تشتهر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برصيد ضخم من التراث الثقافي الغني بالعديد من التقاليد والطقوس الثقافية التي يتم توارثها عبر الأجيال منذ عقود طويلة.
ونظراً لما يحتمه العصر الحديث من سرعة ومادية مختلفة في قيمتها عما كان تتم ممارسته من تقاليد، تسعى الوكالة الثقافية التابعة للأمم المتحدة، اليونسكو، إلى حماية بعض الممارسات المعينة عبر إضافتها لقائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
ومن خلال تلك القائمة، يتم العمل على حفظ تلك الموروثات الثقافية القيمة، وحمايتها من الاندثار والنسيان في خضم التطور الحضاري والثقافي لعصرنا الحالي.
في هذا التقرير نستعرض بعض أبرز الموروثات الثقافية العربية التي أدرجتها منظمة يونسكو ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي العالمية.
1- الكسكسي المغاربي ضمن قائمة التراث غير المادي
أدرجت منظّمة اليونسكو كلاً من أكلة "الكسكسي"، وطريقة صيد الأسماك المعروفة باسم "الشرفية"، ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي العالمية، من دول منطقة المغرب العربي.
وفي بيان أصدره المعهد الوطني للتراث في تونس، سجّلت اليونسكو عنصر "الكسكسي: المعارف والمهارات والطقوس" الذي تقدّمت به كل من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، كما أقرّت اللجنة نفسها تسجيل عنصر "الصّيد بالشرفيّة"، في العام 2020 الماضي.
وكانت كلٌّ من تونس والمغرب وموريتانيا والجزائر تقدمت في مارس/آذار 2019، بطلب إلى "اليونسكو" بإدراج أكلة "الكسكسي" ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي.
"والكسكسي" هو طبق شعبي مغاربي (نسبة لدول المغرب العربي الكبير) من أصول أمازيغية، وهم السكان الأصليون لشمال إفريقيا، ومن أبرز مكوناته حبوب القمح أو الشعير التي يتم إعدادها وتحويلها إلى حبيبات صغيرة.
وفي عام 2019 أيضاً، تقدمت تونس بطلب لدى اليونسكو لإدراج طريقة صيد الأسماك المعروفة باسم "الشرفية"، في جزيرة قرقنة بولاية صفاقس جنوبي البلاد، ضمن التراث الإنساني غير المادي.
والشرفية هي وسيلة صيد تقليدية يتم عبرها تشكيل مصائد ثابتة في البحر، وتبنى بسعف النخيل، وهي من أقدم وسائل الصيد البحري التقليدي التي اشتهرت بها جزيرة قرقنة منذ عهود، بحسب الجزيرة.نت.
تقليد تقديم القهوة العربية من منطقة الخليج
تمت إضافة تقليد صنع القهوة العربية وتقديمها إلى قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في العام 2015.
وبالنسبة للقهوة العربية، فقد تمت إضافتها وفقاً لطقوس تقديمها في الإمارات العربية المتحدة وعُمان والمملكة العربية السعودية وقطر.
ويُعد تقديم القهوة العربية جانباً مهماً من جوانب الضيافة في المجتمعات العربية، حيث يتم تحضيرها تقليدياً أمام ضيوف المنزل من قبل الرجال والنساء، كما يتم تقديمها من قبل الشيوخ ورؤساء القبائل.
وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو، يتم تحميص الحبوب وطحنها بالهاون والمدقة ثم تخميرها في وعاء. ويتم التقديم للضيف الأهم أو الأكبر سناً أولاً، وتنتقل هذه الممارسة داخل العائلات وتشمل الشباب أيضاً من مختلف الأعمار.
العرضة النجدية والرقص بالسيوف في السعودية
بالإضافة إلى القهوة العربية، تمت إضافة عناصر أخرى من الشرق الأوسط بما في ذلك رقصات العرضة النجدية السعودية بالسيوف، والمجلس العربي المتوارث خليجياً.
وتُعد رقصات العرضة هي تعبير ثقافي تقليدي يجمع بين الرقص والطبول والغناء الشعري الذي يعتبر أساسياً في ممارسة المجتمعات الخليجية.
وهو يتضمن شاعراً يردد أبياتاً باللغة العربية الفصحى أو الدارجة، ثم يغنيها فنانون آخرون يحملون السيوف ويتحركون في الوقت المناسب مع قرع الطبول.
وتعد رقصات العرضة السعودية من أبرز فعاليات المناسبات المحلية والوطنية، يقوم بها الذكور بينما تصمم النساء الأزياء.
ولا يمثل العمر ولا الطبقة عائقاً أمام المشاركة فيها، مما يساعد على التماسك الاجتماعي.
المجلس العربي ضمن قائمة الموروث الثقافي غير المادي
بحسب اليونسكو، فإن المجلس هو "أماكن جلوس" يجتمع فيها أفراد المجتمع لمناقشة الأحداث والقضايا المحلية، وتبادل الأخبار، واستقبال الضيوف، والتواصل الاجتماعي، والترفيه.
كما يُعد المجلس المكان الذي يجتمع فيه المجتمع لحل المشاكل وتقديم التعازي وعقد حفلات الزفاف. وعادة ما تكون المجالس مصممة كمساحة كبيرة مع سجاد على الأرض ووسائد على الحائط للاتكاء.
وعادة ما يكون هناك موقد أو نار لتحضير القهوة والمشروبات الساخنة الأخرى.
