إذا ما قمت بإلقاء نظرة فحص سريعة على موقع تويتر أو إنستغرام، ستتأكد من أمر واحد مشترك بين الجميع، وهو أن الغالبية العظمى من الناس يحبون الاقتباسات والعبارات التحفيزية بشكل بالغ.
فنحن نحبها بالفعل، ونقوم بالاحتفاظ بها إما في ورقات ملونة على المكتب، أو داخل دفاترنا، أو في صورة منشور صغير ومختصر على أحد حساباتنا بمواقع التواصل الاجتماعي.
نحتفظ بالصور المُصممة بعبارات مؤثرة، وقد نطبعها على قمصان وأكواب تُباع في الأسواق. كما نحصل عليها في ملصقات نضعها على كل شيء من حولنا تقريباً.
لماذا كل ذلك؟ وكيف نجد أن العبارات التحفيزية والاقتباسات ملهمة ومؤثرة فينا إلى هذا الحد؟ وهل يتعلق الأمر بعلم التحفيز والإلهام الذي لطالما كان مجالاً مبهماً وتقع دراساته في قائمة المحاولات غير الدقيقة لمعرفة "أزرار" الإلهام عند البشر.
لماذا نحب الاقتباسات والعبارات التحفيزية إلى هذا الحد؟
ما نعرفه هو أن هناك أسباباً عصبية وراء كل ما نقوم به في حياتنا اليومية تقريبًا، إلا أنه قد يكون من الصعب التقاط تلك اللحظات بشكل دقيق ومحسوب في بيئة علمية للاختبار.
يوضح موقع Fast Company الأمريكي للمنوعات أن الأمر يكمُن في مزيج من الكلمات المُنتقاة بعناية من اللغة، وعلم النفس التحفيزي، ومعدلات قياس الاختيار الذاتي وفقاً للتجارب الشخصية والخبرات السابقة.
من الواضح أن الأشخاص الذين يميلون إلى الشعور بالإلهام من الاقتباسات التحفيزية سوف يجدونها أكثر إلهاماً وتأثيراً من أولئك الذين لا يجدون الاقتباسات والأقوال التحفيزية ذات مغزى لهم،
ويوضح عالم النفس الأمريكي وخبير التحفيز جوناثان فادر، للموقع ذاته، أن هناك عدداً من العوامل الرئيسية التي تجعل التأثير قوياً على البعض، وغير مؤثر على البعض الآخر، وهي تشمل التالي:
1- الشعور بالدعم والتدريب من خلالها
يقول فادر إن هناك عملية اختيار ذاتية تضيّق عدد الأشخاص الذين ينجذبون إلى الأقوال التحفيزية والاقتباسات.
علاوة على ذلك، فإن الرسالة التي مفادها أن شخصاً آخر يعتقد أنه يمكنك تحقيق ما تريد تحقيقه يمكن أن تكون محفِّزاً قوياً للمحاولة بجدية أكبر، بحسب قوله.
إذا كان معلمك أو مدربك أو معلمك يعتقد أنه يمكنك فعل شيء ما، فمن المرجح أن تفعل ذلك. صحيح؟ فما بالك إذا كان القول يعود لأحد العلماء أو المشاهير الناجحين أو الشخصيات المؤثرة اليوم أو عبر التاريخ؟
بالتالي فإن هناك القليل من التدريب الضمني الذي يحدث لنا عندما نقرأ العبارات التحفيزية، ما يؤثر على درجة الكفاءة الذاتية التي نشعر بها عند الحديث مع أنفسنا.
2- تأثير قوة اللغة واختيار الكلمات بعناية
يقول وارد فارنسورث، عميد كلية القانون بجامعة تكساس ومؤلف كتاب فارنسورث للبلاغة الإنجليزية الكلاسيكية، إن هناك قوة أيضًا في الكلمات نفسها، في أي لغة كانت. فنحن نمتلك شهية للحكمة المُعبر عنها جيدًا.
لذلك لا يتوقف الأمر فحسب على صاحب المقولة، بل تعتمد على أن تحتوي على بعض الأفكار القوية التي توضع في صياغة لا تُنسى.
3- يمكن أن تؤثر طريقة التعبير عن الفكرة في الأحكام المتعلقة بصدقها
الصياغة تساهم في مدى تقديرنا لفعالية المعلومة المقدمة لنا.
ووجدت دراسة علمية أجريت عام 2000 من قِبَل علماء الإدراك في كلية لافاييت الفنية في بوسطن الأمريكية، ونُشرت بمجلة Psychological Science العلمية، أنه عندما عُرض على الناس عبارتين مؤثرتين لشخصيات ناجحة، كان المشاركون أكثر ميلًا لقول الحكمة ذات القافية أنها الأصلية.
