تعتبر شجرة الكريسماس تقليداً غريباً ممتداً منذ قرون، وهو خطوة أساسية في استعدادات توديع نهاية العام الجاري والاحتفال بحلول العام الجديد.
وفي كل شهر ديسمبر/كانون الأول، يتوجه الأشخاص في مناطق حول العالم إلى أقرب غابة، ويقطعون شجرة محددة، ويسحبونها إلى منازلهم، ويزينونها بالأضواء، والحلي، والزينة، ثم يتخلصون منها في شهر يناير/كانون الثاني.
تقليد أغصان الأشجار الخضراء الشتوي يعود للعالم القديم
يعود تاريخ شجرة الكريسماس إلى الاستخدام الرمزي للأشجار دائمة الخضرة في مصر القديمة وروما، ويستمر التقليد الألماني المتمثل في أشجار الكريسماس المضاءة بالشموع والتي تم إحضارها لأول مرة إلى أمريكا في القرن التاسع عشر.
وقبل أن تكون الشجرة تقليداً، كانت الأغصان الخضراء ديكوراً موسمياً أساسياً منذ العصور القديمة كجزء من احتفالات الانقلاب الشتوي الوثنية في الدول الغربية وأوروبا.
وفي تصريحاتها لمجلة National Geographic للطبيعة والعلوم، قالت كارول كوزاك، أستاذة الدراسات الدينية بجامعة سيدني: "كانت الخضرة في مهرجانات منتصف الشتاء تقليدية منذ عهد العالم القديم، مما يدل على انتصار الحياة والضوء على الموت والظلام".
وبالرغم من أنه من الصعب نظرياً تحديد متى وأين تحولت هذه التقاليد الوثنية إلى تقليد كما نعرفه اليوم ومنوطاً بشجرة معينة: تزعم العديد من البلدان أنها كانت البداية وراء ابتكار مفهوم شجرة الكريسماس، وهناك أساطير متنافسة تسعى إلى شرح تاريخ كل دولة في ابتكار الطقس.
لكن بينما تظهر أشجار عيد الميلاد في جميع أنحاء العالم، يتم إرجاع أصولها إلى مناطق ذات غابات وفيرة دائمة الخضرة – خاصة تلك الموجودة في شمال أوروبا.
نستعرض فيما يلي كيفية تطور شجرة الكريسماس إلى أيقونة حديثة يتم الالتزام بها إلى يومنا هذا.
الشجر دائم الخضرة يتم استخدامه منذ التاريخ القديم
قبل ظهور المسيحية بوقت طويل، كان للنباتات والأشجار التي ظلت خضراء طوال العام معنى خاصاً للناس في الشتاء.
ومثلما يزين الناس منازلهم اليوم خلال موسم الأعياد بأشجار الصنوبر والتنوب، علقت الشعوب القديمة أغصاناً دائمة الخضرة على أبوابها ونوافذها. وكان يعتقد في العديد من البلدان أن الخضرة ستبعد السحرة والأشباح والأرواح الشريرة والمرض.
وبحسب History، عبد المصريون القدماء الإله "رع"، الذي كان له رأس صقر ولبس الشمس قرصاً مشتعلاً في تاجه.
وعند الانقلاب الشمسي، عندما بدأ رع في التعافي من مرضه، ملأ المصريون منازلهم بأشجار النخيل الخضراء، والتي كانت تمثل بالنسبة لهم انتصار الحياة على الموت.
بدورهم، احتفل الرومان الأوائل بالانقلاب الشمسي مع عيد يسمى Saturnalia تكريما لساتورن، إله الزراعة.
وقد عرف الرومان أن الانقلاب الشمسي يعني أنه قريباً ستصبح المزارع والبساتين خضراء ومثمرة. وللاحتفال بتلك المناسبة، قاموا بتزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان دائمة الخضرة.
