هل توجهتم مسبقاً إلى أحد المطاعم الصينية وانتظرتم بفارغ الصبر أن تأتيكم الفاتورة مرفقة بـ"كعك الحظ" الصيني الشهير؟ بات كعك الحظ من أبرز ما يميز المطاعم الصينية حول العالم ويربطه كثيرون عموماً بالثقافة الصينية، بالرغم من أنه ليس ابتكاراً صينياً بالأساس.
تعرفوا معنا على قصة انتشار كعك الحظ وارتباطه الوثيق بالصين.
ما هو كعك الحظ؟
كعك الحظ هو عبارة عن كعك بطعم الفانيليا غالباً، ويتم تقديمه بعد الوجبة في أغلب المطاعم الصينية حول العالم، والسر وراء شعبية هذا الكعك أنه يحتوي في جوفه على ورقة صغيرة للغاية تخبرك بحظك لهذا اليوم، أو ربما تحتوي على مقولة حكيمة أو نصيحة مكتوبة بكلمات مختصرة وعميقة.
وفقاً لـ The New York Times، يتم إنتاج مليارات من كعك الحظ سنوياً حول العالم، وتستهلك بشكل أساسي في الولايات المتحدة، وقد عزا الفائزون بجائزة اليانصيب في البرازيل عام 2004 إلى كعكات الحظ التي وزعتها سلسلة مطاعم صينية تسمى تشينا تاون.
لكن هناك مكان وحيد لا تعتبر فيه كعكات الحظ ذات شعبية كبيرة، وهو: الصين.. فما سر ذلك؟
من كيوتو إلى كاليفورنيا
يرجح كثيرون أن كعكات الحظ ليس صينية الأصل إنما هي يابانية في الحقيقة.
منذ سبعينيات القرن التاسع عشر كانت بعض متاجر الحلويات بالقرب من مدينة كيوتو اليابانية تصنع كعكاً بهذا الشكل المطوي وتضع بداخله ورقة طالع، بدلاً من ترك تجويفها فارغاً.
وكان يطلق على هذا الكعك اسم "tsujiura senbei" أو "كعك الحظ"، وفقاً لجنيفر لي، مؤلفة كتاب The Fortune Cookie Chronicles: Adventures in the World of Chinese Food، الذي يروي تاريخ هذا الكعك.
وكتبت جنيفر أن الكعك الياباني كان أكبر حجماً وأغمق لوناً، وكان يُصنع من السمسم والميسو وليس الفانيليا والزبدة المستخدمين في الكعكات التي تقدمها المطاعم الصينية الحديثة في أمريكا.
ونقلت جنيفير عن الباحثة اليابانية ياسوكو ناكاماتشي قولها إنها عثرت على هذه الكعكات في مخبز عائلي يعود إلى أجيال مضت بالقرب من أحد مزارات الشنتو الشهيرة خارج كيوتو أواخر التسعينيات.
واكتشفت ياسوكو أيضاً كتباً قصصية تعود لعام 1878 وتحوي رسوماً توضيحية لمتدرب كان يعمل في متجر حلوى ويصنع كعك الحظ، إلى جانب أنواع أخرى من الحلوى.
تقول جنيفر إن كعك الحظ وصل إلى الولايات المتحدة على الأرجح مع المهاجرين اليابانيين الذين قدموا إلى هاواي وكاليفورنيا بين ثمانينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد أن تسبب قانون استبعاد الصينيين في طرد العمال الصينيين وزيادة الطلب على العمالة الرخيصة.
وأقام الخبازون اليابانيون متاجر في أماكن مثل لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو لتصنيع كعكات الحظ من الميسو والسمسم وأنواع أخرى من الحلوى.
وتشير إحدى أكثر القصص انتشاراً عن أصل كعكات الحظ الأمريكية إلى أن حديقة الشاي اليابانية في متنزه غولدن غيت في سان فرانسيسكو أول مطعم أمريكي معروف يقدم هذه الحلوى.
