كل عام، يُنهي نحو 703 آلاف شخص حياتهم بأيديهم، أما عدد من يحاولون ويفشلون فأكثر من ذلك بكثير. سجلت آخر إحصائية عن الانتحار بالدول العربية وفاة 26 ألف شخص في عام واحد فقط.
ومع تفاوت الأرقام بين دولة عربية وأخرى، تبين أن هناك تجانساً بين الدراسات التي تقيّم ظروف وخلفيات الأفراد الذين يحاولون الانتحار، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
معظم هؤلاء الأفراد من الشباب، خاصةً الإناث، الذين يستخدمون الابتلاع المتعمد للأدوية بجرعة زائدة، حسب ما نشره موقع المكتبة الوطنية للطب الأمريكي pubmed.
أسباب الانتحار بالدول العربية
أما الأسباب المحتملة وراء محاولات الانتحار، فإن العديد من الدراسات تحدد النزاعات الأسرية والعنف والمشاكل العاطفية كدوافع محتملة.
ووفقاً لدراسة نشرتها جامعة واشنطن عام 2015، ارتفعت الوفيات بسبب الانتحار بنسبة 100% لتصل إلى 30.000 في السنوات الـ25 الماضية بالمنطقة.
في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن، كانت الحرب هي المسبِّب الأكبر.
بدورها، اعتبرت الدراسة التي نشرتها جامعة كاليفورينا عام 2020 من قِبل باحثين عرب، أن الاضطرابات النفسية تلعب دوراً أساسياً لا يمكن التغاضي عنه.
وتوضح أن تقديم خدمات الصحة النفسية داخل المنطقة لا يزال دون المستوى الأمثل، حيث يقدَّر وجود 7.3 عامل في مجال الصحة العقلية و4.2 سرير في المستشفيات لكل 100 ألف فرد من السكان مقابل 43.5 و35 على التوالي في أوروبا.
في عام 2016، تم الإبلاغ عن 26000 حالة انتحار بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يعني 4.8 حالة انتحار لكل 100000 حالة وفاة.
عالمياً، سجلت دولتي الصين والهند أكثر من نصف جميع الحالات، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع عدد السكان في هذه المناطق.
كما تم الإبلاغ عن أدنى سن موحدة لمعدل الوفيات في لبنان وسوريا وفلسطين والكويت وجامايكا.
وفيما يتعلق بمعدل عمر المنتحرين في كلا الجنسين، كانت معدلات دول قطر 38.78، وإيران 30.86، والبحرين 30.04 الأعلى على التوالي. وبينما كانت سوريا 14.74 والمملكة العربية السعودية 15.36 وأفغانستان 16.4 من بين الأدنى ضمن 21 دولة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 1990.
ولكن في عام 2017 سجلت دول قطر 31.09، وليبيا 30.65، والإمارات العربية المتحدة 29.01، أعلى معدل للعمر.
العراق وتركيا
إلى ذلك، سجلت دراسة أجريت في قسم الطوارئ بمستشفى تعليمي في كربلاء إقدام 113 مريضاً على إيذاء النفس المتعمد كمحاولة انتحار.
كان المرضى في الغالب من الشباب، والطريقة الأكثر شيوعاً هي تناول الأدوية أو التسمم.
وتبيَّن أنَّ تناول السم كان الأكثر استخداماً من قِبل الإناث مقارنة بالذكور الذين اختاروا وسائل أكثر عنفاً مثل الطعن والشنق.
كما كانت النساء المتزوجات الأكثرَ عرضة لخطر محاولة الانتحار من الإناث العازبات اللواتي عزون سبب محاولتهن إلى مشاكل عائلية.
دراسة أخرى أُجريت في أحد مستشفيات مدينة أنقرة التركية، تبين أن من بين إجمالي 15.529 حالة تم قبولها في قسم الطوارئ، نُسبت 32 حالة إلى محاولات انتحار من قِبل لاجئين من العراق وسوريا.
كان معظم هؤلاء المرضى من الإناث (78%)، ومع ذلك، لم تقدم هذه الدراسة مزيداً من المعلومات حول الطرق المستخدمة.
سوريا
منظمة إنقاذ الطفولة حذَّرت في عام 2020، من أن عدد الأطفال الذين يحاولون الانتحار أو ينتحرون في شمال غربي سوريا، ارتفع بشكل حاد خلال العام 2019، ليتبين أن واحدة من كل خمس حالات انتحار مسجلة نفذها مراهقون.
وأفادت المنظمة الخيرية بأن الوفيات بسبب الانتحار زادت بنسبة 86% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020، مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، وفق ما نشرته صحيفة Middle East Eye.
الأردن
بناءً على البيانات التي تم جمعها من مركز الملك الحسين الطبي في عمّان، دخلت 62 حالةً قسم الطوارئ بسبب محاولة الانتحار. كان أكثر من نصفهم شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً.
أما معظم المرضى فكانوا من الإناث العازبات، بينما تم تشخيص أقل من نصفهم بأمراض نفسية، خاصةً اضطراب التكيف واضطراب الاكتئاب الشديد.
ولوحظ وجود إمكانية ارتفاع النسبة بين (85%)، بسبب العنف الأسري.
أما الطريقة فكانت عبر تناول جرعة زائدة من الأدوية المسكنة أو أدوات التنظيف المنزلية.
لبنان
كشفت 3 دراسات صادرة من لبنان أن معظم المقدمين على الانتحار من الإناث بين أعمار 22 و49، حيث كنّ عاطلات عن العمل وغير متزوجات ويعشن مع عائلاتهن.
المغرب
في دراسة مغربية لتقييم الجوانب الوبائية لمحاولات الانتحار بين الأطفال، تم تحديد 66 حالة. كان معظمهم من الإناث ومتوسط أعمارهن 13 عاماً.
لم يتم العثور على سبب محاولة الانتحار في ثلثي الحالات، لكن السبب الأكثر شيوعاً كان النزاع الأسري.
السعودية
كان تناول الجرعات الزائدة من الأدوية السبب المسؤول عن ثلث محاولات الانتحار بين أعمار 12 و35، لتشكل الإناث من جديدٍ الغالبية العظمى.
جدير ذكره أن هذه الأرقام الصادرة عن المعلومات البيانية لم تشمل كل محاولات الانتحار في هذه الدول، فيما ركزت على دراسة الفئة العمرية والأسباب والطريقة مع التشديد على إقدام الفتيات على هذه الخطوة أكثر من الذكور.
وتشير منظمة الصحة العالمية WHO إلى أن الانتحار كان رابع سبب رئيسي للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً على مستوى العالم في عام 2019.
ولا ينحصر في الدول المتقدمة التي تقدم دخلاً أعلى لمواطنيها، بل ما يزيد على 77% من حالات الانتحار العالمية حصلت في دول منخفضة إلى متوسطة في عام 2019 أيضاً.
الوقاية والسيطرة
يوصي نهج منظمة الصحة العالمية للوقاية من الانتحار، بالتدخلات الرئيسية الفعالة القائمة على الأدلة التالية:
تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل المبيدات الحشرية والأسلحة النارية وبعض الأدوية)
التفاعل مع الوسائل المسؤولة عن رصد حالات الانتحار
تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين
تحديد وتقييم وإدارة ومتابعة أي شخص يتأثر بالسلوك الانتحاري في وقت مبكر
إلا أن جميع هذه المحاولات يجب أن تتم بالتنسيق بين أكثر من قطاع، منها التعليمي والصحي وحتى القضائي لإحداث تغييرات قد تُنقذ آلاف الناس.