في 23 يونيو/حزيران 2021، عُثر على جثة رجل الأعمال الأمريكي جون مكافي ميتاً بزنزانته في مدينة برشلونة بإسبانيا، التقرير ذكر أنه مات منتحراً، والسبب إقرار محكمة إسبانية ترحيله إلى أمريكا، ففضّل الانتحار. فمن هو جون مكافي؟ وما الذي أوصله إلى إسبانيا؟ ولماذا تلاحقه الحكومة الأمريكية؟
سمع معظم مستخدمي أجهزة الكمبيوتر ببرنامج مكافحة الفيروسات مكافي، وجون مكافي هو مؤسس هذا البرنامج الذي شكّل انطلاقته إلى مجالات مالية أخرى انتهت بخوضه أحداثاً غريبة في حياته على الصعيدين الشخصي والمهني، وأخيراً إعلان خبر وفاته انتحاراً، كما أعلنت السلطات الإسبانية؛ احتجاجاً على قرار ترحيله.
من هو جون مكافي؟
وُلد جون مكافي في المملكة المتحدة عام 1945 داخل قاعدة أمريكية لأب أمريكي وأم بريطانية. تربى في أمريكا مع أبيه مدمن الكحول الذي كان يسيء معاملته، قبل أن ينتحر بالرصاص عندما كان عمر جون 15 عاماً فقط.
تأثير العائلة على طموحاته لم يمنعه من أن يعمل لاحقاً مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا مطورَ برامج، وتحديداً ضمن فريق عمل أبوللو الفضائي.
من هناك انطلق للعمل مع شركات Xerox مصمم برمجيات ولاحقاً استشارياً.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، انتقل للعمل مع شركة صناعة الأسلحة Lockheed، حيث تلقى نسخة عن أول فيروس مصمم لأجهزة الكمبيوتر، وبدأ بتطوير برنامج يكافح هذه الفيروسات.
في العام 1987، أسس شركة مكافي أو McAfee ليبيع برنامجه الجديد، وفي عام 1994 باع حصصه في الشركة التي اشترتها إنتل عام 2010، مقابل 100 مليون دولار قبل أن تغير اسمها.
كان رد مكافي مفاجئاً، إذ قال إنه ممتنٌّ لشركة إنتل، لأنها حررته من منتجات شركة مكافي، التي وصفها بأنها "أسوأ أنواع البرمجة على الكوكب"، لكن الشراكة انفضت لاحقاً وعاد البرنامج لاسمه القديم.
خاض مكافي غمار تجربة برامج التواصل الاجتماعي مثل Tribal Voice وPowWow، وغيرها من المشاريع التي ساهم في تأسيسها.
انتقل من بعدها إلى مجال الأدوية المضادة للالتهابات والمصنوعة من الأعشاب الطبيعية أو الماريجوانا والحشيش.
أثار مكافي الجدل في أكثر من تصريح ينتقد شركات التكنولوجيا الرائدة والتطبيقات، بل حذّر في أحد المؤتمرات التي انعقدت في لاس فيغاس العام 2014 الأمريكيين من استخدام الهواتف الذكية، مشيراً إلى تجسس التطبيقات على المستهلكين الجاهلين الذين لا يقرؤون اتفاقيات المستخدم الخاصة بالخصوصية.
كان دائماً ما يصرح بأنه قادر على اختراق هواتف شركة آيفون، كما تمكن من اختراق هواتف صحفيين تعمل بنظام أندرويد؛ ليثبت قدراته على الوصول إلى أي هاتف.
انتقل مكافي لاحقاً إلى العملات النقدية الإلكترونية مثل بيتكوين وغيرها، حيث شغل منصب رئيس تنفيذي لشركة Luxcore التي تركز على حلول المشاريع في مجال هذه العملات.
آراء مثيرة للجدل
كان مكافي ليبرالياً، حيث دعا إلى إلغاء تجريم تعاطي الحشيش، وإنهاء الحرب على المخدرات وعدم التدخل في السياسة الخارجية واعتماد اقتصاد السوق الحر الذي لا يعيد توزيع الثروة، ودعم التجارة الحرة، إلى جانب إلغاء إدارة أمن النقل التي تنظم التفتيش المشدد في المطارات والمرافق.
ودعا إلى زيادة الوعي السيبراني وتثقيف المستهلكين، وفرض مزيد من الإجراءات ضد تهديد الحرب الإلكترونية.
