الجندي المجهول.. هكذا يُساعدنا الورق في المعركة ضد فيروس كورونا

بينما يحمي الورق البشر في الوقت الحالي من العدوى الفيروسية، يبقى مادةً قيّمة في مستودع أسلحة البشرية ضد فيروس كورونا وغيره من الفيروسات

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/11/17 الساعة 21:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/17 الساعة 21:38 بتوقيت غرينتش
كان الورق محورياً في قصة جائحة كورونا منذ اليوم الأول/ istock

لم يكن التدوين فقط سبب استخدام الورق لأول مرة في الصين القديمة حيث تم اختراعه، إذ كانت هناك قبعات، وألواح، وأحزمة، وأحذية، وستائر، ومراتب، ونوافذ، وحتى دروع من الورق. فهل يمكن استخدام الورق في معركة البشرية ضد فيروس كورونا؟

نعود إلى بدايات استخدام الورق.

كانت إمبراطورية أسرة تانغ الجنوبية ترتدي الورق الذي كان قيل إنّه قادر على تحمّل الأسهم الثقيلة، وشكّلت "جيوشاً مُرعبة من الدروع البيضاء". وواصلت العديد من قبائل جنوب وجنوب غرب الصين في استخدام الملابس الواقية المصنوعة من ورق اللحاء حتى أواخر القرن الـ19.

إذاً يبدو أنه كان يستخدم إلى حد كبير كوسيلة للحماية. فكيف يتم توظيفه في العصر الحالي؟

تأثرت صناعة الورق على غرار العديد من الصناعات بجائحة كورونا. ففي إبريل/نيسان من العام 2020، توقّف إنتاج الورق بالكامل في عددٍ من مصانع الورق داخل أوروبا، كما من المتوقّع أن ينكمش سوق الورق من 896.6 مليار دولار في عام 2019 إلى 868.8 مليار دولار في عام 2020.

ولكن مرةً أخرى، من المرجح أن تكون قابلية الورق للتطويع مفيدةً في ظل الظروف الحالية. 

فمن المتوقع أن تسترد الصناعة عافيتها في عام 2021، على أن تُحقّق ارتفاعات جديدة تصل إلى 1,031 مليار دولار بحلول عام 2023. وإليكم كيف يُمكن أن يحدث ذلك.

استخدام الورق بداية في ورق التواليت

إذ كان الورق محورياً في قصة جائحة كورونا منذ اليوم الأول.

ففي مارس/آذار، واجه العالم أزمة النقص الكبير في ورق التواليت لعام 2020، بينما تدافع الناس لتخزين سلعة الحمام الأساسية. 

وحاولت عصابات الجريمة المنظمة- التي وصفتها وسائل الإعلام بـ"قطاع طرق ورق التواليت"- تنفيذ محاولات سرقة كبيرة للسيطرة على هذه السلعة التي باتت ذات قيمةٍ فجأة. 

وبدأت المحطات الإذاعية تمنح لفات ورق التواليت في صورة جوائز. ومع وصول الطلب إلى ذروته، عرض أحد التجار في أستراليا لفة ورق تواليت الواحدة بسعر 100 دولار على موقع eBay.

وفي الواقع، لم تكُن هناك ندرةٌ حقيقية- خاصةً لأنّ العديد من الدول مثل الولايات المتحدة مكتفيةٌ ذاتياً من هذا المنتج. ولم يتضح تحديداً سبب انتشار هذه الهستيريا الجماعية، ولكنّها بدأت في أستراليا مثلاً بعد الإعلان عن أول حالة وفاة مؤكدة بفيروس كورونا.

ولكن الذعر انحسر في النهاية، حين عوّضت إمدادات ورق التواليت الارتفاع المؤقت في الطلب.

وقد تعرّض العالم لهذه الأزمة من قبل. ففي الـ19 من ديسمبر/كانون الأول عام 1973، مازح المذيع التلفزيوني الأمريكي جوني كارسون جمهوره قائلاً: "أتعلمون؟ لديكم كل أنواع النقص هذه الأيام… ولكن هل سمعتم بأحدثها؟ لا أمزح. لقد شهدت نقصاً في الورق. هناك نقصٌ في ورق التواليت".

وبهذا بدأ اندفاعٌ جنوني لاصطياد آخر لفةٍ من ورق التواليت. 

استخدام الورق
، تحصل مؤسسات الرعاية الصحية على كميات مُذهلة من الورق المُخصّص للاستخدام الواح/ istock

المناديل الطبية والمعطرة

ولا يخفى على أحد أن سوق المناديل اليوم يعيش أوج ازدهاره. حيث إنّ الطلب على ورق التواليت، والمناديل، والمحارم الورقية ينمو منذ سنوات. 

وفي وقتٍ مُبكّر من الجائحة، تنبّأ مُحلّلٌ خبير بأنّ فيروس كورونا قد يفتح الباب أمام اتجاهٍ طويل الأمد من تكديس ورق التواليت، ما قد يزيد الكميات التي تُباع بنهاية المطاف.

إضافةً إلى ذلك، تتفرّع العديد من الشركات الآن لتدخل مجال المناديل الطبية. 

كما تُصنع أقنعة الوجه والملابس الجراحية عادةً من الورق، والعديد من الشركات انتقلت مؤقتاً من صناعة منتجات أخرى إلى صناعة الورق لتلبية الطلب على معدات الوقاية الشخصية. 

