سواء كان رد فعلك سيكون الغضب والصراخ في زميل العمل، أو الانخراط في شجار مع شريك حياتك أو زوجتك وأبنائك، فإن عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يزيد من احتمالية أن تكون ردود أفعالك العاطفية أكثر اندفاعاً وتحفُّزاً.
ولا تعتبر أي من هذه المواقف ممتعة أو تساهم في علاقات أكثر صحة وسعادة. لكن التفاعل العاطفي في مواقف قد تكون بسيطة وقابلة للتجاوز عند المعاناة من قلة النوم والراحة يكون هو المحفز الذي يجعلنا سريعي الغضب مع الأشخاص من حولنا.
وفقاً لبحث علمي نشره موقع Psychology Today، تتسبب ليلة واحدة من الحرمان من النوم في جعلنا نتفاعل بشكل أقوى وأكثر اندفاعية مع المواقف السلبية أو غير السارة أو المريحة.
وعند التعامل مع حالة مزمنة من قلة النوم، كما يفعل الكثير من البالغين المشغولين، فإننا بالتالي نتعرض لحالة متزايدة من التفاعل العاطفي المتأجج.
تأثير قلة النوم على مراكز المشاعر في الدماغ
بالرغم من أننا مازلنا نتعلم عن الطرق التي يرتبط بها النوم بالعاطفة، فإن الأبحاث كشفت بعض الأشياء المثيرة للاهتمام حول كيفية تأثير الحرمان من النوم على المراكز العاطفية المعقدة في الدماغ، ما يجعلنا أكثر عرضة للمبالغة في رد الفعل أو الغضب والإحباط.
وتظهر الأبحاث وفقاً لذات الموقع أن قلة النوم تزيد من نشاط اللوزة، وهي مركز الاستجابة العاطفية السريعة للدماغ، ويتحكم هذا الجزء من الدماغ في العديد من ردود أفعالنا العاطفية الفورية.
وبالتالي عندما تنام قسطاً غير كافٍ من النوم تدخل اللوزة في حالة مفرطة من النشاط، ما يجعلنا أكثر تفاعلاً وعاطفية مع المواقف. ومن المثير للاهتمام أنه ليس فقط مشاعرنا السلبية مثل الغضب والخوف هي التي تحصل على استجابة متزايدة، إذ تشير الدراسات إلى أنه عندما نحرم من النوم نكون أكثر تفاعلاً عبر مجموعة كاملة من المشاعر التي تشمل الإيجابية والسلبية أيضاً.
وفي نفس الوقت الذي تشتعل فيه اللوزة الدماغية من النشاط المفرط، تؤدي قلة النوم أيضاً إلى إعاقة الاتصال بين اللوزة والقشرة الجبهية الأمامية، وهي منطقة أخرى من الدماغ تشارك في التنظيم العاطفي واعتدال المشاعر.
ويتعامل هذا الجزء من الدماغ مع الكثير من المهام المعقدة، أحدها هو كبح الاندفاع والتهور والتأجج، وتعمل قشرة الفص الجبهي بمثابة شرطي المرور بالنسبة للعواطف، فهي حينما ترى رد فعل متهوراً تقول: "توقف، أبطئ هنا، هل تحتاج حقاً إلى أن تسير بهذه السرعة؟".
وعندما لا تحصل على قسطٍ كافٍ من النوم لا يستطيع هذا الجزء من عقلك القيام بعمله أيضاً، وبالتالي تصبح أكثر اندفاعاً وأقل تفكيراً في استجاباتك العاطفية.
قلة النوم تسبب عطلاً في التعامل مع الذكريات
ونظراً لأننا نمر جميعاً بتجارب مشحونة عاطفياً كل يوم وطوال حياتنا يتم تخزين هذه التجارب في الدماغ كذكريات، ويلعب النوم دوراً مهماً في معالجة تلك الذكريات.
