"العنف يولّد العنف"، كثيراً ما نسمع أو نقرأ هذه الجملة التي عادة ما تأتي في سياقات تربوية أو سلوكية أو نفسية. وغالباً ما تستخدم هذه الجملة لتوضيح فكرة أن الشخص الذي يتعرض للعنف يصبح أكثر تقبلاً له مع الوقت وقد يراه أمراً عادياً أو ضرورة حتى، لذلك فإن احتمالية تقليده للسلوك العنيف تكون أكبر.
في الحقيقة، هنالك الكثير من الدراسات والأبحاث التي وجدت علاقة بين التعرض للعنف والسلوكيات العدوانية وارتكاب الجرائم. ولكن المثير للدهشة أن العديد من هذه الدراسات لم تشترط بالضرورة التعرض الحقيقي للعنف.
بل توصلت إلى أن التعرض الافتراضي للمحتوى العنيف والإجرامي في التلفزيون والسينما على سبيل المثال، له تأثير مشابه أيضاً.
سنتحدث في هذا التقرير عن تأثير العنف ومشاهدة أفلام الجريمة على السلوك الفردي للأطفال والبالغين، بالإضافة إلى جرائم حقيقية استلهم مجرموها فكرتها من الأفلام.
الدراسات تؤكد: العنف الافتراضي يولد العنف الواقعي
منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، تراكمت الأدلة البحثية التي تشير إلى أن التعرض للعنف في التلفزيون والأفلام وألعاب الفيديو والهواتف المحمولة وعلى الإنترنت يزيد من خطر السلوك العنيف.
وفي بحث شمل العديد من الدراسات قام به معهد البحوث الاجتماعية في جامعة ميشيغان عام 2007، تمت دراسة تأثير التعرض للعنف (الواقعي والافتراضي) على المديين القصير والطويل.
توصل البحث إلى أن هناك أدلة على أن العنف في الأفلام التي يشاهدها الأطفال على الشاشة أو التلفزيون يمكن أن يساهم في العنف في الحياة الواقعية. فالأطفال يتعلمون الكثير من الأفلام ويصبح لديهم ميل قوي لتقليد العنف حتى عندما يشعرون أنه خطأ.
وبالتالي كلما كان العنف أكثر واقعية في الفيلم، وكلما زادت درجة التماثل بين الطفل والشخصية العنيفة، زاد احتمال انتقال التصرف العدواني إلى سلوك واقعي.
كما تشير النتائج إلى أن هؤلاء الأطفال هم أكثر عرضة لارتكاب الجرائم في مرحلة الشباب. باختصار، يظهر البحث أن مشاهدة العنف يولد العنف والجريمة بشكل طبيعي.
كما يشير موقع Daily Sabah، إلى أن الدراسات حول هذا الموضوع تشير إلى أن السلوكيات غير المرغوب فيها مثل الميول العنيفة والعدوان والانطواء هي أنماط سلوكية أكثر انتشاراً لدى الشباب الذين يتعرضون للعنف.
الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه النتائج أن العنف لا يحتاج إلى تجربة في الحياة الواقعية. يمكن أن يؤدي التعرض لمحتوى عنيف في لعبة فيديو أو تلفزيون أو سينما إلى نفس التأثير تقريباً.
طفلان يرتكبان جريمة قتل مستلهمة من فيلم
في أواخر شتاء عام 1993، تخلف روبرت طومسون وجون فينابلز البالغان من العمر 10 سنوات عن المدرسة، وكانا يقضيان يومهما في سرقة الوجبات السريعة والدمى من المتاجر والبطاريات والطلاء!
في الوقت نفسه كانت دنيس بولغر وابنها جيمس ذو الثلاثة أعوام في مركز ستراند للتسوق في ليفربول عندما أضاعت الأم ابنها ولم تجده بجانبها.
في الساعات التالية، تمكنت الشرطة من التعرف على جيمس من كاميرات نوع CCTV المتواجدة في المتجر، وكان برفقة صبيين بدا أنهما في سن المراهقة المبكرة.
