يظن الجميع أن الجليد يتشكل عندما تصبح درجة حرارة المياه صفراً مئوية، ولكن هذا الرقم ليس صحيحاً دائماً. وفي الواقع، هذا الرقم هو ما تسبب في تحطم العديد من الطائرات!
تُشكل نقطة التجمد لحظة انتقال الماء السائل إلى الحالة الصلبة. من الناحية النظرية، فإن الصفر هو الدرجة المتعارف عليها لبداية تجمد المياه. ولكن هل تعلم أنه يمكن تخزين المياه بشكلها السائل في درجات شديدة البرودة قد تصل إلى 47 تحت الصفر مئوية؟
كيف يمكن أن يظل الماء سائلاً في درجة حرارة أقل من الصفر؟
الجواب هو أن الماء يحتاج إلى بلورة ذرية أو جسيمات صغيرة أخرى (نواة) لتشكيل بلورات الجليد، أي بكلام آخر يحتاج إلى مساعدة لتشكيل الجزيئات المتجمدة الأولى في طريقة محاذية صحيحة لبداية التجمد الكلي.
في حين أن الغبار أو الشوائب عادةً ما توفر هذه النواة، فإن الماء النقي جداً لن يتبلور حتى يقترب هيكل جزيئات الماء السائل من أي جسم آخر. تؤمّن هذه الأجسام سطحاً لتشكل ذرات الجليد.
درجة حرارة تجمد المياه الحقيقية
لذا فإن الدراسات كشفت أن الماء فائق البرودة يصبح جليداً عند درجة حرارة سالب 48 مئوية، ليس فقط بسبب البرودة الشديدة، ولكن لأن التركيب الجزيئي للماء يتغير فيزيائياً لتشكيل جزيئات رباعية السطح، تبدأ الالتصاق بالجزيئات الأخرى فيتشكل الجليد.
ولأن المياه العادية أو مياه الشرب مليئة بالشوائب، فهي تتجلد سريعاً وبسهولة على درجة حرارة صفر، لكن للمياه النقية حسابات أخرى.
وفقاً لدراسة أجرتها الكيميائيتان فاليريا مولينيرو وإميلي مور، فإن جليد الماء يحتوي على 16 شكلاً بلورياً مختلفاً تلتصق من خلالها جزيئات الماء معاً بروابط هيدروجينية.
وقالت مولينيرو إن "ما يجعل الماء غريباً للغاية هو الطريقة التي يتصرف بها، إذ تختلف تماماً عن السوائل الأخرى. على سبيل المثال، يطفو الجليد على الماء بينما تغرق معظم المواد الصلبة في أشكالها السائلة لأنها أكثر كثافة من السوائل".
كما أن المياه المُغلاة تتجلد أسرع من المياه العادية، وتتميز جزيئات المياه بأنها تجذب بعضها ولو حتى صعوداً وتتحدى بذلك قانون الجاذبية، وهو ما يشابه وقد يفسر وصول الدم والمغذيات صعوداً عكس الجاذبية نحو الدماغ، وهو الأمر نفسه الذي يسمح للنباتات بامتصاص المياه من تحت سطح الأرض صعوداً نحو الأوراق والبتلات عبر العروق!
الظاهرة موجودة في الطبيعة وليس المختبرات
هذه الظاهرة الخارقة للمياه، لا توجد فقط في المختبرات، بل هي موجودة في الطبيعة، إذ تم تقصي وجود مياه سائلة بدرجة حرارة 40 تحت الصفر في الغيوم.
وهذه القدرة على البقاء في الحالة السائلة في ظل درجات حرارة شديدة البرودة هو ما يفسر ظواهر السحاب المحملة بالمياه.
السبب أن السحب محملة بالمياه النقية، ولا يوجد على ارتفاعها ذرات تطلق تكونها الجليدي، فإنها تبقى محملة بحالتها السائلة.
وبينما نتأمل في شكل الغيوم الجميل، فإنها تصبح خطراً قاتلاً على الطائرات المحلقة، إذ إنه بمجرد اختراق هذه الغيوم وتلاصق جسم خارجي بالمياه النقي الشديد البرودة، يبدأ تشكل الجليد فوراً.
يغير الجليد المتجمع على جانبي ومقدمة الطائرة مجرى الهواء، ويزيد من حمل الطائرة ما يؤدي إلى انخفاض ارتفاعها وانخفاض السيطرة عليها وبالتالي تحطمها.
لكن لا تقلق، فإن غالبية الطائرات الحديثة تعتمد أنظمة تكافح ظاهرة الجليد هذه، وأحياناً يتم رش الهيكل الخارجي بمواد مضادة لتشكل الجليد قبل التحليق، خصوصاً في دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
سر اهتمام العلماء بتفسير هذا اللغز
هناك العديد من الأسباب التي تجعل تفسير هذا الأمر مهماً للعلماء، وليس فقط لفهم سلوك المياه الكيميائي والفيزيائي الغريب، بحسب الجمعية الملكية للكيمياء RSOC.
أولاً: من المهم دراسة تكوّن السحب، لا سيما بالنسبة لغيوم الطور المختلط، أي السحب التي تتكون من مزيج من قطرات الماء وبلورات الجليد. يمكن أن تتشكل هذه الأنواع من السحب في درجات حرارة تتراوح بين 0 و-40 درجة مئوية، وهي سائدة بشكل خاص في القطب الشمالي.
ثانياً: يحتوي الغلاف الجوي على كميات كبيرة من ملح البحر وكبريتات الأمونيوم، ويتحكم توازن هذين الأمرين فيما إذا كانت بلورات الجليد ستتشكل أم لا، وبالتالي كيف وأين تتشكل غيوم الطور المختلط.
سبب آخر هو أن نواة الجليد لها تأثير على حفظ الخلايا بالتبريد، وهي التقنية التي يتم فيها تجميد الخلايا للتخزين واستخدامها في تقنيات الطب التجديدي والطب التناسلي، والعديد من المجالات الأخرى التي يقتحمها الطب الحديث ويحتاج لفك شيفرة المياه.