ويبدو أن نوم حركة العين السريعة أو ما يُعرف باسم REM Sleep على وجه الخصوص يعمل بشكل محوري في معالجة الذكريات المؤلمة والصعبة.
وتساعد هذه العملية في تخفيف المعاناة العاطفية، التي يمكن أن تحدث عند استرجاع هذه الذكريات، كما أن ذلك يساعد عقلك العاطفي على العودة إلى حالة أقل شحناً وأكثر حيادية، وبالتالي فإن إعادة ضبط المشاعر الليلية ذلك مهم لصحتك العقلية.
نظرة أكثر سوداوية للحياة
لا تؤدي قلة النوم إلى التحفُّز العاطفي وسوء التعامل مع الذكريات الحياتية فحسب، إذ اتضح أنها تؤدي أيضاً لتغيير منظورك للحياة بشكل أكثر سوداوية وسلبية كذلك.
وفي 5 دراسات تناولها موقع Medical News Today في تأثير قلة النوم على المشاعر والعاطفة، تم النظر في قدرة الشخص على محاكاة مشاعر شخص آخر والاستجابة لها، فيما نظرت الثانية في تأثير الحرمان من النوم على قدرة الشخص على التعاطف مع ألم شخص آخر.
وفي البحث الثالث والرابع في انعدام النوم، وقدرة الشخص على التحكم في ردود أفعاله العاطفية، وقدرة الجسم على الاتصال بشبكة الدماغ.
والبحث الخامس بتقييم تأثير الحساسية الموسمية (وهي عامل خطر لقلة النوم) على التهاب الدماغ، بهدف تحديد آلية يمكن أن تؤدي إلى الحرمان من النوم. اتضح أن الأشخاص الذين عانوا من قلة النوم كانوا أكثر عرضة لكل التبعات السلبية للمثيرات العاطفية، وهي حالة تسمى "التحيز السلبي".
وعلاوة على ذلك، كان هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بمزاج سيئ، ويجدون صعوبة أكبر في تنظيم استجاباتهم العاطفية.
ويتميز المصابون بانعدام أو قلة النوم بضعف الإرسال بين المعلومات التي يتلقاها الدماغ ومعالجتها والسلوكيات العاطفية الناتجة عن ذلك.
في الوقت نفسه، وجدت الأبحاث أن الحرمان من النوم لا يضعف بشكل كبير من قدرة الشخص على التعاطف مع الألم، أي الاستجابة بشكل مناسب لألم شخص آخر.
النوم ضروري لسلامة الصحة النفسية والعقلية
العلاقة بين النوم والصحة العقلية -سواء بشكل إيجابي أو سلبي- لها أوجه متعددة ومعقدة، ولكن بشكل عام، تظهر الأدلة باستمرار أن الكميات الصحية من النوم مرتبطة بمزاج أفضل، وإنتاجية محسنة، وحتى زيادة الرضا عن الحياة بشكل عام وقدرات ذهنية أفضل.
وغالباً ما ترتبط قلة النوم بالمزاج المنخفض أو القلق والتوتر المتزايد، ولكن رغم أن كل شخص تقريباً لديه الكثير من الخبرة الشخصية في حالة ارتفاع التوتر أو الانفجار العاطفي الناتج عن ليلة من قلة النوم، ويعاني عدد لا يحصى من الآخرين من الاكتئاب أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط ونوبات الهلع والقلق المزمن، فقد لا يبدأ الأشخاص في إعطاء الأولوية للنوم نتيجة لذلك.
لسوء الحظ، تميل مشاكل النوم وسوء الصحة العقلية إلى تعزيز بعضها البعض في حلقة مفرغة ومتلاحقة.
وغالباً ما يكون التعرف على المشكلة مبكراً واتخاذ خطوات مدروسة لمكافحتها هو أفضل نهج لكسر الحلقة، والحصول على المساعدة الصحية والنفسية اللازمة.