أظهرت دراسة نُشِرَت في مجلة Antiquity، أنَّ الهياكل الغامضة المنتشرة حول الصحراء في شمال غرب السعودية، أقدم من أهرامات مصر والدوائر الحجرية القديمة في بريطانيا؛ ما يجعلها أقدم ساحة شعائرية مكتشفة حتى الآن على الإطلاق.
حسب تقرير لشبكة NBC News الأمريكية، الجمعة 30 أبريل/نيسان 2021، يقول الباحثون إنَّ الآلاف من الهياكل الأثرية المبنية من جدران صخرية والمسماة "المستطيلات" عمرها نحو 7000 عام. وهذا أقدم بكثير مما كان متوقعاً، وأقدم بنحو 2000 عام من ستونهنج في إنجلترا أو أقدم هرم مصري.
ساحة أثرية ضخمة
قالت ميليسا كينيدي، عالمة الآثار في جامعة غرب أستراليا في بيرث ومُعِدَّة الدراسة: "نعتقد أنها ساحة أثرية ضخمة، نحن نتحدث عن أكثر من 1000 مستطيل، عُثِر عليها على مساحة تزيد عن 200000 كيلومتر مربع، وكلها متشابهة جداً في الشكل… لذلك ربما تعود لنفس المعتقد أو الفهم الشعائري".
فيما قال هيو توماس، عالم الآثار في نفس الجامعة ورئيس الفريق البحثي، "لا بد أنه كان هناك مستوى عظيم من التواصل على منطقة كبيرة جدأً؛ لأنَّ طريقة بنائها أُبلِغَت للناس".
إذ موَّل البحث الهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي أسَّستها حكومة السعودية للحفاظ على تراث منطقة العلا في شمال غربي البلاد، حيث توجد العديد من هذه المستطيلات.
بينما يبلغ طول بعض الهياكل القديمة أكثر من 1500 قدم (457 متراً)، لكنها ضيقة نسبياً، وغالباً ما تكون مجمعة معاً. وبني كثيرٌ منها على أساس صخري، في الجبال وفي المناطق المنخفضة نسبياً، لكن غالباً على نتوءات صخرية فوق الصحراء.
كيف تكونت المستطيلات الأثرية؟
صُنِعَت أبسط المستطيلات في صحراء السعودية من خلال تكديس الصخور في شكل جدران منخفضة بارتفاع بضعة أقدام لتشكيل مستطيلات طويلة، مع جدار "رأسي" أسمك عند الطرف الأعلى ومدخل ضيق على الجانب الآخر. ويعتقد الباحثون أنها قد تكون بُنِيَت لتوجيه موكب من طرف إلى آخر.
لكنهم عثروا أيضاً على العديد من المستطيلات أكثر تعقيداً مما اعتقدوا في البداية، إذ وجدوا أنها تحتوي على أعمدة وأحجار قائمة و"خلايا" أصغر من الجدران الصخرية.
يقدر كينيدي وتوماس أنَّ أحد المستطيلات التي أجروا دراسة مسحية عليها بُنِيَت عن طريق نقل أكثر من 12000 طن من حجر البازلت، وهي مهمة شاقة لا بد أنها استغرقت عشرات الأشهر حتى تكتمل.
لكن من غير المعروف لماذا بنى الناس القدامى الكثير من هذه المستطيلات في السعودية. ويفترض كينيدي أنَّ بعضها استُخدِم لمرة واحدة فقط، أو أنَّ المستطيلات المختلفة القريبة من بعضها بنتها واستخدمتها مجموعات مختلفة من الناس.
ظاهرة المستطيلات جديدة
من جانبه، قال عالم الآثار هوف غروكت، من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري في ألمانيا، الذي درس المستطيلات على الحواف الجنوبية لصحراء نفود، لكنه كان لم يشارك في أبحاث العلا: "هذه إحدى أهم الأوراق البحثية الأثرية في العقود الحديثة؛ فمعظم الأبحاث تدور حول إضافة بعض التفاصيل الجديدة إلى أشياء معروفة بالفعل، لكن ظاهرة المستطيلات جديدة حقاً".
لفت إلى أنَّ شمال غربي السعودية حيث توجد معظم أنواع المستطيلات أُغفِلَت عادةً في دراسات عصور ما قبل التاريخ.
قال غروكت، في رسالة بريد إلكتروني: "هذه الآلاف من المستطيلات تُظهِر إنشاء ساحة طبيعية أثرية. وتُظهِر أنَّ هذا الجزء من العالم بعيد عن الصحراء الفارغة الأبدية التي يتخيلها الناس غالباً، بل هي مكان حدثت فيه تطورات ثقافية بشرية ملحوظة".