كشفت دراسة علمية جديدة عن تفاصيل جديدة للتاريخ البشري في منطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن المنطقة التي تتميز غالبيتها بطبيعة صحراوية هذه الأيام كانت خضراء، وقد عمرها خليط معقد من الأصناف البشرية التي رحلت إليها من مناطق مختلفة قبل 6 آلاف عام، ولكنها وجدت أن سكان الشرق الأوسط ينحدرون من سكان غادروا إفريقيا في الأغلب.
وعكف فريق من علماء الوراثة على تتبع تسلسلات المادة الجينية في 137 جينوماً بشرياً حديثاً من الشرق الأوسط، وذلك للكشف عن معلومات جديدة حول كيفية وصول البشر إلى المنطقة وسيرورة التغيرات التي طرأت على هؤلاء السكان مع جفاف المناطق التي كانوا يقطنونها، حسبما نقل موقع Gizmodo الأمريكي.
وأشار الفريق البحثي إلى أن البيانات الجينومية المكشوف عنها يمكن أن تساعد في تفسير تاريخ التوسعات البشرية خارج إفريقيا والتطورات الزراعية وحتى الأحداث المناخية.
واستناداً إلى جينومات قديمة من سكان سابقين للشرق الأوسط، أوضح الفريق العلمي أن سكان المنطقة انتقلوا إلى مرحلة النمو وتزايدت أعدادهم مع تمكنهم من الاستقرار والبدء في الزراعة.
ومن أبرز فوائد الدراسة هي قدرتها على ربط البيانات الأثرية والمناخية القديمة بالتغيرات الجينومية للسكان المحليين، حيث قال مؤلفو الدراسة إن الاختناقات السكانية في شبه الجزيرة العربية قبل 6 آلاف عام، تشير إلى لحظات بدأ فيها الشرق الأخضر في الجفاف، وتسببت وتيرة التصحر السريعة في انخفاض عدد السكان.
كما استند الفريق البحثي إلى ما كشفته الدراسة عن المدى الزمني لاختلاط المجموعات العرقية المختلفة في المنطقة منذ آلاف السنين، ليتمكن من تقييم كيفية انتشار اللغات السامية خارج بلاد الشام.
أهمية الدراسة
وتقطع الدراسة شوطاً طويلاً من البحث في منطقة لم يتبق فيها سوى القليل من بقايا السجلات الأحفورية.
وفي هذا السياق، تبرز عوامل التصحر المتزايدة في شبه الجزيرة العربية، على وجه الخصوص، وتأثيرها الواضح في هشاشة العظام التي كثيراً ما تتفكك ببساطة عندما يلتقطها علماء الآثار في المنطقة، كما قال ماثيو ستيوارت، عالم آثار الحيوان في معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري، لموقع Gizmodo مؤخراً. وهو ما يعني أن الأدلة الجينية تضيع بسهولة مع مرور الوقت.
وتعتمد نتائج الفريق البحثي على عينات جينومية حديثة من ثماني مجموعات بشرية مختلفة في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية. كما أُدخلت ضمن الدراسة جينومات قديمة جرى العمل عليها في دراستهم، التي نُشرت هذا الأسبوع في دورية Cell العلمية.
وفي بيان صحفي لدورية Cell، قال محمد المري، وهو عالم وراثة في معهد سانغر بالمملكة المتحدة والباحث الرئيسي في الدراسة، إن "الشرق الأوسط يعد منطقة مهمة لفهم تاريخ البشرية والهجرات والتطور، فهو المكان الذي توسع فيه الإنسان الحديث المنطلق لأول مرة إلى خارج إفريقيا، حيث استقر الصيادون أولاً ثم تحولوا إلى مزارعين، وفيه تطورت أنظمة الكتابة الأولى، وظهرت أولى الحضارات الكبرى المعروفة. مع ذلك، وعلى الرغم مما تنطوي عليه دراسة المنطقة من أهمية، فلم تكن المنطقة تاريخياً محط عناية ودراسة مناسبة في الدراسات الجينومية".
واستخدم الباحثون نهجاً تسلسلياً جديداً نسبياً، يُطلق عليه تسلسل القراءة المرتبط للجينوم، والذي أتاح لهم إعادة بناء التواريخ السكانية التي تعود إلى ما قبل 100 ألف عام. ويمكن لعلماء الوراثة استخدام هذا النهج لتحليل المزيد من الجينومات، وفي هذه الحالة يمكن تحديد ملايين المتغيرات الجينية الفريدة لسكان الشرق الأوسط.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة كريس تايلر سميث، وهو عالم وراثة في معهد "ويلكوم سانغر" البريطاني، لدورية Cell العلمية: "إن دراستنا تسد فجوة كبيرة في مشروعات الجينوم الدولية من خلال تصنيف التنوع الجيني في الشرق الأوسط".