تحيطنا المرايات من كل اتجاه، فهناك واحدة في كل غرفة من غرف المنزل والحمامات والممرات، وفي السيارات والمحلات التجارية والمقاهي والأماكن العامة العامة المختلفة.
ورغم أننا نستخدمها يومياً فإن معرفتنا بهذه الأداة قد يشوبها بعض الاختلاط.
وتنتشر الخرافات الغامضة حول المرايا بشكل متكرر، بداية من ربط كسرها بسوء الطالع، أو بقدرتها على إصابتنا بالجنون إذا ما بالغنا في التحديق فيها، ووصولاً إلى الاعتقاد بأن أرواح الموتى قد تعلق فيها إذا ما واجهوا مرآةً مكشوفة بالخطأ عند لحظة الموت.
بعض الخرافات الشائعة عنها يتضح أنها صحيحة بالفعل في ظروف معينة، لكن البعض الآخر منها لا يدل سوى على خيال الإنسان الخصب في ابتكار القصص المخيفة.
لعنة كسر المرايا وسوء الطالع لـ7 سنوات
قد لا تتوقف كثيراً إذا ما قمت عن طريق الخطأ بكسر إحدى المرايا في منزلك، ومع ذلك يعتقد البعض في خرافة تقول إن كسر المرآة قد يجلب على الشخص الحظ السيئ والمصائب لمدة 7 سنوات.
وتعود الخرافة إلى الاعتقاد قديماً أن الانعكاس ليس مجرد صورة الإنسان الخارجية فحسب، بل هو انعكاس للروح أيضاً. وبحسب BBC، ترجع أصول تلك الاعتقادات على الأرجح إلى أساطير الإغريق القدماء، الذين اعتقدوا أن الأرواح تعيش في برك المياه المُنعكسة، وأن الأرواح تستغرق 7 سنوات كاملة لكي تُجدد، وبالتالي تعلق الروح غير المتجددة في المرايا المكسورة.
وبحسب موقع Encyclopedia Britannica، كان مصير الشخصية الأسطورية اليونانية "نركيسوس" أو "نرجسي" عاملاً آخر وراء خرافة سوء الطالع عند كسر المرآة؛ وذلك لأنه عندما وقع نرجسي في حب نفسه عند رؤية انعكاس صورته على المياه كان ذلك سبب هلاكه، بعدما ظل عاكفاً على التحديق في نفسه وافتُتن بها إلى أن سقط في الماء وغرق.
أرواح الموتى قد تعلق في المرآة
تقول BBC إنه في العصور الفيكتورية بالقرن الـ19 ميلادياً، عندما كان يتم تجهيز الموتى قبل بدء مراسم الجنازات، كان أهل المتوفَّى يحرصون على تغطية جميع المرايا في المنزل، لحماية روحه من أن تعلق وتُحبس في المرآة، وبالتالي لا يحظى بالسلام أبداً.
وتُعرف هذه الخرافة في دول مختلفة حول العالم، بداية من إنجلترا واسكتلندا وأمريكا والصين ومدغشقر وشبه جزيرة القرم وبومباي.
وهي العادة التي لا تزال قائمة في فترات الحداد اليهودية "شيفا"، التي تستمر 7 أيام، تبدأ من بعد دفن المُتوفَّى، لكنها تتم لديهم من مُنطلق المساعدة على التفكُّر في الموت واحترام الحزن وعدم الانشغال بالنَّفس.
المرايا تقول الحقيقة!
يسود في بعض الثقافات حول العالم الاعتقاد بأن المرايا تستوعب وتخزّن ما تعكسه، وتقوم باستخدامه لاحقاً. ويُرجح وفقاً لـBBC أن يكون هذا المُعتقد هو الأساس وراء ابتكار مرآة الملكة في رواية بياض الثلج، أو Snow White المعروفة، وهي المرآة السحرية التي كانت تستخدمها الملكة لمعرفة من هي أجمل فتاة في المملكة.
وبحسب موقع The Black Pool، يُعتقد أن شخصية بياض الثلج الحقيقية هي لبارونة بافارية في القرن الـ16، تُدعى مارغريت فون فالديك، تزوج والدها للمرة الثانية وقامت زوجة أبيها بتسميمها بعد أن شعرت بالغيرة منها. وفضّلت زوجة الأب الجديدة أطفالها من زواجها الأول عن الفتاة البافارية، وكان لديها مرآة خاصة وصلتها كهدية لزواجها الجديد.
