"القلب موجوع ومجروح من الحياة الصعبة علينا كتير"، بهذه الكلمات حاولت أمُّ محمود التي تسكن في العاصمة اللبنانية بيروت أنّ تلخّص وضعها، بعد ازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، التي أوصلت عائلات عديدة، كعائلة أمّ محمود، إلى أوضاع قاسية.
يعاني لبنان منذ أكثر من عام أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت الى تراجع قياسي في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، وانهيار القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وزيادة معدلات الفقر.
إثر الأزمة الاقتصادية والارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار أصبح الغلاء في أسعار المواد الغذائية أمراً مفروغاً منه، بحجّة أنّ البضاعة تستورد بسعر صرف السوق السوداء -أي أنّ كل دولار واحد يساوي 12 ألف ليرة لبنانيّة ويمكن أكثر- حتى إنّه صار جزءاً من حياة اللبنانيين يحاولون التأقلم معه.
ومع بداية شهر رمضان المبارك يستقبله اللبنانيون بطريقة مختلفة عن الأعوام الماضية، إذ سيتخلّون مجبرين لا فرحين عن بعض الأساسيات في السفرة الرمضانية، لأنّ قدرتهم الشرائية لم تعد تسمح بذلك، بعد أن كانت السفرة الرمضانية في لبنان مضرباً للمثل في المنطقة العربية، اللحوم والفتوش والدجاج والتبولة أطباق رئيسية أصبحت رفاهية اليوم على موائد اللبنانيين.
"الفتوش"، وهو الطبق الرئيسي على مائدة إفطار المسلمين في لبنان خلال رمضان، زادت أيضاً تكلفة تحضيره بنحو 210% عن العام الماضي، ما ينذر بحرمان كثير من العائلات من هذا الطبق.
و"الفتوش" ذو فائدة صحية، وهو يتألف من 14 مكوناً هي: البندورة والحامض والثوم والبقدونس والنعنع والبقلة والفجل والبصل والخيار والخس، بالإضافة إلى زيت الزيتون والسماق والملح والخبز المقلي.
وبحسب دراسة أعدها "مرصد الأزمة" لدى الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن كلفة تحضير "الفتوش" لعائلة من 5 أشخاص هذا العام ستكون حوالي 18,500 ليرة مقارنة بـ6,000 ليرة عام 2020 ونحو 4,500 ليرة في 2019.
رمضان دون لحمة ودجاج، والفتّوش أصبح من الكماليات
داخل حيّ صغير في منطقة صبرا، بالعاصمة اللبنانية بيروت، تقطن أم محمود مع زوجها وأولادها الثلاثة في منزل عبارة عن غرفتين فقط. تشير أمّ محمود أنّ هذا العام اختلف عليها رمضان بشكل كامل، إذ تقول إنّها لن تستطيع أن تضع على مائدة الإفطار ما كانت تضعه سابقاً.
بحزن تقول لـ"عربي بوست" إنّها عندما تريد أن تذهب للسوق من أجل التبضّع تصبح في حيرة من أمرها، لأنّ "كل شيء غالٍ جدّاً، فحتّى الخبز الذي كان يشترى بثمن قليل أصبح عبئاً على الفقراء" وتتابع أمُّ محمود: "أحتاج إلى ثلاث ربطات خبز يوميّاً ولديّ ثلاثة أولاد، كيف سيكفي ذلك؟"
وفيما يخصّ الوجبة الأساسية التي لا تخلو من اللحمة أو الدّجاج، تؤكّد أمّ محمود على أنّ مائدتها ستكون خالية منهما، لأنها لن تستطيع أن تشتريهما حتى وإن كانت الكميّة قليلة.
الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، فإن سعر الزيت أيضاً أصبح حوالي 100 ألف ليرة لبنانية!
من بيروت نحو عاصمة الشمال طرابلس، وهي من أكثر المدن التي تعاني في لبنان وعلى الساحل المتوسّط، فأتت الأزمة لتعزّز من معاناتهم.
محمّد السعيد، أحد سكّان منطقة القبّة الطرابلسية، ويبلغ من العمر 24 عاماً، متزوّج ولديه ولدٌ واحد، سبق أن عمل محمّد حلاقاً، ولكنّه بات عاطلاً عن العمل منذ ستّة أشهر، لأنّه لم يعد قادراً على تسديد إيجار محلّه، واليوم يسكن في شقّة مع أهله.
