إذا كنت قادماً من الضاحية الشرقية للعاصمة وبالقرب من خليج العاصمة مارّاً بحي محمد بلوزداد العتيق ستسرُّ عيناك برؤية البحر عن يمينك وحديقة التجارب عن يسارك ومقام الشهيد الذي يبدو كتاج على أشجار الحديقة الأشهر في الجزائر.
تعدّ حديقة التجارب الرئة التي يتنفس منها قرابة خمسة ملايين شخص يسكنون العاصمة الجزائرية، وتمّ تأسيسها من طرف الفرنسيين بعد سنتين من احتلالهم المحروسة (العاصمة) أي سنة 1832، وتبلغ مساحتها 32 هكتاراً وبها أكثر من 3000 نوع من النباتات والأشجار النادرة في العالم.
وتنقسم الحديقة إلى نصفين أحدهما صمّم على الطراز الإنجليزي، والآخر على الطراز الفرنسي، وتضم حديقة للحيوانات، ومدرسة تعليم زراعة الحدائق والجنائن، ومركزاً مخصصاً للاختبارات ومطاعم في الهواء الطلق، وبها صُور أول فيلم لشخصية طرزان الشهيرة.
ولادة طرزان
يعتبر النقاد شخصية طرزان من بين أشهر الشخصيات الخيالية التي أُلّف عنها الكثير من القصص وأُنتج عنها عشرات الأفلام والكارتونات قبل أن تتحوّل إلى مادة مضمونة للدعاية والإعلان.
قد لا يصدق الكثير من الجزائريين أو العرب أن هذه الشخصية الخيالية العالمية الشهيرة وُلدت أول مرة في حديقتهم التي تتوسط العاصمة، بحيث تم تصوير مشاهد كثيرة من الفيلم العالمي "طرزان" لأول مرة عام 1938 في حديقة التجارب، ونال الفيلم وقتها إعجاب ملايين المشاهدين وحصد شهرة كبيرة، وأشاد العديد من صُناع السينما بروعة مكان التصوير.
وكانت شجرة "فيكوس" الضخمة التي تنمو فيها الحبال النباتية ويستعملها طرزان للانتقال من غصن إلى آخر هي المكان الأبرز للتصوير.
ويبلغ عمر شجرة "فيكوس" قرابة 170 سنة، وتعدّ اليوم من أبرز معالم الحديقة وأكثرها إثارة لفضول الزائرين ويطلق عليها شجرة طرزان.
وقال مدير المركز الجزائري للسينما (تابع لوزارة الثقافة) إن فيلم "طرزان الرجل القرد" تم تصوير مشاهده الخارجية في الجزائر، بينما صورت المشاهد الداخلية في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.
وأضاف أقار في تصريح لـ"عربي بوست" أن فريق التصوير كان بريطانياً بينما مثّل دور طرزان الممثل جون ويست ميلار الذي تم اختياره رغم أنه كان ممثلاً كوميدياً، وذلك بسبب بنيته الجسدية المشابهة لشخصية طرزان.
وعن سبب اختيار حديقة التجارب لتصوير فيلم طرزان، قال أقار إن ذلك راجع إلى نوعية الأشجار الموجودة بها، فضلاً عن توفر كل شيء في الجزائر وقتها باعتبار أنها كانت وجهة أوربية إبان الاحتلال الفرنسي.
وكشف مدير المركز الجزائري للسينما أن جون ويس ميلار عاد وزار الجزائر في سنوات السبعينات وهي مستقلة بعدما مثّل فيها دور طرزان وهي تحت الاستعمار الفرنسي.
وأفاد المتحدث نفسه بأن "التلفزيون الفرنسي كان من بين أوائل الشاشات التي بثت الفيلم بعد إنتاجه بسنوات طويلة".
طقس الحديقة
تتميّز حديقة التجارب عن غيرها من الحدائق في الجزائر والعالم بأنها تتشكّل من أنواع كثيرة من الأشجار مختلفة البيئة والنوع واللون.
هذا الاختلاف تكوّن بفعل تجريب الفرنسيين للنباتات والأشجار التي كانوا يأتون بها من مختلف مستعمراتهم قبل نقلها لبلادهم التي لها نفس مناخ الجزائر المتوسطي.
اختلاف النباتات والأشجار في الحديقة نتج عنه مناخ فريد من نوعه يختلف عن مناخ العاصمة، حيث تتراوح درجة حرارة الجزائر العاصمة ما بين 6 درجات شتاء و38 درجة صيفاً، بينما لا تنخفض درجة الحرارة في الحديقة عن 15 درجة شتاء، ولا تزيد على 25 درجة صيفاً.
متحف النباتات
تعدّ حديقة التجارب متحفاً طبيعياً ليس كمثله نظير في العالم، إذ يوجد بها أشجار يصل عمرها إلى 170 سنة ولا تزال سامقة تلفحها شمس المتوسط وتراقصها رياح جبل مقام الشهيد.
وعمل مهندسو الحديقة على جلب كل ما هو نادر من النباتات والأشجار في العالم وقد نجحوا فعلاً، ففي حديقة التجارب يمكنك رؤية شجرة واشنطونيا التي يبلغ ارتفاعها 30 متراً، وتعود إلى 100 سنة تقريباً.
أيضاً يمكن لزائر الحديقة أن يتمتع بأشجار النخيل من نوع البلميط وأشجار البيلسان العريقة التي قد ترتفع 35 متراً، إضافة إلى شجرة الكافور ونبات الخيزران، فضلاً عن شجرة الجنكة، وهي أحد أنواع الأشجار التي تحملت التقلبات المناخية القاسية لعدة قرون.