، سيعانون من حدث صادم على الأقل خلال حياتهم.
وعادة ما تؤدي هذه الأحداث المؤلمة إلى معاناة كبيرة وصدمات تحتاج إلى الوقت والوعي لكي يتم التعافي منها. لكن ليست كل الأخبار سيئة هُنا، إذ يمكن أن تكون الصدمة أيضاً دافعاً قوياً للتغيير الإيجابي وتحسين قدرات الشخص.
في هذا التقرير نستعرض الجانب الإيجابي للتعرُّض للصدمات، طالما يتم التعامل معها بتأنٍّ ووعي كافيين وكفيلين لتعافيها بشكل تدريجي بمرور الوقت المناسب.
كيف يمكن أن يؤدي التعرُّض للصدمات لنتائج إيجابية؟
وفقاً لبحث كلاسيكي منذ الثمانينيات أجراه عالمان نفسيان مخضرمان هما ريتشارد تيديشي ولورانس كالهون، من جامعة نورث كارولينا الأمريكية، اتضح أن الصدمة بإمكانها بقدر ما تؤدي لمشكلات نفسية، أن تغير الناس بطرق أساسية للأفضل.
وكانت بعض هذه التغييرات الإيجابية التي نشرها موقع Research Gate للأبحاث، تمتُّع المصابين بقوة داخلية أكبر بكثير مما اعتقدوا بعد التعرُّض للصدمة، أو ميلهم إلى أن يصبحوا أقرب إلى الأصدقاء وأفراد الأسرة، أو أن الحياة أصبح لها معنى أكبر بالنسبة لهم، أو أنهم يعيدون توجيه حياتهم نحو تحقيق المزيد من الرضا والأهداف.
وقد تصل تلك الصدمات والمعاناة لدرجات عالية من المشقة والألم، مثل من عانوا من السرطان أو نجوا من حوادث مروعة غيرت حياتهم أو فقدوا أحد أفراد أسرتهم بطريقة مأساوية.
المعاناة التي نتجت عن هذه التجارب الرهيبة لم تكن نهاية المطاف. بدلاً من ذلك عملت كمحفز، ودفعت هؤلاء الناس إلى التغيير نحو الأفضل. في ورقة بحثية صدرت عام 1996، صاغ تيديشي وكالهون مصطلح النمو اللاحق للصدمة لوصف هذا الجانب الإيجابي للتعرُّض للصدمات النفسية.
منذ ذلك الحين، بدأ الباحثون في جميع أنحاء العالم دراسة تداعيات النمو والنُّضج اللاحق للصدمة. ووجدت الدراسات أن أكثر من نصف الناجين من الصدمات أبلغوا عن تغيير إيجابي- أكثر بكثير من الإبلاغ عن اضطراب ما بعد الصدمة المعروف.
ولكن الشروط الأساسية لحدوث ذلك هي أن يبدأ النمو بالشفاء من الصدمة. وبامتلاك البيئة والعقلية الصحيحة، يمكن تحقيق التغيير الإيجابي، باستخدام الصدمة والمعاناة والصراع الذي يترتب على ذلك، كفرصة للتفكير والبحث عن معنى في حياة الشخص المصاب، لكي يصبح في النهاية نسخة أفضل من نفسه.
وفيما يلي بعض التبعات الإيجابية للتعرُّض للصدمة التي قد تفاجئك:
الشعور بالطموح والأمل في المستقبل
يوضح موقع Evergreen Psychotherapy Center للصحة النفسية والعلاج، أن "الأمل" يُعتبر جانباً أساسياً من جوانب وعلامات التعافي من الصدمة النفسية، سواء عند الأطفال أو البالغين.
ويرتبط الأمل بتحسين الصحة الجسدية والنفسية، وتحسين الأداء الأكاديمي والعمل الوظيفي، والرغبة في التعافي من الصدمات.
في المقابل، قد تؤدي التجارب المؤلمة عادةً إلى تحطيم إيمان المرء بوجود عالم آمن من حول الشخص المصاب، وتؤدي في نهاية المطاف إلى الإحساس بالإحباط وفقدان الرغبة ورؤية المستقبل القصير.
ويستطيع الشعور بالأمل أن يمكّن الأفراد ويحفزهم على الإيمان بإمكانية تحقيقهم لمستقبل أكثر إشراقاً يستحق العيش والاجتهاد، وهو العامل شديد الأهمية في طريق التعافي والنمو.
إيجاد المعنى للحياة وتحديد الهدف
تؤثر الصدمات عادةً على المعتقدات حول الذات والعالم والمستقبل، مما يؤدي إلى تشكيل رؤى وعقليات سلبية، مثلاً قول: "هذا خطئي؛ أنا عاجز؛ العالم قبيح والناس سيئون".
في الجهة المقابلة، يمكن للصدمات مساعدة الناس على فهم الأحداث الصادمة، وخلق إحساس بالمعنى والهدف، وتعزيز المرونة والقدرة على النمو والنضج العقلي والنفسي من خلال زيادة التفاؤل والعواطف الإيجابية واحترام وتقدير الذات.