وعن الأجواء الرمضانيّة يقول محمّد علي إنّها اختلفت كثيراً، حيث يستذكر السنوات الماضية التي كان يصطحب فيها زوجته إلى السّوق قبل يومٍ واحد من رمضان لتأمين اللوازم الرمضانية من أكل ومشروبات وتمر وما شابه.
مقارنة بالعام الماضي ازداد المصروف بحوالي 7 أضعاف هذا العام، يضيف محمّد عن المأساة التي حلّت عليه وعلى اللبنانيين: "كان حلم اللبناني أن يشتري بيتاً، اليوم أصبح حلمه أن يشتري زيتاً" ويعبّر عن غضبه ووجعه في حال لم يستطع أن يؤمّن متطلبات ابنه، إذ قال إنّه يفضّل أنّ يستغني عن وجبة طعام خلال رمضان، المهم أنّ يؤمّن حليب ابنه.
الحلويات اللبنانية.. حلم الصائمين
يتحدث عبدالرحمن القادري، وهو من محافظة البقاع -شرق لبنان- أنه لم يعد بإمكانه شراء أي نوع من الحلويات، بعد أن كانت الحلويات اللبنانية حديث كل الزائرين الذين يقصدون زيارة لبنان في رمضان لتذوق حلوياته.
فكيلو الكنافة اللبنانية بات 70 ألف ليرة لبنانية، فيما كان ثمن الكيلو قبيل الأزمة 18 ألف ليرة، بغصة كبيرة يقول عبدالرحمن لـ"عربي بوست"، إن طفله الصغير يسأله قبل رمضان بأسبوع عن الحلويات وهو لا يستطيع الإجابة سوى بالوعود، ويقول الرجل إن زوجته حاولت صناعة حلويات منزلية، لكن التكلفة متشابهة للمواد الخاصة بالحلويات الجاهزة "لقد باتت الحلويات حلم الصائمين".
بائع للخضراوات، رجل في الـعقد السابع من العمر، يملأ الكيس ببضع حبّات من الخضراوات تحضيراً للإفطار، وفي دردشة مع "عربي بوست"، أوضح الحاج أنّه أصبح يشتري الخضراوات "بالحبّة" بعدما كان يشتريها بالكيلو، مشيراً إلى أنّ سلطة الفتّوش ستؤكل مرتين في الأسبوع أو ثلاثة كحدٍّ أقصى، بسبب أسعار الخضراوات الغالية، فكيلو الحامض يساوي 7 آلاف ليرة، أمّا الملفوف فقد يصل سعره إلى 6 آلاف ليرة في بيروت.
الإفطار سيكلّف أكثر من الحد الأدنى للأجور
في التفاصيل، كلفة وجبة الإفطار مكوّنة من "حبّة تمر، حساء العدس، سلطة الفتّوش، ووجبة أرز مع دجاج ونصف كوب من لبن البقر". وكان مرصد الأزمة قد أقام دراسة قبل أيّام من بدء شهر رمضان عن سعر سلطة الفتّوش، الذي سيكلّف اللبنانيين حوالي 18 ألف ليرة لبنانية، أي ما يقارب 550 ألف ليرة لبنانية في الشهر، في حين كان عام 2019 يكلّف 4500 ليرة لبنانيّة يوميّاً.
المبادرات الشبابية: الأمل المتبقّي
وفي ظل الأزمات المتراكمة والصعوبات مع حلول شهر رمضان، كان لا بدّ من إيجاد مبادرات شبابيّة من أجّل التكاتف ومساعدة العائلات المحتاجة، إحدى هذه المبادرات في طرابلس اسمها "حجر وبشر"، تقوم على توزيع الوجبات الغذائية طوال شهر رمضان المبارك، حيث يوزّعون لأكثر من 4000 عائلة ضمن شمال لبنان.
أمّا في بيروت، فهناك مبادرة Iftar in a box -أي إفطار في صندوق- وبدلاً من توزيع وجبة يوميّاً، يتمّ توزيع مؤنة كاملة متكاملة من سحور وإفطار، بالإضافة إلى الحلوى، ولقد تخطوا الـ20 ألف عائلة بعدما كان هدفهم الأوّلي 100 عائلة فقط.
وبالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية وجائحة كورونا، شكل انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020، ضربة إضافية للبنانيين، حيث أسفر عن مصرع نحو 200 شخص، وإصابة 6 آلاف آخرين، فضلاً عن دمار مادي هائل.
ووسط كل تلك المعاناة، لا تزال الخلافات السياسية تحول دون تشكيل حكومة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد 6 أيام من الانفجار، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.