بسبب جائحة كورونا التي تجتاح العالم منذ أكثر من عام، تغيرت العادات المحببة لكثير من الناس خصوصاً في شهر رمضان، مثل التجمعات والصلوات وغيرها. لكن على الجانب الآخر، تراجعت أيضاً "عادات مذمومة" في المغرب.
هناك عادات معينة يقوم بها المغاربة حتى قبل مجيء الشهر الكريم، وهي عادات تعرضهم لانتقادات، لأنها تتعلق بالإسراف في اقتناء الطعام رغم عدم استهلاكه بالكامل.
لا داعي للتخزين والتجميد
بالنسبة لإيمان، وهي ربة بيت وأم لطفلين، فلا شيء يستدعي اقتناء السلع والمواد الغذائية بكثرة وتخزينها كما اعتادت. فالأسواق بالمغرب لطالما كان تموينها يتم بشكل منتظم بمختلف المنتوجات الغذائية التي تلبي حاجيات المواطنين بشكل كبير.
"لا أفهم لم قد ألجأ لاقتناء كميات كبيرة من الحليب والسكر والتوابل والخضر والفواكه، فقط لأننا في شهر الصيام، مع العلم أن الأسواق المغربية يتم تزويدها بشكل يومي بكافة أنواع هذه المنتوجات، خاصة أنها تعيش وضعية مستقرة"، على حسب قول المواطنة المغربية.
خلال السنوات المنصرمة، كانت جُل الأسر المغربية تعمد إلى تخزين كميات أكبر من المواد الغذائية خلال شهر رمضان، بل إن من المغربيات من تقوم بإعداد مسبق لكميات من الوجبات والأطباق كالمُقبِّلات والمملحات والمخبوزات المغربية على أنواعها (رغايف ومسمن وحرشة) ووضعها في المجمد والثلاجة.
كما تعمل بعضهن على تجميد العصائر على أنواعها، بل حتى الحريرة المغربية التي تعتبر أحد أهم الأطباق اللازم تواجدها على مائدة الإفطار الرمضانية.
تراجع الطلب في الأسواق
بالانتقال إلى الأسواق الشعبية في المغرب، انعكس هذا التفكير بوضوح على حركة البيع والشراء. إذ لا يبدو السّوق مُكتظَّاً كسابق عهده، قبل أول يوم من شهر رمضان الفضيل، حين كانت المغربيات يقِفن لوقت طويل في انتظار دورهن لاقتناء مكوِّنات "سلُّو"، وهو إحدى أشهر الحلويات المغربية التي يتم إعدادها استعداداً لرمضان، من جوز ولوز وفول سوداني وسمسم وحبة حلاوة (الشّمر) وعسل وزبدة وغيرها.
يُناوِل عبدالرحمن، وهو صاحب محل بقالة بحي الانبعاث الشعبي بدينة سلا (القريبة من الرباط)، كيلوغراماً من السمسم لإحدى زبوناته التي طالبته بكميات أخرى من المواد الغذائية، قبل أن يقول لـ"عربي بوست": "لا يمكن المقارنة بالأعوام التي سبقت الحجر الصحي المنزلي السنة المنصرمة، شتَّان بين الوضعين".
وإن كان التاجر يؤكد أن اقتناء السلع والمواد الغذائية يعرف انتعاشة بالمقارنة مع رمضان المنصرم، إلا أنه يبقى أقل مما اعتاد عليه السنوات السابقة قبل اجتياح كوفيد-19 للمغرب والعالم.
"قبل رمضان وخلاله، كنت أزيد من عدد المُشتغِلين داخل محل البقالة، حتى أتمكن من تلبية طلبات الزبائن وتسريع عملية البيع والتخفيف من الاكتظاظ الحاصل، هذه السنة الأمور أقل من المعتاد"، يقول عبد الرحمن، وهو يدعو الله أن يرفع هذا الوباء.
تسببت جائحة كورونا وتداعياتها على سوق العمل في المغرب في جعل المغاربة خاصة المشتغِلين منهم في القطاع غير المهيكل والأعمال الحرة والمستخدمين بالمصانع وبقطاع السياحة، يعانون الأمَرَّين، ما قلَّص الأجور وأدخل أرباب أسر في دوامة البطالة.
وكشف تقرير رسمي صدر حديثاً في المغرب أن ارتفاع معدل البطالة خلال العام الماضي شمل جميع الفئات العُمرية، خاصة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، منتقلاً من 24.9% إلى 31.2%.
وقدّرت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية خاصة بالإحصاء) ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل بـ322 ألف مغربي ومغربية ما بين 2019 و2020، منتقلاً من مليون و107 آلاف عاطل إلى مليون و429 ألف عاطل، ما يعادل زيادة بنسبة 29%.
ثلث الأغذية يذهب إلى القمامة
بالنسبة لبوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، فإن النصيحة التي وجهها للمواطنين المغاربة تمثلت في عدم شراء كميات كبيرة من الطعام والمواد الغذائية ورميها لاحقاً في القمامة، لافتاً إلى أهمية اقتناء مواد طازجة للاستفادة أكثر من قيمتها الغذائية، ومن البروتينات والفيتامينات.
ودعا الخراطي، خلال حديثه لـ "عربي بوست"، إلى التقليص من العادات والتقاليد السيئة والتي تسبب للمستهلك أضراراً صحية واقتصادية"، لافتاً إلى أن التهافت على المواد الغذائية يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، في حين أن ثلث الأغذية يكون مآلها هو القمامة، بمعنى أن ثلث ميزانية المغاربة يذهب هباء.
ولعلَّ اللحوم الحمراء والبيضاء هي أكثر المنتجات التي كان المغاربة يعملون على اقتنائها بكميات كبيرة وتخزينها بالمجمد، والتي تدخل في إعداد الطاجين المغربي وعدد من الأطباق الأخرى، إلا أن عدداً من أصحاب الجزارات أكدوا لـ"عربي بوست" أن حركة البيع منخفضة ولا ترقى إلى ما كانت عليه في السنوات السابقة، خاصة قبيل شهر رمضان.
يقول أحد الجزارين بسوق سعيد حجي بمدينة سلا: "الحركة بطيئة، وأغلب زبائننا لا يقتنون اللحوم بكميات كبيرة، قبل أسبوع من حلول الشهر الكريم وخلاله، كنا نشتغل ونبيع ضعف الكميات، الإقبال يكون مكثفاً والطلب مرتفع رغم استقرار الأسعار".
وسبق للجامعة المغربية لحقوق المستهلك أن أطلقت، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان، حملة وطنية تحت شعار "حسن تدبير المواد الغذائية مسؤولية الجميع".
وأوضح الخراطي لـ"عربي بوست" أن المبادرة تأتي لحث المستهلك على حماية حقوقه الاقتصادية والوقاية من الأمراض الناجمة عن الإفراط في التبذير، مما يؤثر على قدرته الاستهلاكية، وبالتالي على الاقتصاد الوطني.
وأشارت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك إلى أن شهر رمضان يعرف "الذروة في التبذير برمي الثلث من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك، والتي تصل قيمتها المالية لـ500 درهم (50 دولاراً) شهرياً لـ41.1% من الأسر المغربية".