ويكون المجلس مساحة مفتوحة لجميع الناس ويمكن أن يرتادها أفراد الأسرة والقبائل وسكان الحي نفسه.
ويعتبر شيوخ المجتمع وكبار السن هم المضيِّفين الأبرز للمجالس، خاصة أولئك الذين لديهم معرفة واسعة بالطبيعة وعلم الأنساب والتاريخ القبلي.
ويمتلك القضاة وشيوخ الدين أهمية خاصة في المجالس، وتتم استشارتهم عند الفصل في النزاعات وتوضيح الحقوق والمسؤوليات السياسية والاجتماعية والدينية. كما تمتلك النساء مجالسهن الخاصة أيضاً.
يلعب المجلس دوراً مهماً في الدول الخليجية كوسيلة لنقل التراث الشفهي والقيم، بما في ذلك القصص الشعبية والأغاني الشعبية والشعر "النبطي".
ونظراً لأن مساحات المجلس مفتوحة لجميع الفئات العمرية، يتم نقل المعرفة في الغالب بشكل غير رسمي؛ حيث يرافق الأطفال أفراد المجتمع في زياراتهم.
ومن خلال مراقبة كبار السن، يتعلم الشباب آداب المجتمع وأخلاقياتهم، ومهارات الحوار والاستماع، واحترام رأي الآخرين.
الحكاية الفلسطينية.. تقليد سردي متوارث عبر الأجيال
تم تسجيل الحكاية الفلسطينية في عام 2008 على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، بعدما كان قد أُعلن عنها في الأصل عام 2005.
وبحسب منظمة اليونسكو، فإن الحكاية الفلسطينية هي تعبير سردي تمارسه النساء الفلسطينيات، ويتناولن عبره الحكايات الخيالية التي تم ابتكارها عبر عقود، والتي تتناول الاهتمامات الحالية للمجتمع العربي في الشرق الأوسط وقضايا الأسرة، كما تقدم نقداً للمجتمع من منظور المرأة الفلسطينية.
وعادة ما يتم سرد الحكاية في المنزل خلال أمسيات الشتاء وجلسات السمر، وفي المناسبات العفوية التي تحضرها مجموعات صغيرة من النساء والأطفال.
ونادراً ما يحضر الرجال هذا الطقس، إذ يعتبر غير مناسب للطبيعة المحافظة للعائلات الفلسطينية التقليدية.
وتكمن القوة التعبيرية للسرد في استخدام اللغة والتشديد وإيقاعات الكلام والتأثيرات الصوتية وكذلك في القدرة على جذب انتباه المستمعين ونقلهم بنجاح إلى عالم من الخيال.
تُروى الحكايات باللهجة الفلسطينية، إما بلهجة الريف الفلاحي أو في المدن المدنية. وتستطيع كل امرأة فلسطينية فوق سن السبعين تقريباً رواية حكاية، وهذا التقليد تقوم به في الأساس النساء المسنات.
ومع ذلك، من غير المألوف بالنسبة للفتيات والفتيان أن يرووا حكايات لبعضهم البعض من أجل الترفيه أو المتعة.
ومع ذلك فإن تقليد الحكاية الفلسطينية يُعد في حالة تدهور بسبب تأثير وسائل الإعلام الحديثة لعصرنا الحالي، والتي غالباً ما تدفع الناس إلى اعتبار عاداتهم الأصلية "متخلفة" و"هابطة" أو "أقل شأناً".
ونتيجة لذلك، تميل المسنات إلى تغيير شكل ومحتوى الروايات عمّا كانت عليه قديماً. ومع استمرار اضطراب الحياة الاجتماعية بسبب الوضع السياسي الحالي في فلسطين، فإن هناك تهديدات مستمرة لتقليد سرد الحكاية الفلسطيني، بحسب Unesco.
تقليد التحطيب بالعصي الخشبية في مصر
يُعتقد أن التحطيب، وهو أحد الفنون القتالية المعروفة في مصر، يعود إلى العصر الفرعوني القديم، عندما كان يتم استخدامه كجزء من التدريب العسكري.
يقول علماء الآثار وفقاً لموقع Middle East Eye، إن النقوش على ورق البردي وجدران المعابد تظهر مقاتلين يقاتلون بالعصي، إلى جانب تخصصات عسكرية أخرى، مثل الرماية والمصارعة.
ومع ذلك، على مدار العقود الأخيرة أصبحت هذه الممارسة مندرجة ضمن الطقوس الاحتفالية، ويتم إجراؤها في حفلات الزفاف والمناسبات الرياضية والكرنفالات الشعبية.
وينطوي تقليد التحطيب على شخصين، يمسك كل منهما بعصا سميكة من الخشب، ويقاتل كل منهما الآخر، بهدف ضرب الخصم على رأسه.
وأحياناً قد تصبح تلك الرياضة تنافسية إلى درجة تجذب معها جماهير كبيرة.
وبمرور الوقت، بدأت النساء أيضاً بالمشاركة في التحطيب، على الرغم من كونها رياضة رجالية بامتياز في مصر، بعدما كانت تتم المنازلات لتقدير أي الرجلين أكثر أهلية لكي يكون قائداً وشجاعاً.
اليوم، عادة ما يتم أداء التحطيب على خلفية موسيقية، وعادة ما تكون الموسيقى مكونة من إيقاعات الطبلة الشعبية التقليدية والأهازيج والشعر.
وقد تمت إضافة هذا الفن القتالي إلى قائمة اليونسكو عام 2016.