مَن منّا لم يشعر في عطلة نهاية الأسبوع بأنه يريد مكافأة نفسه بهدية ما، فقرر الذهاب إلى مراكز المحلات الكبرى لكي يتسوق، وفي خضم العملية شعر بإعياء شديد، وأن الأمر مُرهق أكثر مما كان يتخيل، وأنه لا يشعر بتلك المتعة التي يتمناها؟
حتى عند التسوق عبر الإنترنت لشراء الملابس أو الأدوات المنزلية أو حتى وجبة طعام، كثرة الخيارات وتنوُّع المعروضات كثيراً ما تدفع البعض إلى تأجيل الأمر برمّته أو التهرّب من الدفع وإنهاء عملية التسوق بسرعة، وذلك للشعور بالضغط النفسي حيال اتخاذ قرار بصورة نهائية، خوفاً من أن يكون الخيار غير صائب بما يكفي
لماذا يُرهقنا اتخاذ القرارات؟
تُعرف هذه الحالة في علم النفس باسم "إجهاد اتخاذ القرارات"، وهي تستلزم طاقةً معنويةً كبيرة تستخدم نفس قوة الإرادة التي تجعل الشخص يقوم بالفعل الصائب وتجنب ارتكاب الأمور الممنوعة أو الخطأ، مثل قوة الإرادة في تجنّب الطعام السريع، أو لاتخاذ قرار التوقف عن التدخين.
وخلال اليوم نواجه مئات الخيارات التي تستلزم منا قوة الإرادة، مثل قرار الاستيقاظ في ساعة معينة، عوضاً عن غلق المنبّه والحصول على ساعة راحة إضافية. وبغضّ النظر عن مدى قوتك، يمكن أن تنفد قدرات الشخص على اتخاذ أفضل الخيارات في النهاية، بسبب إجهاد هذه القدرة خلال اليوم.
وهذا هو المصطلح الرسمي لهذا الشعور عندما تكون مرهقاً بشكل مفرط، بسبب الكمّ اللامتناهي من القرارات التي كان عليك اتخاذها على مدار اليوم.
يقول الأخصائي النفسي جو مارتينو لموقع Healthline المعني بالصحة، "قد يكون تمييز هذا النوع من الإجهاد أمراً صعباً، لأنه غالباً ما يكون شعوراً عميقاً بالتعب"، مضيفاً أنه يؤثر علينا اليوم أكثر مما ندرك.
ما هو "إجهاد اتخاذ القرارات" في علم النفس؟
المصطلح العلمي صاغه عالم النفس الاجتماعي روي إف بوميستر، وتعريفه هو الشعور بالضغط العاطفي والعقلي، نتيجة عبء اتخاذ قرار حيال أحد الخيارات المتعددة المتاحة.
وتقول تونيا هانسل، أستاذة الخدمة الاجتماعية في جامعة تولين، لموقع Healthline: "عندما تبدأ طاقتك العقلية في النفاد تزيد احتمالية اختيارك لأسهل الطرق والخيارات في المقام الأول، مادامت تحقق لك الكفاية من ناحية الاحتياجات الأساسية".
على سبيل المثال، إذا ما شعرت بالاستنزاف بعد يوم عمل شاق ومليء بالخيارات الصعبة التي كان عليك اتخاذ القرارات حيالها، فستشعر عند عودتك إلى المنزل بالإعياء من مجرد محاولة اتخاذ قرار حيال الوجبة التي تريد تناولها، وبالتالي ستبحث لا إرادياً عن الخيار الأسهل والأسرع لإشباع جوعك.
علاقة التسوق بإجهاد اتخاذ القرارات
وبما أن كل الوسائل التكنولوجية اليوم تروّج لزيادة الاستهلاك، وتغري الناس بالشراء والإنفاق، فإن عملية التسوق لم تعد مجرد شراء احتياجات، بل أصبحت نشاطاً اجتماعياً ووسيلة ترفيه وهواية في حد ذاتها.
ومع تنوع المنتجات المعروضة وانفتاح الأسواق عالمياً، بات بالإمكان بكبسة زر واحدة شراء أي شيء من أي بلد، مادُمت تمتلك بطاقة بنكية واتصالاً بالإنترنت. لذلك فإن عملية التسوق أصبحت تستلزم قوة إرادة معينة، لم تكن تستلزمها في أي وقت مضى.
ويوضح موقع Psychologies لعلم النفس، أن الإنسان اليوم قد لا يشعر أنه بخير إلا إذا قام بشراء شيء ما خلال اليوم، لقدرة التسوق على جعلك في مزاج جيد.
ويضيف الخوف من فقدان الصفقات والعروض والتخفيضات إحساساً ما بالضغط والإلحاح، ما يجعل اتخاذ القرار حيال ذلك أمراً أكثر تعقيداً وأكبر في المسؤولية من وجهة نظرك. بمعنى أنه "عليك الشراء قبل فوات الأوان".
ولهذا السبب يتوقع أغلبنا الكثير من عملية الشراء، إذ يعتقد البعض أن شراء تلك السماعة أو هذا الفستان سيغير حياتك، وأن الآخرين سيرونك بشكل مختلف بسببه، إلا أن هذه المعتقدات لا تعكس الواقع في الحقيقة، وهذه العملية لا تمثل أكثر من مجرد عملية لملء الفراغ وتعويض شعور النقص.
ونتيجة لذلك، غالباً ما تشعر بعدم الرضا بعد عملية الشراء القهري تلك، أو ما يُعرف في علم النفس بـCompulsive Shopping.