وكانت حديقة الشاي تحصل على كعكها من مخبز محلي يسمى Benkyodo، يزعم تفوقه في صناعته بنكهة الفانيليا والزبدة، واختراعه ماكينة حوالي عام 1911 لإنتاجها بكميات كبيرة.
لكن، وفقاً لجنيفر، زعمت العديد من المصادر الأخرى أيضاً أنها من اخترعت هذا الكعك في هذا الوقت نفسه تقريباً، منها ثلاث شركات يديرها مهاجرون في لوس أنجلوس: متجر حلويات Fugetsu-Do في ليتل طوكيو بالمدينة، وشركة الوجبات الخفيفة اليابانية Umeya وشركة Hong Kong Noodle.
اعتقالات اليابانيين تنقل كعك الحظ إلى المطعم الصيني
لكن كيف انتقلت كعكات الحظ من المخابز اليابانية إلى المطاعم الصينية؟ كان لتفضيلات الطعام الأمريكية دورٌ في هذا على الأرجح.
إذ لم يتمكن المهاجرون اليابانيون إلى الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين من فتح مطاعم يابانية، كما تقول جنيفر؛ لأن الأمريكيين لم يحبوا تناول الأسماك النيئة.
"لذلك لجأ كثير منهم إلى فتح مطاعم صينية لأنها كانت تمر بنهضة كبيرة نوعاً ما مع أطباق مثل الشوب سوي والتشو مين وبيض فو يونغ".
وتقول جنيفر إن انتظار الأمريكيين للحلوى في نهاية الوجبات قد يفسر سبب بدء العديد من هذه المطاعم في تقديم كعكات الحظ مع الفاتورة.
لكن كعكات الحظ، التي كان ينتجها الأمريكيون اليابانيون، انتهى بها المطاف في أيدي الشركات الأمريكية الصينية خلال الحرب العالمية الثانية.
فبعد قصف اليابانيين ميناء وقاعدة بيرل هاربر عام 1941 وإصدار الرئيس فرانكلين روزفلت الأمر التنفيذي رقم 9066 بنقل واحتجاز الأمريكيين اليابانيين، بدأت الشركات اليابانية الأمريكية في إغلاق أبوابها، وكذلك المخابز التي كانت تصنع كعكات الحظ.
ومنح ذلك رواد الأعمال الأمريكيين الصينيين فرصة لإنتاجها وبيعها.
وبعد أكثر من 100 عام، لا تزال كعكات الحظ مشروعات تجارية ضخمة. وكتبت جنيفر أن شركة Wonton Food في نيويورك، أكبر منتجي كعكات الحظ، تصنع أكثر من 4 ملايين منها يومياً، أي ما يقدر بنحو 3 مليارات كعكة سنوياً.
جدل كعك الحظ
وفقاً لما ورد في موقع History الأمريكي، بعد أن أصبحت كعكات الحظ عنصراً أساسياً في المطاعم الصينية، أصبحت أيضاً أحد مظاهر التصوير النمطي العرقي.
فرغم الجذور التاريخية لكعك الحظ في اليابان وتطوره ليصبح قصة نجاح تجارية أمريكية فريدة، أصبح رمزاً يختزل الثقافة الشعبية الصينية وتحط منها أحياناً مثل العيون الضيقة واللهجات الثقيلة والبراعة في الرياضيات.
تقول جنيفر إن اختزال الثقافة الصينية في أشياء مثل كعكات الحظ وصناديق الوجبات الجاهزة مضلل، والانتشار العالمي للثقافة الأمريكية يساعد في استمرار هذه الصور النمطية على مستوى العالم.
لكن ورغم التصورات الخاطئة عن أصول كعكات الحظ الحقيقية واستخدامها رمزاً للتراث الصيني بطريقة مهينة، لا يزال صداها يتردد بقوة في الثقافة الأمريكية.