هل فكرت مسبقاً لماذا تعتبر بعض الروائح سيئة أو مثيرة للاشمئزاز بينما تعتبر أخرى لطيفة؟
في الحقيقة، العلاقة بين نظام حاسة الشم والدماغ قوية، ويمكن أن يكتشف أنف الإنسان وعقله كثيراً من الروائح، نحو تريليون منها، وفقاً للتقديرات الحديثة. أما إدراكه لها كرائحة لطيفة أو سيئة فيعتمد على عدة عوامل، منها خفة جزيئات المادة المكونة للرائحة.
وفي حين تأتي العديد من الروائح وتختفي بسرعة نسبياً، يبدو أن البعض الآخر منها يبقى فترة طويلة في النسيج والملابس والشعر وقد يعلق في أنفنا مدة طويلة.
لماذا تبقى بعض الروائح أطول من غيرها، وما الذي يجعل من الصعب التخلص من بعض الروائح العنيدة؟ تعرف معنا في هذا التقرير.
رائحة لطيفة أم سيئة؟ التركيب الكيميائي هو المسؤول
تنشط حاسة الشم لدينا عندما تتفاعل خلايا حسية خاصة في أنوفنا، تسمى الخلايا العصبية للمستقبِلات الشمية، مع جزيئات معينة موجودة في الورائح وتولّد إشارة إلى الدماغ، وفقاً لموقع Brain Facts.
إن إدراكنا لبعض الروائح كرائحة جميلة أو سيئة لا يتوقف في الحقيقة على حبنا للشيء الذي تنبعث منه الرائحة؛ بل على تركيبة الشيء الكيميائية وكيف يتلقاها دماغنا.
إن المستقبلات المختلفة في الدماغ تتعرف على الجزيئات المختلفة بناءً على أشكالها وتكوين الذرات على أسطحها. لذلك يتم تفسير إشارات كيميائية معينة على أنها روائح لطيفة، بينما تثير التكوينات الجزيئية الأخرى الاشمئزاز لنا.
وفقاً لموقع Live Science، نميل إلى شم الجزيئات الأثقل والأكثر انتشاراً كرائحة أسوأ من الجزيئات الأخف، على الرغم من وجود استثناءات للقاعدة.
دخان التبغ، على سبيل المثال، عبارة عن تركيب معقد يحتوي على آلاف المواد الكيميائية التي تنتجها أوراق التبغ المحترقة والمواد المضافة، وفقاً لجمعية السرطان الأمريكية.
المواد الكيميائية التي تُترك عندما يتبدد الدخان يمكن أن تشبّع الملابس والمنسوجات والسجاد والأثاث وتجعل رائحته المزعجة تدوم فترة طويلة رغم التوقف عن التدخين وحتى تهوية المكان والأقمشة.
لماذا لبعض الحيوانات روائح تدوم طويلاً؟
إذا كان لدى أحد من أصدقائك كلب في المنزل أو مررت بمكان فيه كلاب، فلابد أن رائحتها ستكون ظاهرة ومميزة وقد تعلق بأنفك مدة طويلة.
تنبع رائحة الكلاب الرطبة من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على فروها وجلدها. هذه الميكروبات تنتج مركبات كريهة الرائحة يتم تحريرها من الكلب عند مزجها بالماء، ويتم إطلاقها في الهواء عندما يتبخر الماء، كما كتب مدرس الكيمياء البريطاني آندي برنينج في مدونته للكيمياء Compound Interest.
كما أن لبعض الحيوانات روائح كريهة جداً، وأشهرها الظربان الذي يعد من أكثر الروائح شهرة في الطبيعة وأكثرها إثارة للاشمئزاز، والذي تطلقه هذه الحيوانات عندما تشعر بالتهديد.
المواد الكيميائية الموجودة في الرذاذ المعروف باسم الثيول والتي تشبه الكحول ولكن مع ذرة كبريت واحدة- هي المسؤولة عن الرائحة الكريهة.
إن المركبات الموجودة في الرذاذ تنطلق ببطء بمرور الوقت، ويمكن أن تجعل الحيوان أو الشخص الذي تعرض لها كريه الرائحة لأيام أو حتى أسابيع، كما أشار ويلام وود، أستاذ الكيمياء العضوية والبيئة الكيميائية في مجلة Peak Insight Journal.
تحوُّل المادة من سائل إلى غاز يلعب دوراً مهماً أيضاً
يعتمد بقاء الرائحة الكريهة على تقلُّب المادة، أو مدى سهولة تحوُّلها من سائل إلى غاز. فكلما كان السائل أكثر تطايراً، زاد انتشاره في الهواء وزادت احتمالية بقائه في أنفك.
على سبيل المثال، إذا تم إطلاق جزيء ما في الطور الغازي ببطء ولكن الشخص حساس جداً تجاهه، فسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً حتى تختفي الرائحة تماماً من أنف ذلك الشخص.
يمكن أن تؤثر المواد التي تتلامس مع الغازات ذات الرائحة الكريهة أيضاً على طول مدة بقاء الروائح عالقة بالشيء. على سبيل المثال، يعتبر النسيج والشعر والسجاد وحتى الأسمنت مواد شديدة المسامية ويمكن أن تقلل بشكل كبير من حركة الجزيئات التي تدخل في تلك المسام، لذلك قد تبقى فيها مدة طويلة.
لذلك قد لا تظهر رائحتها قوية في الهواء ولكنها ستظل عالقة فترة طويلة بالمادة، وستشمها في كل مرة يقترب أنفك من ذلك الشيء.
كما أن هناك أيضاً عاملاً آخر يسمى "جانب التقارب". العديد من الجزيئات العضوية التي تنتج روائح كريهة لا تحب الماء. كما أن البوليمرات مثل تلك الموجودة في النسيج والسجاد تنفر من الماء؛ تتشبث الجزيئات العضوية بها، لأنها تشترك في نفور مماثل. هذا التشبث يقلل من تطاير الجزيئات ويجعل الرائحة الكريهة تعلق بها فترة طويلة.