وتجد نفسك بعد اتخاذ قرار الشراء تشعر بالذنب أو الندم وتأنيب الضمير والإجهاد النفسي الشديد، بسبب اعتقادك أنك اتخذت القرار الخاطئ في الشراء. وقد لا تقوم باستخدام المشتريات الجديدة أبداً نتيجة لذلك.
أسباب هذا الإجهاد وأعراضه
قد يكون السبب الأساسي للإرهاق والإجهاد من اتخاذ القرارات متعلقاً بشكل أساسي بمستويات التوتر لدى الشخص، وعدد وحجم القرارات التي يتعين عليهم اتخاذها كل يوم.
وبحسب Psychologies، قد تؤدي القرارات الأكثر تعقيداً وأهمية إلى استنفاد مستويات الطاقة بشكل أسرع. ومع مرور الأيام بهذه الوتيرة، يفقد الشخص قدرته على الاختيار بحكمة، ويبدأ في اتخاذ قرارات عشوائية ومتسرعة وغير مدروسة.
ويشعر الشخص الذي يعاني من إرهاق القرارات بالتعب الجسدي والنفسي، أو يعاني من عدم وضوح الأفكار والشعور بالاتزان، أو يعاني من علامات أو أعراض أخرى للإرهاق البدني أو العقلي والتوتر والقلق.
ونظراً لأن هذه الظاهرة قد تزداد كلما اتخذ الشخص المزيد من القرارات، فقد يشعر بسوء أو استنزاف أكبر مع مرور الوقت دون وقفة مع نفسه لعلاج المشكلة.
علاج "إجهاد اتخاذ القرارات"
تبدأ مكافحة إرهاق اتخاذ القرارات بتغيير أنماط استخدام قوة الإرادة. الأشخاص الذين يدربون أنفسهم على الاستمتاع بصنع القرار وجهود الإرادة قد لا يلاحظون هذه التبعات المرهقة مثل الآخرين.
وقد تساعد التغييرات الأخرى في عادات الأشخاص أيضاً على مقاومة إجهاد اتخاذ القرار. على سبيل المثال، يمكن لأي شخص أن يحاول فعل هذه الخطوات التي حدَّدها موقع Medical News Today:
1- اتخاذ القرارات المهمة أولاً في بداية اليوم
إذا استنفد كل قرار طاقة الشخص، فقد يكون من الأفضل اتخاذ القرارات الأكثر أهمية في أبكر وقت ممكن يومياً.
وسواء كان ذلك إجراء مكالمة هاتفية صعبة أو العمل على مشروع صعب أو أي مهمة ثقيلة أخرى، لأن اتخاذ القرارات المهمة في وقت مبكر من اليوم قد يساعد في منع شعور الإجهاد عند مواجهة هذه الخيارات.
إزالة المشتتات وتقليل الخيارات
يمكن أن يكون الانخراط في مراكز التشتيت والمساحات التي توفر مئات وآلاف الخيارات مثل منصات التسوق الرقمي أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، عاملاً من عوامل الإجهاد والضغط على قدرة الشخص في اتخاذ القرارات.
وبحسب Medical News Today، قد يؤدي اختيار النظر إلى الهاتف الخلوي أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو إلقاء نظرة على موقع ملابسك المفضل إلى استنزاف قوة إرادتك للقيام بالمهام الأكثر أهمية في وقت لاحق من اليوم.
وقد تساعد إزالة هذه المشتتات على تقليل شعور الشخص بالتعب بما يمكّنه من الانخراط في المهام التي يقوم بها.
وقد يكون هذا منطبقاً على تقليل خيارات الملابس المتاحة في خزانتك لتقليل إجهاد عملية اختيار ما ستلبسه خلال يومك، وصولاً إلى شراء مكونات طعام محددة، والتخطيط المسبق للوجبات، لعدم الوقوع في دوامة اختيار ما ستأكله اليوم على الغداء.
أخذ أقساط وافرة من الراحة
قد يلعب التعب الجسدي أيضاً دوراً في إصابة الشخص بإجهاد اتخاذ القرارات. إذ قد يتخذ بعض الناس قرارات أسوأ عندما يكونون متعبين، ويقررون بشكل عشوائي ومتسرع.
بحسب Medical News Today، يساعد أخذ فترات راحة طوال اليوم حسب الحاجة على إعادة شحن هؤلاء الأشخاص. كما قد يستفيد البعض حتى من أخذ قيلولة قصيرة للمساعدة في إنعاش عقولهم والشعور بالتخفُّف من مسؤوليات اليوم.
ضروريات التسوق منعاً للإجهاد
وعند اتخاذ قرار التسوق والتوجه إلى متجر معين لشراء حاجيات معينة، قد يكون من المفيد أن تقرر بشكل مسبق ميزانيتك للموضوع، وخصائص الأشياء التي تريد أن تبتاعها سواء من ناحية اللون، الوظيفة، الملمس، أو حتى المتاجر والأقسام التي تُفضل التسوق منها.
ومن الضروري بمكان أن يكون الشخص واعياً لهدفه الحقيقي من وراء التسوّق، هل هو لشراء احتياجات ناقصة؟ أم للشعور بصورة أفضل ولتعويض نقص الثقة في الذات؟ أو للتهرّب من مسؤوليات أخرى؟
وإذا ما كان سبب التسوق دافع نفسي أعمق من مجرد شراء احتياجات، سيكون من المهم علاج المشكلة الأصلية والوقوف على أساس المشكلة. وبهذه الطريقة من التنقيح والوعي قبل التسوّق ستكون العملية أسهل وأمتع وأقل إجهاداً لقوة إرادتك في اتخاذ القرارات.