ليس كل من يتعرض لحدث مرهق سيصاب بصدمة نفسية. وقد يصاب بعض الأشخاص بأعراض تختفي بعد بضعة أسابيع، في حين يعاني آخرون من بعض الآثار طويلة المدى وفقاً للتجربة وخبرات الشخص السابقة واستعداده النفسي للتعافي.
ودائماً ما يكون من الصعب رؤية شخص تهتم لأمره يعاني من تبعات الصدمة النفسية بعد تعرضه لحادث أليم أو تجربة صادمة، وقد تجد نفسك قلقاً بشأن سلامته وعاجزاً عن تقديم المساعدة والدعم الملائم له في هذا الوقت الحرج.
في هذا التقرير نوضح ما هي الصدمة النفسية عند التعرض لحادث مؤلم وكيف يمكن دعم الشخص المصاب بها لكي يتعافى بصورة أسرع وأقل إرهاقاً.
أعراض التعرض للصدمة النفسية
وفقاً لجمعية علم النفس الأمريكية APA، فإن الصدمة هي "استجابة عاطفية لحدث مروع مثل حادث قاسٍ أو اغتصاب أو كارثة طبيعية أو ظروف حرب".
ومع ذلك قد يتعرض الشخص للصدمة كرد فعل على أي حدث يجده مهدداً لسلامته الجسدية أو العاطفية.
يمكن أن يشعر الشخص المصاب بالصدمة النفسية بمجموعة من المشاعر بعد الحدث مباشرة وعلى المدى الطويل، مثل التوتر والقلق والحزن الشديد والبكاء المستمر والغضب والشعور بالذنب والإنكار وعدم الاستيعاب.
كما قد يشعرون بالإرهاق والعجز ويجدون صعوبة في تجاوز تجاربهم.
ويمكن أن تسبب الصدمة أيضاً أعراضاً جسدية تطابق المقترنة بأمراض الاكتئاب السريري، مثل الصداع والإعياء والتعرُّق وارتفاع ضربات القلب.
ويمكن أن يكون للصدمة آثار طويلة المدى على سلامة الشخص. وإذا استمرت الأعراض ولم تنخفض شدتها فقد يشير ذلك إلى أن الصدمة تطورت إلى اضطراب في الصحة العقلية، يسمّى اضطراب ما بعد الصدمة أو PTSD.
وهناك عدة أنواع من الصدمات، منها:
الصدمة الحادة: تنتج عن حدث واحد مرهق أو خطير للغاية.
الصدمة المزمنة: تنتج عن التعرض المتكرر والمطول لأحداث مرهقة للغاية. تشمل الأمثلة حالات إساءة معاملة الأطفال أو التنمر أو العنف المنزلي أو العيش في دولة تعاني من الحروب المستمرة.
الصدمة المعقدة: تنتج عن التعرض لأحداث صادمة متعددة وتراكم خبراتها دون التعافي منها.
ويعاني أفراد الأسرة ومهنيو الصحة العقلية وغيرهم ممن يهتمون بأولئك الذين يعانون من حدث صادم من أجل معرفة كيفية التعامل السليم مع الشخص المصاب، خاصة مع احتمالية انتكاس الحالة إذا ما تم التعامل معها بالشكل الخاطئ.
عدم تجاوب الشخص المصاب أمر طبيعي
وعندما يعاني شخص ما من معارفك أو أحد المقربين منك من الصدمة النفسية بعد حادث مؤلم، فقد تعاني من أجل معرفة كيفية التعامل معه دون أن تُثقله أو تتسبب في أي ردود فعل عكسية غير مرغوبة.
ويبدو الأشخاص الذين يعانون من تبعات تجربة مؤلمة منغلقين على أنفسهم أو بعيدين وغير متفاعلين مع العالم من حولهم. ويحدث ذلك لبعض الناس لأنهم يحاولون عدم التفكير في الصدمة أو التجربة المؤلمة، أو لأنهم يحاولون حجب الذكريات المؤلمة وإنكار وقوعها.
يأتي ذلك بينما قد يشعر البعض الآخر بالحزن الشديد والبكاء المستمر أو التخدير، ويفتقرون إلى الطاقة للقيام بالأشياء المعتادة. لذلك يتوقفون عن المشاركة في الحياة الأسرية والاجتماعية، أو يتجاهلون ويرفضون المساعدة والدعم المُقدم لهم من قِبَل الآخرين.
أساسيات التعامل مع الشخص المصاب بالصدمة
بعد المرور بتجربة صادمة، من المهم استعادة الروتين الطبيعي لكي يتمكن الشخص المصاب من الشعور بأنه طبيعي مجدداً، وهذا يساعده على استعادة الشعور بالقدرة على التحكم في الأمور وتوقّع الأحداث، ما يزيد من إحساس الاستقرار والأمان النفسي.
وفيما يلي بعض الأفكار حول كيفية مساعدة الشخص على العودة إلى روتينه الطبيعي:
1- يجب إدراك واستيعاب أن الشخص المصاب قد مر بحدث مرهق للغاية وهو يحتاج إلى الوقت والمساحة للتعامل مع مشاعره. ويمكن مساعدتهم في العثور على ذلك الوقت والمساحة من خلال توفير الدعم العملي، مثل عرض رعاية أطفاله، أو الطهي له أو القيام بالتسوق الأسبوعي له.
2- يجب أيضاً الحد من تعرض الشخص المصاب بالصدمة لأي تغطية إعلامية متعلقة بالحدث، وذلك لكي لا تتجدد لديهم حالة الصدمة الأولى واسترجاع تفاصيل الحادث المؤلم.
