في عام 1993، توصَّل عدد من الباحثين إلى أنه بعد استماع طلاب الجامعات إلى سوناتا بيانو الموسيقار النمساوي العالمي موزارت لمدة 10 دقائق، ظهرت لديهم مهارات تفكير أفضل مما كانوا عليه بعد الاستماع إلى تعليمات حول الاسترخاء مصممة لخفض ضغط الدم.
وقفزت درجات الذكاء لدى هؤلاء الطلاب بعد سماع الموسيقى، مقدار 8 أو 9 نقاط، وهو ما بات يُعرف إلى يومنا هذا باسم "تأثير موزارت". وعلى الرغم من صعوبة تراكم هذا النوع من الفائدة لسماع المقطوعة الموسيقية، لكن تواصلت الدراسات حول جدوى موسيقى موزارت في تحسين قدرات العقل وحتى علاج بعض الأمراض الذهنية.
وفي ذلك البحث المبكر الذي نشرته مجلة Journal of the Royal Society of Medicine، قال العلماء أيضاً إن الاستماع إلى مقطوعة Sonata for Two Pianos in D Major K 448 لموزارت، ساعد المرضى المصابين بالصرع في تقليل أعراضهم، وذلك عن طريق الحد من طفرات نشاط الخلايا العصبية التي يمكن أن تؤدي إلى نوبات. ولكن مرة أخرى، لم تكُن النتائج متسقة بما يكفي لعلماء آخرين لتكرارها في ظروف اختبار مختلفة.
ولكن الآن، بعد 28 عاماً، تعمل الأساليب العلمية الأحدث على إحياء إمكانية أن تكون الموسيقى هي الهدوء الذي يمنع حدوث العاصفة الكهربائية في الدماغ.
أبحاث جديدة واصلت البحث في تأثير موسيقى موزارت
وجدت أبحاث جديدة تم نشرها بمجلة Scientific Reports قبل أيام، أن الاستماع إلى المقطوعة السالف ذكرها لمدة 30 ثانية على الأقل قد يكون مرتبطاً بنوبات أقل توتراً لنشاط كهربائي معين في أدمغة الأشخاص الذين لا يستجيبون لأدوية الصرع.
واتضح لدى المرضى بالصرع الذين شاركوا في الدراسة، والبالغ عددهم 16 مريضاً، انخفاض النتوءات الكهربية في قراءة نشاط المخ بمقدار الثلثين في جميع أنحاء الدماغ، لكنها انخفضت أكثر في القشرة الأمامية اليمنى واليسرى للدماغ، وهو المكان حيث يتم تنظيم الاستجابات العاطفية.
وأوضح روبرت كوون، المؤلف الرئيسي للدراسة في مداخلة مع موقع STAT، شكوك دراسته الأولية، والأدوات التي تسمح بقياس أفضل لنشاط الدماغ، وماذا يمكن أن يكون السر الحقيقي حول هذه القطعة من الموسيقى على وجه التحديد الذي يمكن أن يكون مفيداً للأشخاص المصابين بالصرع.
وقال كوون إن النتائج تشير إلى أن العبارات الموسيقية الطويلة قد تخلق إحساساً معيناً بالتوقُّع- ثم فجأة يُجاب عليها بطريقة غير متوقعة؛ ما يخلق "استجابة عاطفية إيجابية".
ولكن كما هو الحال مع الدراسات السابقة، لم يظهر المرضى أي تغيير في نشاط الدماغ عند تعرضهم لمحفزات سمعية أخرى، أو مقطوعات موسيقية مختلفة، حتى تلك التي اعتبروا أنها من المقطوعات الموسيقية المفضلة لديهم.
مصطلح تأثير موزارت وبداياته
تمت صياغة عبارة "تأثير موزارت" لأول مرة في الدراسة الكلاسيكية الأولى التي تمت عام 1993 وسبق ذكرها، لكن انطلقت الفكرة فعلياً مع قيام آلاف الآباء بتشغيل موسيقى موزارت لأطفالهم الرضّع منذ ذلك الحين، باعتبار أنها ستمكِّنهم من تطوير قدرات ذهنية خاصة.
وفي عام 1998 طلب حاكم ولاية جورجيا في الولايات المتحدة زيل ميلر تخصيص أموال في ميزانية الولاية حتى يتمكن كل طفل حديث الولادة من الحصول على قرص مضغوط للموسيقى الكلاسيكية.
ولم يقتصر الأمر على الرُّضع والأطفال الذين تم إسماعهم ألحان موزارت؛ بل أثبت أيضاً عالم النفس الإيطالي سيرجيو ديلا سالا، مؤلف كتاب Mind Myths، في بحث محدود بمزرعة جبن موزاريلا في إيطاليا، أن الجاموس كان يستمع ثلاث مرات في اليوم لمقطوعات موزارت لمساعدته على إنتاج حليب أفضل وأغزر. لكن بالطبع تحتاج هذه النظريات إلى مزيد من الأبحاث العلمية الدقيقة لإثبات نتائجها.
هل هناك سر حول موسيقى موزارت تحديداً؟
وبالرغم من الحاجة لمزيد من الإثبات، تواصل التنظير حول سبب أن موسيقى موزارت على وجه الخصوص يمكن أن يكون لها هذا التأثير على الدماغ وموجاته الكهربائية حتى اليوم.
وبحسب موقع BBC، أكد تحليل لست عشرة دراسة مختلفة أن الاستماع إلى موسيقاه بشكل عام يؤدي إلى تحسُّن مؤقت في القدرة على التلاعب بالأشكال عقلياً، لكن الفوائد لم تدُم طويلاً ولا تجعلنا أكثر ذكاءً بشكل دائم.
ثم بدأ يظهر أنه ربما لم يكن موزارت مميزًا على الإطلاق. ففي عام 2010، وجد تحليل لعدد أكبر من الدراسات تأثيراً إيجابياً مرة أخرى، لكن الأنواع الأخرى من الموسيقى اتضح امتلاكها نفس التأثير.
ووجدت دراسة علمية نشرها موقع Sage للأبحاث، أن الاستماع إلى شوبرت كان جيداً أيضاً وله نفس التأثير، وكذلك سماع مقطع يُقرأ بصوت عالٍ من رواية لستيفن كينغ. ولكن فقط إذا كنت قد استمتعت بهذه المواد المقدمة لك. لذلك ربما يكون الاستمتاع والمشاركة أمراً أساسياً في تحقيق أي تأثير على الدماغ.
وبحسب الموقع، هناك طريقة يمكن للموسيقى من خلالها أن تُحدث فرقاً في معدل الذكاء فعلاً، لكنه يتطلب وقتاً وجهداً أكبر بكثير من مجرد وضع سماعات الموسيقى في أذنيك.
إذ يمكن أن يكون لتعلُّم العزف على آلة موسيقية تأثير مفيد على العقل بشكل طويل المدى. وتقول جيسيكا غراهام، عالمة الإدراك في جامعة ويسترن البريطانية، إن المواظبة على دروس العزف على البيانو لمدة عام، جنباً إلى جنب مع الممارسة المنتظمة، يمكن أن تزيد معدل الذكاء بما يصل إلى ثلاث نقاط.
لذا فإن الاستماع إلى موسيقى موزارت لن يغير من قدراتك الذهنية بشكل دائم وسحري بين ليلة وضحاها، ولكنه قد يكون بداية حب طويل المدى للموسيقى الكلاسيكية الرفيعة.