بين الحين والآخر، تذكِّرنا الأرض بأنها قادرة على إطلاق كمّاً لا بأس به من الطاقة الغاضبة. وبالفعل اكتشف العلماء حداً جديداً في نشاط نوع من البرق يسمى "superbolts" أو الصواعق الشديدة التي تتألق حتى 1000 مرة، أكثر سطوعاً من ضربات البرق العادية.
ولاحظ العلماء أن ضربات البرق الساطعة هذه تحدث بشكل أكثر شيوعاً فوق البحار والمحيطات، علماً أن 90% من ضربات البرق تحصل فوق اليابسة، بحسب ما نشره موقع Science Alert.
تم اكتشاف هذه الضربات الشديدة، لأول مرة، من بيانات الأقمار الاصطناعية في السبعينيات، حيث تم وصفها بأنها إضاءة تفوق متوسط إضاءة البرق العادي بمئات المرات.
ومنذ ذلك الحين، ناقش علماء الغلاف الجوي ما يمكن اعتباره حقاً صاعقة شديدة أو "سوبر بولت"، لأن القياسات المأخوذة بواسطة أدوات مختلفة يمكن أن تختلف.
وقال العالم المتخصص بالغلاف الجوي مياكل بيترسون، لصحيفة Washington Post، في تصريحات سابقة، إن قياسات الأقمار الاصطناعية للصواعق تختلف عن أجهزة الكشف الأرضية، وأضاف: "عندما ترى وميضاً صاعقاً من الفضاء، سيبدو باهتاً جداً مما لو كنت ستراه من الأرض، لأن السحب تحجب بعض الضوء".
كما كان هناك تساؤل دائم حول ما إذا كانت هذه الصواعق فائقة الشحن تحدث بواسطة ظاهرة فريدة من نوعها، أم أنها مجرد ضرباتٍ أكبر وأكثر إشراقاً من البرق المعتاد.
الصواعق الشديدة والمياه المالحة
إلا أن عالم البحار مصطفى عصفور كان يدرس تأثير هذه الصواعق على كيمياء مياه البحر. لكنه اكتشف من خلال تجارب مخبرية، أن ومضات البرق فوق المياه المالحة أكثر إشراقاً من ومضات البرق فوق المياه الحلوة، وهو ما يعني أن للملح دوراً كبيراً في تفسير هذه الظاهرة.
وعصفور يعمل بمعهد روبين الأكاديمي في إسرائيل، وعندما أدرك مع زملائه لأول مرة، أن المياه المالحة تصدر شراراتٍ أكثر إشراقاً، ذهبوا إلى البحر الميت وجلبوا بعض الماء.
من المؤكد أن هذا الماء شديد الملوحة سيحفز شرارة فائقة السطوع.
بالفعل، أجرى عصفور التجربة عدة مرات باستخدام المياه العذبة والتربة وعينات من بحيرة طبرية (بالكاد مالحة) والبحر المتوسط (مالح) والبحر الميت (مالح جداً).
أظهرت النتائج التي نشرتها مجلة Smithsonian، بوضوحٍ، أنه كلما كان الماء أكثر ملوحة، كان الوميض أقوى.
كانت تصريفات الشحنات الكهربائية فوق مياه البحر الميت، وهي أكثر ملوحة بنحو 680 مرة من مياه الجليل، أكثر سطوعاً بنحو 40 مرة؛ أما الومضات فوق مياه بحيرة طبرية فكانت أكثر وميضاً بمقدار 1.5 مرة من سطح التربة الرطبة.
التفسير العلمي
فسَّر عصفور وفريق الباحثين الظاهرة على الشكل التالي:
في الماء، ينقسم الملح إلى أيونات موجبة وسالبة تساعد في توصيل الكهرباء.
عندما يضرب البرق، كلما زاد عدد الأيونات، زادت كفاءة استنزاف الشحنة الكهربائية من السحابة.
يتسبب هذا التفريغ السريع في ارتفاع تيار الذروة ووميض أكثر إنارةً.
بدوره، قال روبرت هولزورث، أستاذ علوم الأرض بجامعة واشنطن، والذي يدير شبكة World Wide Lightning Location Network، إن البحث يُعد "خطوة جيدة نحو إظهار أن المحيطات والبحار المالحة يمكن أن تكون مسؤولة عن الوميض القوي".
لكنه يضيف: "هناك فرق كبير بين تلك الدراسة المعملية الصغيرة والبرق الفعلي. هناك مجموعة كاملة من العمليات الديناميكية التي لم يتم تضمينها".
في عام 2020، أجرى هولزورث وزملاؤه مسحاً لملياري صاعقة تم تسجيلها بين عامي 2010 و2018 ورسموا 8000 نقطة عملاقة شديدة، معظمها ضرب المحيط.
تركزت أقوى الصواعق بشكل كبير في البحر الأبيض المتوسط، مع تقوس توزيعها بعد إسبانيا والمملكة المتحدة إلى آيسلندا والنرويج.
كما وجدوا بؤراً ساخنة أصغر شرق اليابان وقبالة طرف جنوب إفريقيا، وبشكل مفاجئ، فوق جبال الأنديز، الموقع الأرضي الوحيد لهذه الصواعق الشديدة.
بالنسبة لمثل هذه الظاهرة الشائعة، فإن البرق يحمل العديد من الألغاز التي لم يتم حلها حتى الآن، ولا يزال العلماء يحاولون معرفة ما إذا كانت تدابير طاقة الصواعق الشديدة تُظهر مقاييس السطوع نفسها التي توصَّل إليها عصفور.