انتشر الصيام في العديد من الأديان، وبينما أجمعت على التواصل مع الجانب الروحاني وتنظيف الجسم والروح من السموم، إلا أنها اختلفت في الطريقة والتنفيذ. من هذه الطرق على سبيل المثال صوم دانيال، الذي يعتمده بعض أتباع المسيحية.
وصوم دانيال ليس الصيام الذي مارسه المسيح، بل هو الصيام الذي مارسه النبي دانيال عندما سافر إلى بابل.
صوم دانيال في بابل
وبحسب الرواية الإنجيلية، اصطحبت قوات نبوخذ نصر دانيال وثلاثة من أصدقائه كأسرى إلى العاصمة الكلدانية، بابل التي أعيد بناؤها، وذلك ليتعلم أدب الكلدانيين وعلومهم لعدة سنوات.
قدم لهم نبوخذ نصر طعاماً ملكياً ونبيذاً لمدة 3 سنوات من تعليمهم، لكن دانيال قرر عدم تدنيس نفسه بالطعام الملكي الفاخر، والذي تضمن لحوماً ربما لم تُصفَّ جيداً من الدم، وفقاً لما تقتضيه الشريعة اليهودية، كما رفض تناول اللحوم التي غالباً ما كانت تُستخدم كقرابين للإله البابلي مردوخ وابنه الإلهي نابو.
وبدلاً من ذلك طلب دانيال الخضر والماء، وأعرب الحارس المكلف برعايتهم عن قلقهم على صحتهم، لذلك طلب دانيال منه أن يجري اختباراً قصيراً للنظام الغذائي لمدة 10 أيام.
سُمح له بتناول الخضر فقط، وفي النهاية، فوجئ الحارس بمظهره الشخصي الجيد وصحته البدنية والعقلية، مقارنة بمن واظبوا على الأطعمة الملكية. لذلك، سُمح لدانيال وأصدقائه بتناول الخضر طوال فترة تدريبهم.
أما حالياً، فيشيع صوم دانيال بين البروتستانت الإنجيليين في أمريكا الشمالية حيث يتم تجنب اللحوم والنبيذ والأطعمة الغنية الأخرى لصالح الخضر والماء لمدة ثلاثة أسابيع عادةً حتى يكونوا أكثر حساسية تجاه الله وتقرباً إليه.
لذا يعتمد الصوم على حمية الكوشر التي اتبعها دانيال ممتنعاً عن تناول اللحوم والنبيذ.
ويحمل الصوم تشابهاً مع الصوم الكبير لدى الأرثوذكس والكاثوليك وبعض المسيحيين البروتستانت، والذي يستمر لمدة 40 يوماً قبل الفصح، إلا أن مدته تتراوح بين 10 إلى 21 يوماً من الصيام.
الهدف من هذا الصيام هو الترفع عن تناول الأطعمة التي تم تعدادها في إنجيل دانيال على أنها "أطعمة ملكية" بما في ذلك اللحوم والخبز والخمر والنبيذ.
وينحصر هذا الصيام في تناول الحبوب والماء، والحبوب هنا تشمل كل ما ينبت من البذور، أي الخضراوات والفواكه والعدس وما إلى ذلك.
النص الإنجيلي:
"جَرِّبْ عَبِيدَكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. فَلْيُعْطُونَا الْقَطَانِيَّ لِنَأْكُلَ وَمَاءً لِنَشْرَبَ". (دا 1: 12)
"لَمْ آكُلْ طَعَامًا شَهِيًّا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي فَمِي لَحْمٌ وَلاَ خَمْرٌ، وَلَمْ أَدَّهِنْ حَتَّى تَمَّتْ ثَلاَثَةُ أَسَابِيعِ أَيَّامٍ". (دا 10: 3)
ما هي الأطعمة الملوثة أو النجسة في شريعة موسى والتي يقتطعها هذا الصيام من الحمية؟
تشمل هذه الأطعمة لحم الخنزير والمحار، وأخرى نذكر منها من سفر اللاويين:
الآيات (1-8): "1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا لَهُمَا: 2"كَلِّمَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: هذِهِ هِيَ الْحَيَوَانَاتُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: 3كُلُّ مَا شَقَّ ظِلْفًا وَقَسَمَهُ ظِلْفَيْنِ، وَيَجْتَرُّ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَإِيَّاهُ تَأْكُلُونَ. 4إِلاَّ هذِهِ فَلاَ تَأْكُلُوهَا مِمَّا يَجْتَرُّ وَمِمَّا يَشُقُّ الظِّلْفَ: الْجَمَلَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفًا، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. 5وَالْوَبْرَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفًا، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. 6وَالأَرْنَبَ، لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفًا، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. 7وَالْخِنْزِيرَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ ظِلْفًا وَيَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ، لكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. 8مِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ".
الممنوع والمسموح
ولكن بغض النظر عن جواز تناول هذه اللحوم من عدمها، فإن صيام دانيال يعفي الصائم من تناول أي من هذه اللحوم أو اتخاذ القرار فيما إذا كانت صالحة للأكل من عدمه.
ويُمنع الصائمون أيضاً عن تناول الخضراوات المعلبة، والاكتفاء بالطازجة منه أو المثلجة، وكذلك الفواكه التي يمكن تناولها مجففة أو طازجة أو مثلجة.
أما المكسرات فيمنع تناولها مملحة والاكتفاء بتناولها نيئة أو محمصة بلا أي إضافات.
وحتى في السوائل فإن المشروبات المسموح بتناولها هي على الشكل التالي:
- ماء (نبع، مقطر، مصفى)
- عصير خضر (معصور طازج)
- حليب جوز الهند
- حليب اللوز
ويبتعد الصائمون في هذه الأسابيع الثلاثة عما يلي:
- ملح مدعم باليود
- المُحلَّيات
- اللحوم، بما في ذلك المحار
- منتجات الألبان
- الأطعمة المصنعة
- الخبز والمعكرونة والدقيق والبسكويت (ما لم تكن مصنوعة من الحبوب القديمة المنبتة)
- المخبوزات
- الزيوت
- العصائر مصنعة
- القهوة
- مشروبات الطاقة
- العلكة
- المنكهات
- الألوان الصناعية
- الحلويات على أنواعها
ويبقى الملح موضع نقاش، إذ يسمح البعض بتناول الملح العادي، بينما ينصح آخرون بتناول ملح الهيمالايا.