وفي الأسطورة المتداولة كانت تتم الإشارة إلى المرآة باسم "المرآة الناطقة"، وكان يُعتقد أنها "تتحدث في الحقيقة" عند سؤالها عن معلومات معينة.
وهي قصة أسطورية بالطبع، لكن المرآة التي حيكت حولها هذه القصة لا تزال موجودة إلى اليوم في متحف Spessart في قلعة Lohr بألمانيا.
التحديق في المرآة قد يصيبك بالجنون!
في خرافة أخرى عن المرايا، يعتقد البعض أن مواصلة النظر إلى الصورة المنعكسة للشخص في المرآة قد يعبث بسلامته العقلية ويصيبه بالجنون.
ويتضح وفقاً للأبحاث في علم النفس أن هذه الخرافة هي في الواقع حقيقة!
وفي تجربة أجريت عام 2014 بمجلة Scientific Journal، عن الأثر النفسي للتحديق المستمر في المرآة، تم مراقبة عدد من الأشخاص الذين تم وضع المرايا أمام كل منهم وجلسوا في غرفة مظلمة. وطُلب من المشاركين التحديق في انعكاساتهم لمدة 10 دقائق على الأقل. وبالفعل بدأ الأشخاص في رؤية الهلاوس البصرية بعد انقضاء المدة المحددة.
وفي نتائج البحث اتضح أن هذه الهلاوس تحدث بسبب التشوهات البسيطة التي نبدأ في رؤيتها بانعكاسات صورتنا، وتتطور بصورة أكبر في الضوء الخافت، ما قد يهدد السلامة العقلية للشخص عند التكرار.
المرايا قد تحبس الأشياء بداخلها
في حقيقة علمية أقرب من الخرافة، يتضح أنه بإمكان المرايا أن تعكس المادة تماماً مثلما تستطيع عكس الضوء؛ ويمكنها أيضاً حبس واحتجاز بعض المواد في داخلها.
ويُعرف هذا النوع من المرايا باسم المرايا الذرية، ويتم استخدامها في المجالات الكهرومغناطيسية لعكس الذرات المحايدة. كما يستخدمونها أيضاً لاحتجاز الذرات البطيئة، أو لتركيز الشعاع الذري، وفقاً لموقع Science 20 العلمي.
الحقيقة العلمية الأخرى عن المرايا هي قدرتها على عكس الصوت أيضاً؛ إذ توصّل علماء في الفيزياء إلى صناعة نوع من المرايا قادر على عكس الموجات الصوتية يُعرف باسم "المرايا الصوتية" أو Acoustic mirror.
ووفقاً لمجلة Science العلمية، تم تطوير هذه الأداة قبل تطوير الرادار الذي نعرفه اليوم، وجرى استخدام المرايا الصوتية في الحرب العالمية الثانية لاكتشاف أصوات الأجسام القادمة من بعيد، مثل طائرات العدو.
هناك شيء يتحرك
أما عن خرافة قدرة المرايا على حبس الأشخاص بداخلها، والتي يتم البرهنة على صحّتها من خلال روايات البعض عن رؤيتهم لأشياء تتحرك بالفعل في المرآة، فهي تعود ببساطة إلى حالة عقلية تُدعى تأثير Caputo أو "ماري المرعبة"، وهو تأثير نفسي يقودنا لتعويض مع الحرمان الحسي بتخيُّل الأشياء غير الموجودة في الواقع.
وفي تجربة أجراها علماء نفس عام 2010 بعنوان "وهم الوجه الغريب في المرآة"، تم وضع عدد من الأشخاص بالقرب من مرآة في غرفة مظلمة لعدة دقائق، ولاحظو أنهم بدأوا بالاعتقاد أنهم يرون أشياء مختلفة تتحرك، بينما كانوا في الواقع يرون انعكاسهم فحسب، ويقوم عقلهم بتحفيز الخيال لإضافة بعض العناصر الإضافية، وذلك لا إرادياً من المُخ لتعويض التفاصيل غير الواضحة في الظلام.
لذلك من الأفضل في المرة المُقبلة التي تنقطع فيها الكهرباء، ألا تنظر في المرآة لتجنّب العناء.