أولئك الذين يجدون معنى في الأحداث الصادمة، مثل فقدان طفل أو الإصابة بالمرض، يحققون أداءً أفضل في رحلة شفائهم وتعافيهم من الصدمة عن أولئك الذين لا يجدون جدوى لأي شيء يحدث لهم.
كما أن الأشخاص الذين يخلقون سرداً يعكس قدرتهم على التغلب على حدث ضار، واكتشاف النتائج الإيجابية، يكونون أكثر قدرة على التعامل لاحقاً مع مجريات الحياة بشكل أفضل.
التمتُّع بالمشاعر الإيجابية والتعاطُف
عادة ما تنشِّط المشاعر الإيجابية التغيرات الكيميائية الحيوية في الدماغ، وتغمر أدمغتنا بالدوبامين، والسيروتونين، والإندورفين، وهي نواقل عصبية تحفز نظام المكافأة في الدماغ وهي ترتبط بالحالات المزاجية الإيجابية، والشعور بالتحفيز والمتعة.
لذلك من أهم عوامل التعافي من الصدمة والشعور بتحسُّن إيجابي على الحياة بشكل عام هو الشعور بالمشاعر الإيجابية والنُّضج.
الأشخاص الذين شعروا بمشاعر إيجابية خلال حياتهم أيضاً، كانوا أكثر قدرة على التعافي من الصدمات عن غيرهم من الأكثر تشاؤماً وسوداوية، بحسب موقع Human Performance Resources للصحة النفسية.
إذ يحمي التفاؤل الآثار السلبية للأحداث الصادمة لأنه يعزز حل المشكلات الفعال والعمل البناء واستغلال الظروف مهما كانت وطأتها.
الحصول على الدعم الاجتماعي والتآزر
الدعم الاجتماعي، سواء تم تلقيه أو تم منحه من قِبَل الشخص المصاب بالصدمة، يزيد من فرصه في النُّضج والنمو والتمتُّع بإيجابيات المرحلة مهما كانت تبعاتها على حياته.
وتوفر العلاقات الإيجابية إحساساً بالترابط والتآزر، وعادة ما تكون فرصة لتجربة الجانب الصحي من الحياة، وتقليل الشعور بالوحدة وانعدام القيمة.
كما أنها تربط الناس بالموارد المتاحة، مثل المعالجين والأطباء والخدمات المجتمعية وحتى داخل الأسرة الواحدة، وهي العوامل الإيجابية التي تعزز شعور الشخص بالانتماء للمجموعة.
نُضج التفكير واكتساب المهارات المعرفية
التطور في التفكير الذي يتمتع به الأشخاص المتعافون أو من هم في رحلتهم للتعافي من الصدمات القاسية أحد أهم المؤشرات والنتائج التي تميز المرحلة.
على سبيل المثال، قد تظن الرجل الذي تعرض لصدمة الخيانة والطلاق أنه لا يمكنه أن يثق أبداً في النساء، ولكن لاحقاً خلال مراحل التعافي قد يجد أن المتخصصة النفسية التي ساعدته خلال الرحلة كانت امرأة، مديرته في العمل التي تفهمت حالته ومنحته عطلات إضافية كانت امرأة، ثم لاحقاً عندما يجد الشريكة الملائمة سيعرف أن التجربة القاسية التي خاضها لم تؤثر على ثقته بقدر ما أكسبته قدرة على النمو والنُّضج.
وبحسب موقع VA Research لعلاج ما بعد الصدمة للمحاربين القدامى، يتم وصف المرونة المعرفية بأنها "القدرة على رؤية ظلال اللون الرمادي، ورؤية الأشياء من وجهات نظر مختلفة، وتغيير وجهة نظرك بشأن أشياء معينة".
يرى بعض الباحثين أن النمو التالي للصدمات المؤلمة هو شكل من أشكال المرونة العاطفية. ومع ذلك، قد تكون الفكرة مختلفة.
إذ لا يمكن بالضرورة أن يرتبط نمو ما بعد الصدمة، إلى عدم التأثُّر أن المواجهة، واللحظات الصعبة للغاية، بل حتى ربما بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة الكامل PTSD.
بالنسبة لبعض المحاربين القدامى، لا يتشكل النمو اللاحق للصدمة إلا بعد شهور أو حتى سنوات من العلاج. لكن العلاج ليس بأي حال من الأحوال شرطاً على الجميع.
في الواقع، قد تعيق بعض العلاجات مثل الأدوية المهدئة، النمو والقدرة على المضي قُدُماً- حتى لو كانت الأدوية ضرورية لبعض الوقت لتهدئة الأعراض المزعجة وتمكين الشخص من العمل والحياة بصورة طبيعية نسبياً.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي العلاج النفسي، إلى تحفيز النمو في كثير من الأحيان. في الواقع، بحسب علماء النفس "نحن نزيد من نمو ما بعد الصدمة بنهاية العلاج.
الهدف الرئيسي من العلاج بالكلام هو تقليل الأعراض، لكن النمو التالي للصدمات النفسية يمكن أن يكون نتيجة ثانوية إيجابية.