ترشح للانتخابات الرئاسية
في 8 سبتمبر/أيلول 2015، أعلن مكافي أنه سيسعى لمنصب رئيس الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، كمرشح لحزب سياسي تم تشكيله حديثاً يسمى حزب الإنترنت، لكنه لم يفز بالانتخابات داخل الحزب الجديد.
هذه الخسارة لم تمنعه من الإعلان مجدداً عام 2018 عن الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2020 مما سماه "المنفى"، حيث كان في حينها هدفاً لوكالة الضرائب الأمريكية التي كانت تلاحقه مع زوجته و4 من مساعديه في الحملة.
لكنه فشل من جديد في الحصول على تأييد حزبه.
خلافه مع الحكومة الأمريكية
كان مكافي مناهضاً شديداً لنظام الضرائب الأمريكي، وأقر في عام 2019 بأنه لم يقدم إقراراً ضريبياً منذ عام 2010. وأشار إلى نفسه على أنه "هدف رئيسي" لدائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية.
وتم اعتقاله أكثر من مرة إما لحيازة مخدرات أو أسلحة نارية بلا رخص وإما للقيادة تحت تأثير الكحول.
كان دائماً ما يشير في تغريداته أو فيديوهاته إلى أن السلطات الأمريكية جعلت منه هدفاً، وأنه يتوقع أن يتم إلصاق تهم باطلة به، حتى وصفه رئيس وزراء دولة بليز الكاريبية، حيث أقام في سنواته الأخيرة، بأنه مصاب بجنون الارتياب.
في العام 2012، عُثر على جثة جاره مقتولاً بالرصاص في بيليز، ففر إلى غواتيمالا حيث تقدم بطلب لجوء سياسي، متخوفاً من اتهامه بالقتل.
لكن السلطات الغواتيمالية اعتقلته؛ لدخوله بطريقة غير شرعية، ورُفض طلبه وتم ترحيله إلى أمريكا، حسب موقع Fox Business.
في العام 2019، أعلن مكافي أنه فر من الولايات المتحدة على متن قارب يبحر بمياه دولية، إلى أن اعتقلته السلطات الإسبانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 بمطار برشلونة بعد يومين فقط من توجيه الحكومة الأمريكية تهمة التهرب من دفع الضرائب ضده.
وشملت التهم التهرب الضريبي، من 2014 إلى 2018، على الرغم من جنيه أرباحاً بملايين الدولارات من الترويج للعملات المشفرة والخطابات والعمل الاستشاري وبيع حقوق قصة حياته لفيلم وثائقي.
بعدها، تم سجن مكافي في إسبانيا بانتظار تسليمه إلى الولايات المتحدة لمدة 8 أشهر.
وفي 23 يونيو/حزيران 2021، أذنت المحكمة الوطنية الإسبانية بتسليم مكافي إلى الولايات المتحدة للمحاكمة ومواجهة عقوبة السجن لنحو 30 سنة؛ أما المبلغ الذي كان يدين به للحكومة فهو 4.2 مليون دولار قبل تطبيق الفوائد.
بعد صدور القرار بساعات قليلة، عثر على مكافي ميتاً في زنزانته، ليختم رحلة طويلة من المواجهات مع الحكومة الأمريكية والشركات التكنولوجية دامت نحو عقدين.
لكن حتى وفاته لم تخلُ من الجدل والأسئلة المطروحة بلا إجابات، إذ كان مكافي صرح أكثر من مرة، بأنه إذا عُثر عليه مشنوقاً، فهذا يعني أنه قُتل، لكن السلطات الإسبانية لم تكشف عن طريقة انتحاره، وهو ما أشعل نظريات المؤامرة بأنه مات مقتولاً، بينما صرح محاميه بأن مدير السجن أبلغه أنه عُثر عليه مشنوقاً، حسب ما نشرته صحيفة Wall Street Journal.
كانت آخر تغريدة له حول الديمقراطية والفساد المستشري داخل السلطات والتي قال فيها:
"في الديمقراطية، السلطة لا تؤخذ بل تُعطى.
لكنها لا تزال قوة.
الحب والرحمة والرعاية لا فائدة منها. لكنها وقود للجشع والعداء والغيرة…
كل السلطة مفسدة.
انتبه للسلطات التي تسمح للديمقراطية بممارستها".
بعد إعلان نبأ وفاته، صرح محاميه الإسباني خافيير فيلالبا بأنه سيبقى في الذاكرة كشخص مقاتل، وبأن الحكومة الأمريكية جعلت حياته مستحيلة، وبأنها "حاولت أن تمحوه لكنها فشلت".