3- وينبغي تشجيع الشخص المصاب على الاعتناء بنفسه من خلال الحصول على قسط كبير من الراحة والنوم، وتناول الطعام الصحي وشرب المياه الكافية في اليوم، والخروج لاستنشاق الهواء أثناء التنزه والمشي في منطقة خضراء، وكذلك تخصيص وقت للاسترخاء والهدوء وعدم تناول المنبهات والسجائر والمخدرات.
4- ويمكن ممارسة أشياء ممتعة مع الشخص المصاب بالصدمة، وتشجيعه على التخطيط لفعل نشاط ممتع واحد على الأقل يومياً، سواء كان ذلك ممارسة الرياضة أو الرسم أو الموسيقى أو الطهي أو غيرها من الأنشطة المحببة.
5- ويجدر تشجيع ودعم الشخص المصاب بالصدمة النفسية وتقدير إنجازاته مهما كانت بسيطة. وذلك لأنه أحياناً يكون من الصعب أن يرى المصاب أي أمل أو جدوى في الأمور المعتادة.
6- ومن المهم مساعدتهم في الحصول على مساعدة مختصين نفسيين إذا لم تتحسن حالة الشخص المصاب بالصدمة النفسية عقب أسابيع من وقوع الحادث المؤلم.
وفيما يلي بعض النقاط الأبرز في دعم الشخص المصاب بالصدمة النفسية وفقاً لمؤسسة Phoenix لدعم المصابين بالصدمات النفسية والعقلية:
1- تقديم الدعم العاطفي والاجتماعي
من الشائع أن ينسحب الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة من الدوائر الاجتماعية المختلفة. وقد يشعرون بالخجل من حالتهم النفسية ويرفضون الإثقال على الآخرين، أو يعتقدون أن الآخرين لن يفهموا ما يمرون به.
وفي حين أنه من المهم احترام حدود الشخص، فإن الدعم في مثل هذا الوقت يمكن أن يساعدهم في التغلب على مشاعر العجز والحزن واليأس.
وفي الواقع يعتقد خبراء الصدمات أن الدعم المباشر من الآخرين هو العامل الأكثر أهمية في تعافي الشخص من اضطراب ما بعد الصدمة.
ومن المهم معرفة أنه لا يمكنك إجبار من تحب على التحسن، ولكن يمكنك أن تلعب دوراً رئيسياً في عملية الشفاء بمجرد قضاء الوقت معاً.
2- لا تضغط على من تحب للحديث
قد يكون من الصعب جداً على الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة التحدث عن تجربتهم المؤلمة. وبالنسبة للبعض يمكن أن يتسبب ذلك في تدهور حالتهم.
بدلاً من ذلك، يستحسن إخبارهم أنك على استعداد للاستماع لهم عندما يريدون التحدث، إذ تأتي الراحة بالنسبة للشخص المصاب بالصدمة النفسية من الشعور بالقبول والتفهُّم ممن حوله، وليس بالضرورة من التحدث في حد ذاته.
3- اسمح لهم بأخذ زمام المبادرة
اسمح لأحبائك بأخذ زمام المبادرة بدلاً من إخبارهم بما يجب عليهم فعله.
ويختلف كل شخص مصاب بالصدمة النفسية عن غيره، ولكن معظم الناس يعرفون بشكل غريزي ما الذي يجعلهم يشعرون بالهدوء والأمان. لذلك يجب استيعاب وفهم أفضل السبل لتقديم الدعم لهم.
4- تحكم في توترك والتزم بالصبر
كلما كانت دائرة الدعم أكثر هدوءاً واسترخاء وتركيزاً كانت عملية تحسُّن الشخص المصاب بالصدمة النفسية أسرع وأقل إرهاقاً بالنسبة له.
ولأن التعافي النفسي عملية تستغرق وقتاً وغالباً ما تتضمن نكسات، الشيء المهم هو أن تظل إيجابياً وتحافظ على دعمك لمن تحب.
ويجب قبل كل شيء أن تثقف نفسك بشأن اضطرابات ما بعد الصدمة وآثار وتبعات الصدمة النفسية أو Trauma. فكلما زادت معرفتك بالأعراض والتأثيرات وخيارات العلاج ستكون أكثر استعداداً وأهلية لمساعدة من تحب، وفهم ما يمر به، وإبقاء الأمور في نصابها.
5- كن مستمعاً جيداً
بينما لا يجب أن تدفع الشخص المصاب بصدمة نفسية إلى التحدث رغماً عنه، إذا اختار الشخص أن يتحدث فحاول الاستماع دون توقعات أو إصدار أحكام. وضّح أنك مهتم ومُتفهّم، ولا تقلق بشأن تقديم النصيحة المثالية. لأن الاستماع بانتباه هو ما يفيد، وليس ما ستقوله.
وقد يحتاج الشخص المصاب بالصدمة النفسية أو اضطراب ما بعد الصدمة إلى التحدث عن الحدث الصادم مراراً وتكراراً، لأن هذا جزء من عملية الشفاء، لذا تجنب إخباره أن يتوقف عن ذلك أو أن يمتنع عن معايشة الماضي وأن يمضي قدماً. بدلاً من ذلك اعرض عليه التحدث مرة بعد مرة حسب حاجته إلى حين يقرر هو موعد التجاوز والمضي قدماً.
وقد يكون من الصعب عليك الاستماع إلى بعض الأشياء التي يخبرك بها من تحب، وبشكل متكرر ومتواصل، ولكن من المهم احترام مشاعره وردود فعله. لأنه إذا بادرته بالرفض أو الترويع أو الاستنكار وعدم التفهُّم فمن غير المرجح أن ينفتح المصاب في حديثه معك مرة أخرى، وبناءً على الانفتاح وحده تكمُن عملية التعافي كلها تقريباً.