أما في شمال أوروبا، فقد قام الكهنة الغامضون من السلتيين القدماء، بتزيين معابدهم بأغصان دائمة الخضرة كرمز للحياة الأبدية. واعتقد الفايكنغ الهمجيون في الدول الاسكندنافية أن الخضرة هي النبات الخاص لإله الشمس "بالدر".
لاتفيا وإستونيا تتنازعان على حق ابتداع الفكرة
وفي العصور الحديثة نسبياً، تدعي كل من لاتفيا وإستونيا أنهما كانتا موطناً لشجرة عيد الميلاد الأولى.
وتُرجع لاتفيا تقاليد شجرة عيد الميلاد الخاصة بها إلى عام 1510، عندما حملت نقابة تجارية تسمى "بيت الرؤوس السوداء" شجرة عبر المدينة وزينتها ثم أحرقتها لاحقاً.
في غضون ذلك، ردت إستونيا على هذه المزاعم، قائلة إن لديها أدلة على وجود مهرجان مماثل استضافته نفس النقابة في عاصمتها تالين منذ عام 1441. ومع ذلك، شكك المؤرخون في كلا الادعاءين.
صرح جوستافس سترينجا من مكتبة لاتفيا الوطنية في ريجا لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2016 بأن احتفالات النقابة قد لا يكون لها علاقة بعيد الميلاد. لكن هذا لم يمنع هذين البلدين من القتال من أجل حقوق المفاخرة.
ومع ذلك، في نصف الكرة الشمالي حيث يقع أقصر يوم وأطول ليلة في السنة في 21 ديسمبر أو 22 ديسمبر ويسمى الانقلاب الشتوي. اعتقد الكثير من القدماء أن الشمس هي إله وأن الشتاء يأتي كل عام لأن إله الشمس أصبح مريضاً وضعيفاً.
لذلك احتفل الناس بالانقلاب الشمسي لأنه يعني أن إله الشمس سيبدأ أخيراً في التعافي، وفقاً لموقع History التاريخي.
كما ذكّرتهم الأغصان دائمة الخضرة بجميع النباتات الخضراء التي كانت ستنمو مرة أخرى عندما يكون إله الشمس قوياً ويعود الصيف.
طقس شجرة الكريسماس الحديث بدأ في ألمانيا
تم استخدام الأشجار في الطقوس والديكورات الشتوية منذ العصور القديمة، مما جعل مصدر فكرة شجرة عيد الميلاد الحديثة التي نعرفها اليوم مجالاً مفتوحاً للنقاش.
ومع ذلك، يعتقد الكثير من المؤرخين أن مفهوم شجرة الكريسماس نشأ في ألمانيا؛ إذ يُعتقد بحسب الموسوعة البريطانية Britannica، أن المبشر الإنجليزي القديس بونيفاس واجه في ألمانيا حوالي عام 723، عدداً من الوثنيين الذي كانوا يعدون قرباناً عند شجرة بلوط مكرسة للإله ثور.
لكن المبشر الإنجيلي أخذ فأساً وتوجه للشجرة بنية قطعها، وعندما لم يواجهه الإله ثور لوقفه عند حده، أعلن الراهب للوثنيين أن تلك الشجرة "مقدسة".
وسواء كانت هذه الحكاية صحيحة أم لا، فقد أصبحت أشجار البلوط دائمة الخضرة جزءاً من الطقوس المسيحية في ألمانيا، وفي العصور الوسطى بدأت تظهر أشجار التنوب أيضاً جزءاً من الطقوس والأعياد المسيحية التي استُخدمت لذات الغرض.
بداية طقوس تزيين شجرة عيد الميلاد التي نعرفها اليوم
أما عن فكرة تزيين الشجرة بالأضواء والألوان كما يقوم الملايين حول العالم اليوم، فهي تعود إلى أسطورة أخرى تقول إن الراهب الألماني مارتن لوثر علق الشموع المضاءة لأول مرة على شجرة في القرن السادس عشر.