وبالتالي فإن الطريقة التي يتم بها التعبير عن الفكرة يمكن أن تؤثر على الأحكام المتعلقة بمدى دقتها وقبولها واعتناقها.
وفي حين أن هناك العديد من الطرق لقول نفس الشيء، فقد يكون المرء أكثر إقناعاً ومصداقيةً عند الآخرين بسبب الطريقة التي يقوم بها بترتيب الكلمات.
4- استخدام الاستعارة
يمكن أن يؤدي استخدام الاستعارة أيضًا إلى جعل فكرة بسيطة أكثر إقناعاً.
ومثال ذلك مقولة "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك" للإمام الشافعي، أو "إن من اليأس ما يعجز عن قلقلة ذرة من الرمال، ومنه ما يزحزح الجبال" لنجيب محفوظ، حيث نجد أن التعبير المجازي عززَّ المعنى وبالتالي عزز تأثرنا به.
لذلك تنجح الاستعارة عادةً بجعل الفكرة أكثر وضوحاً، أو بجعلها أبسط، أو عن طريق رسمها بشكل خيالي في ذهننا.
5- نحن نحبها.. ببساطة
سبب آخر يجعلنا نحب الاقتباسات الملهمة والعبارات التحفيزية هو أنها تؤكد ما نعرفه بالفعل، أو نعتقده بالفعل عن أنفسنا.
وبحسب موقع Creative Line للثقافة والابتكارات، واحد من أعظم الدوافع البشرية عند الإنسان هو رغبته في أن يكون قادراً ولديه قدرات استثنائية مميزة.
لذلك عندما تقرأ اقتباساً يقول "البحر الهادئ لا يصنع بحاراً ماهراً" ، فأنت تحدد نفسك كنوع من الأشخاص الاستثنائيين، شخص مرن وقادر على الصمود والصبر على المشقة.
6- وسيلة للتعبير عن نفسك
لا يؤدي هذا إلى تعزيز ما تتمنى أن تؤمن به عن نفسك فحسب، بل يمكنه أيضاً أن يؤثر على الصورة التي تود أن يراك الآخرون عليها.
على سبيل المثال، بوضع اقتباسات محددة على حسابك بموقع إنستغرام، يمكن أن تكون الاقتباسات والعبارات التحفيزية التي تشاركها علامة على طريقة تفكيرك، أو تعبيراً عن حالتك الاجتماعية أو حتى مؤشراً لتفضيلاتك الشخصية.
لا يؤمن الجميع بقوة العبارات التحفيزية والاقتباسات
بخلاف كل ما سبق، لا يؤمن الجميع بقوة الاقتباسات الملهمة.
في منشور مدونة منذ عام 2013، كتب رجل الأعمال الأمريكي، المحاضر والكاتب بيتر شانكمان، أنه في حين أنها قد تحفزك على المدى القصير، فإن "تلك العبارات التحفيزية ببساطة لن تساعدك في الوصول لأهدافك حقاً".
وأوضح: "هذا هو العيب الرئيسي للاقتباسات والأقوال التحفيزية: يتم تصميم الاقتباسات الملهمة للتحفيز الفوري اللحظي، وبغض النظر عن مدى روعة العبارة عندما تسمعها، أو الشخص صاحب المقولة، فهي لا يمكنها أن تغذيك وتدفعك للعمل يوماً بعد يوم بمفردها".
بدلاً من ذلك، يوضح الكاتب أن التركيز على التكرار وبناء العادات الثابتة أكثر من الحصول على دفعات بسيطة من الإلهام هو جوهر النجاح الحقيقي.
التوازن ضروري لتحقيق المعادلة الأمثل في "الشعور بالإلهام"
ولكن هل يمكن أن يكون التوازن بين الاثنين ضرورياً، مثل اتباع نظام غذائي صحي يحتوي على مزيج من الكافيين، الذي يغذي طاقتك عندما تحتاج إليها، والألياف التي تبقيك ممتلئاً ويقظاً طوال اليوم؟ قد يكون هذا هو الأرجح.
يلفت الكاتب بيتر شانكمان إلى أنه في أوقات الشدة أو الشك الذاتي، يمكن أن تكون الاقتباسات الملهمة بمثابة الانتعاش الذي لا بد منه لكي يحفزك على القيام بما تفعله كل يوم، سواء كان ذلك الذهاب لصالة الألعاب الرياضية أو العمل أو الدراسة.
قد لا يكون الأمر جوهرياً بما يكفي للعيش عليه كزاد طويل المدى والتأثير، ولكنه سيكون مفيدًا في مّدك بدفعة جانبية بين الحين والآخر عندما تشعر أنك لا تريد أن تقوم من الفراش.