اشتباكات عنيفة اشتعلت في "عين الرمانة" في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، سقط ضحيتها 3 قتلى من المدنيين، وعلى الرغم من أن المسلحين مجهولو الهوية فإن المشهد أعاد إلى الذاكرة العديد من الاشتباكات والمناوشات التي شهدتها منطقة "عين الرمانة" الساخنة.
عين الرمانة.. نقطة انطلاق النزاعات الطائفية
وفقاً لإحصائية أجريت عام 2011، لا يتجاوز عدد سكان عين الرمانة ألف شخص، ومع ذلك تعتبر هذه المنطقة إحدى ضواحي بيروت الأكثر حساسية، فهي ذات أغلبية مسيحية من جهة وتقع مقابل منطقة الشياح ذات الأغلبية الشيعية من جهة أخرى، الأمر الذي أعطى المنطقة بعداً طائفياً وجعلها مركزاً لاشتعال الاشتباكات منذ أيام الحرب الأهلية اللبنانية، لتتجدد فيها الاشتباكات الآن.
تغيرت التسميات والصراع مستمر
فيما مضى كانت عين الرمانة معقل القوى المسيحية التي انطوت تحت اسم "الجبهة اللبنانية" لمواجهة "الحركة الوطنية" الداعمة لياسر عرفات، وهي مواجهات أسفرت عنها ما عُرف باسم "مجزرة عين الرمانة" التي كانت الفتيلَ الذي أشعل الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.
واليوم لا تزال عين الرمانة منطقة تماس مع منطقة الشياح ذات الأغلبية الشيعية، وهكذا تحول الصراع في المنطقة من صراع مسيحي مع منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اليساريين، إلى صراع بين مؤيدين لحزب القوات اللبنانية المسيحي وحزب الله وحركة أمل.
قصة مجزرة/حادثة عين الرمانة
تعود جذور الصراع في المنطقة إلى عام 1975، حيث فشلت عملية اغتيال رئيس حزب الكتائب اللبنانية ذي الأغلبية المسيحية بيار الجميّل، والتي قام بها مسلّحون مجهولون في أثناء وجود الجميّل بإحدى كنائس عين الرمانة، وقد اتهم الجميل الفلسطينيين بترتيب هذه العملية.
أدى هذا الحادث إلى مقتل مرافق الجميل جوزيف أبو عاصي، وفي اليوم ذاته هاجم مسلحون ينتمون لحزب الكتائب اللبنانية حافلة متجهة إلى مخيم تل زعتر تقل أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت النتيجة مقتل 27 فلسطينياً من أصل 30 كانوا في الحافلة.
وفي الليلة نفسها اندلعت معارك مجدداً بين الفلسطينيين واليمين المسيحي.
وفيما لم تنجح محاولات التهدئة والمحادثات السياسية في احتواء الأزمة، تفاقم الوضع حيث حَمَّلت الحركة الوطنية اللبنانية التي يقودها كمال جنبلاط حزب الكتائب مسؤولية الحادث، وما لبثت أن انضمت للفلسطينيين.
بذلك توسع القتال ليشمل مناطق أخرى من لبنان، لتدخل البلاد في دوامة صراعات وأزمات دامت أكثر من خمسة عشر عاماً والتي عرفت بالطبع باسم الحرب الأهلية اللبنانية.
عين الرمانة والشياح.. جارتان لدودتان ونزاع متجدد
نهاية الحرب الأهلية التي انطلقت من عين الرمانة لم تعنِ نهاية الاحتقان في المنطقة التي يحضر فيها اليوم عدد من القوى المسيحية، من ضمنها حزب الكتائب اللبنانية والتيار الوطني الحر.
فقد شهدت عين الرمانة في السنوات الأخيرة عدة مناوشات بين مؤيدي الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) والأحزاب المسيحية اليمينية، ووفقاً لتلك القوى فإن حزب الله يعمل باستمرار على استفزاز سكان المنطقة بمسيراته وإطلاق شعاراته الدينية لخلق إشكالات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد.
فضلاً عن ذلك فإن التظاهرات باختلاف أنواعها وأسبابها لطالما كانت سبباً لاشتباكات ومناوشات على الأقل بين الجهتين، وقد يحدث أن يسقط ضحايا من المدنيين لأسباب لا تصدق، فقد أصيب شاب في عين الرمانة بالرصاص على سبيل المثال، نتيجة الاحتفال بانتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب، بعدها سقط شاب من الشياح برصاص الابتهاج بإقرار قانون العفو عن رئيس حزب القوات سمير جعجع!
ويحدث كذلك أن يتناوش مدنيون من الجهتين ويتصاعد الموقف لتحدث معركة بين عدد من شبان عين الرمانة وعدد من شبان الشياح بالأيدي وبالعصي والحجارة.
كل تلك التوترات الأمنية التي تحدث في المنطقة من فترة إلى أخرى، قد يتم احتواؤها بانتشار الجيش اللبناني وتدخُّل مسؤولين من الأحزاب من الطرفين، إلا أنها لم تُحَل بشكل جذري في أي مرحلة من المراحل.