وقد أضاف الراهب البروتستانتي في القرن السادس عشر الشموع المضاءة لأول مرة إلى الشجرة في المنزل، احتفاءً بالأيام الشتوية الأولى بنهاية العام الميلادي وبداية الأعياد.
ويُقال إن مارتن لوثر كان يتجه نحو منزله في إحدى الأمسيات الشتوية، مؤلفاً خطبة دينية للاحتفاء بأيام العيد المسيحي، وكان منبهراً من تألق النجوم المتلألئة وسط الخضرة.
ولاستعادة المشهد ومشاركته مع عائلته، نصب شجرة بلوط في الغرفة الرئيسية، وزين فروعها بشموع مضاءة. وقد تطورت الفكرة حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم.
بحلول القرن التاسع عشر، كانت أشجار الكريسماس تقليداً راسخاً في ألمانيا، وامتد من هناك لدول العالم.
وصول مفهوم شجرة الكريسماس إلى بريطانيا وأمريكا
عندما هاجر الألمان، أخذوا أشجار عيد الميلاد إلى بلدان أخرى، ولا سيما إنجلترا. هناك في سبعينيات القرن الثامن عشر، كانت شارلوت، زوجة الملك جورج الثالث المولودة في ألمانيا، تزين الأشجار في القصر الملكي بمناسبة العيد.
ومع ذلك، كان الأمير الألماني المولد، ألبرت، وزوجته، ملكة بريطانيا فيكتوريا، هما اللذين أطلقا التقليد بين البريطانيين بشكل رسمي، وفقاً لموقع British Library البريطاني للتوثيق.
إذ جعل الزوجان أشجار الكريسماس جزءاً بارزاً من احتفالات العيد، وفي عام 1848 ظهر رسم توضيحي للعائلة المالكة حول شجرة مزينة في صحيفة لندنية. وسرعان ما أصبحت أشجار عيد الميلاد شائعة في المنازل الإنجليزية كلها.
وعلى عكس العائلة المالكة السابقة، كانت فيكتوريا تحظى بشعبية كبيرة بين رعاياها، لذا أصبح الطقس الجديد رائجاً على الفور – ليس فقط في بريطانيا، ولكن مع مجتمع الساحل الشرقي الأمريكي المهتم بالموضة وكل ما هو حديث، لذلك وصلت شجرة عيد الميلاد إلى الولايات المتحدة لأول مرة.
أمريكا تتبنى شجرة الكريسماس.. والكهرباء طورت مفهوم الإضاءة
بحلول تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت زينة عيد الميلاد يتم تصديرها رسمياً من ألمانيا، وكانت شعبية شجرة عيد الميلاد في ازدياد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحسب History.
وقد لوحظ أن الأوروبيين استخدموا أشجاراً صغيرة يبلغ ارتفاعها حوالي 4 أقدام، بينما أحب الأمريكيون أن تصل أشجار عيد الميلاد الخاصة بهم من الأرض إلى السقف.
كما شهد أوائل القرن العشرين الأمريكيين تزيين أشجارهم بشكل أساسي بزخارف محلية الصنع، بينما استمرت الطائفة الألمانية الأمريكية في استخدام التفاح والمكسرات لتزيين شجر عيد الميلاد.
كذلك لعبت الكهرباء الوفيرة دوراً في تطوير أضواء أعياد الميلاد، مما جعل من الممكن تزيين شجرة الكريسماس ببهرجة شديدة دون خطر الاختناق بدخان الشموع أو التسبب في حرائق، وكذلك الاستمتاع بإضاءة الشجرة لأيام متتالية.
مع هذا، بدأت أشجار عيد الميلاد تظهر في ساحات المدينة في جميع أنحاء البلاد وأصبح وجود شجرة عيد الميلاد في المنزل تقليداً أمريكياً ما لبث أن امتد منها إلى العالم بأسره.