فتشت الشرطة القنوات وخطوط السكك الحديدية والأراضي المجاورة. وتم العثور على جثة الطفل الصغير مقطوعة إلى نصفين على سكة حديدية على بعد ميلين من مركز ستراند للتسوق، وفقاً لموقع BBC.
وبسبب طبيعة الإصابات على جسده، تمكنت الشرطة من استبعاد أن يكون حادثًا. وبعد 6 أيام، اتُّهم كل من طومسون وفينابلز بقتل الطفل بعد أن تعرفت امرأة عليهما من خلال صورة الكاميرات المحسّنة. وتم نقل الصبيين إلى مواقع مختلفة للاستجواب؛ حيث علم المحققون التفاصيل المروعة لوفاة بولغر.
بمجرد وصول طومسون وفينابلز مع الطفل بولغر إلى السكة الحديد، بدأ الصبيان في رمي الطوب وعلبة الطلاء الذي سرقوه على وجه بولغر. وأسقط أحد الأولاد قضيباً من الحديد على جيمس وتم وضع بطاريات في فمه وفي المستقيم لديه.
عانى جيمس بولغر من 10 كسور في الجمجمة، وإجمالي 42 إصابة. وبسبب خلع بنطال جيمس بولغر وجواربه وأحذيته وسراويله الداخلية، اشتبهت الشرطة في وجود اعتداء جنسي أيضاً.
وبينما لم يتحدث الصبيان عن السبب، ألقى القاضي والجمهور باللوم على فيلم الرعب والانتقام تشايلدز بلاي 3، الذي يحتوي على مشهد مشابه جداً للحادثة عندما تتعرض شخصية تشاكي للاعتداء ويتم رشقه بالطلاء ويتعرض للضرب على وجهه بشكل عنيف.
مسلسل ديكستر يلهم جريمة قتل وتمثيل بالجثة
كانت إليزابيث توماس تبلغ من العمر 17 عاماً صديقة لزميلها في المدرسة، ستيفن مايلز، البالغ من العمر 16 عاماً. وتطورت صداقتهما فيما بعد إلى علاقة غرامية.
كان مايلز من محبي أفلام الرعب والعنف، وبينما كان يقضي بعض الوقت مع صديقته في منزل عائلته الصيفي، يبدو أنه أراد تقليد تصرفات ديكستر مورغان في مسلسل Dexter.
وفي الرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني، قام مايلز بطعن إليزابيث توماس وتقطيعها. ومضى في تقليد شخصية دكستر مورغان عن طريق لف جسدها المقطوع بورق شفاف لاصق وإلقائه في أكياس القمامة، تماماً مثل المشهد.
شاب يقتل فتاة تقليداً لفيلم الصرخة
تعرف تييري جرادين الذي كان يبلغ من العمر 24 عاماً على أليسون كامبير، التي كانت تبلغ من العمر 15 عاماً، ودعاها إلى منزله، الذي كان على بعد بضعة أبواب فقط من منزلها للعب ألعاب الفيديو.
حاول جرايدن التقرب من أليسون بشكل حميمي مما دفعها لرفضه وإيقافه.
لكن يبدو أن رفض أليسون أثار غضب جرايدن الذي استأذن وذهب إلى غرفة أخرى ليرتدي زي الصرخة المشهور. ثم دخل إلى الغرفة التي كانت كامبير بها وهو يحمل سكاكين مطبخ ووضع يده على فمها لكتم صراخها، وقام بطعنها 30 مرة في جانبها الأيسر.قام جرايدن بعد ذلك بوضع جثتها على سريره مع وردة في إحدى يديها، ثم اتصل بوالده وزميله للاعتراف بقتلها، والذي قال لاحقاً للشرطة إن الدافع وراءه هو ثلاثية السينما المعروفة بـ"الصرخة"، كما يشير موقع The Guardian.