وحتى في الأوقات العادية، تحصل مؤسسات الرعاية الصحية على كميات مُذهلة من الورق المُخصّص للاستخدام الواحد- وداخل الولايات المتحدة، هذا يعني نحو 907 آلاف طن من نفايات الورق والكرتون سنوياً.

الاختبارات الطبية السريعة

ولكن هناك استخدامٌ طبي آخر مفاجئ أكثر للورق: الاختبارات السريعة. 

إذ تتمثّل إحدى الخصائص المميزة للمادة في تمتّعها بـ"الخاصية الشعرية"، مما يعني أنّ السائل الذي يلمس أول الورق ينتقل في النهاية إلى آخرها دون الحاجة لمساعدة. 

فمثلاً، تقوم إحدى التجارب المدرسية الشهيرة على غمس شرائط من المناشف الورقية في مياهٍ مُلوّنة، ومشاهدة الصبغة وهي تتحدى الجاذبية على ما يبدو لتتسلّق إلى الجزء العلوي من الورق.

وفي الاختبارات السريعة النموذجية، تُستخدم الخاصية الشعرية لنقل السوائل- مثل الدم- بطول الشريط الورقي الذي يحتوي على جزيئات تُسمى "المستضدات"، والتي ترتبط بالهدف لجعله مرئياً. فعلى سبيل المثال، قد ترتبط المستضدات بالجزيئات الفيروسية، وتمنحها توهجاً فلورياً أو تُولّد رقعة داكنة على شريط الاختبار.

ويُستخدم هذا النظام على نطاقٍ واسع في العديد من الاختبارات الروتينية، مثل: الكشف عن الحمل، والتهابات المسالك البولية، وفيروس نقص المناعة المكتسبة، والسموم في مياه الشرب. 

اختبارات كورونا السريعة والورق

وهناك بالفعل اختبارات سريعة تُجرى عبر استخدام الورق لمعرفة ما إذا كان الشخص قد طوّر أجساماً مضادة لفيروس كورونا، وهو الأمر الذي يُساعد العلماء على تتبّع تطور الجائحة.

ويأمل الساسة أن تُساعد هذه الاختبارات في إعادة الاقتصادات إلى وضعها الطبيعي. 

فداخل الولايات المتحدة، أقرّت إدارة الغذاء والدواء مؤخراً جهاز اختبار جديداً قائماً على الورق بحجم بطاقة الائتمان، ويعمل عن طريق رصد بروتينات بعينها على سطح فيروس كوفيد-19 نفسه، ويُوفّر النتائج في غضون 15 دقيقة فقط. 

وتُنفق الدولة نحو 760 مليون دولار على الاختبارات فقط، التي تتراوح دقتها بين 95% 

و100%، حال استخدامها في الأسبوع الأول من الإصابة بالعدوى.

وعلى نحوٍ مماثل، وضع رئيس الوزراء البريطاني خطة مسماة "عملية إطلاق القمر Operation Moonshot"- الهادفة لمعالجة ما يصل إلى 10 ملايين اختبار كوفيد يومياً مطلع عام 2021-، وتأتي بغرض اختبار كامل الشعب البريطاني مرةً كل أسبوع، ومنها الاختبارات السريعة القائمة على الورق. وحال نجاحها، فمن المتوقع أن يُؤدي الورق 

والمجال الواعد أكثر بالنسبة لهذه الصناعة هو استخدام الورق المضاد للميكروبات.

إذ قال مدير التسويق في شركة James Cropper لصناعة الورق ريتشارد بريسويل لموقع BBC: "لقد تكيّفنا من خلال التحلّي بالمرونة في خط إنتاجنا لمواكبة الطلب، وعن طريق تقديم منتجات جديدة تُلبّي الطلبات الناشئة". 

ومن هذه المنتجات منتجٌ يُدعى PaperGard -وهو ورقٌ يحتوي على أيونات فضة مضادة للميكروبات، ويُمكنها الارتباط بالخلايا والمواد الجينية من أجل منع البكتيريا والفيروسات من صنع نسخ جديدة من نفسها.

وفي السابق، كانت هذه التقنية تُستخدم في الغالب لإنتاج الوثائق الطبية ووثائق الرعاية الصحية، من أجل منع انتشار مُسبّبات الأمراض مثل المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA). 

لكن الشركة اختبرت التقنية مؤخراً على فيروس كورونا على القطط، ووجدت أنّها قادرةٌ على تقليل قابلية جزيئات الفيروس للحياة بنسبةٍ تتجاوز الـ95% في أقل من ساعتين. 

استخدام الورق
استخدام الورق في التوصيل والمطاعم/ istock

عبوات المطاعم وتقليل الاحتكاك

وعلى نحوٍ مماثل، صارت نظافة الغذاء مصدر قلقٍ كبير، وأوضح جو فرانكل، المدير التنفيذي ومؤسس Vegware، أنّ المطاعم بدأت في تقديم عبوات صالحة للاستخدام مرةً واحدة، لتقليل كمية الأدوات التي يلمسها العاملون في المطعم. 

ولتلبية هذا الطلب الجديد، ابتكرت الشركة أطقماً ملفوفة من أدوات المائدة الخشبية، إلى جانب أنواعٍ جديدة من الصواني والصناديق. وأردف: "نرى أنّ هذه المخاوف ستستمر طيلة السنوات المقبلة، وبات طلب المجتمع على تعافي الطبيعة الخضراء أقوى من أيّ وقتٍ مضى".

وبالطبع، تعرّضت بعض جوانب إنتاج الورق لضربةٍ من نوعٍ ما.

وقال مدير شركة Bizzell Paper اللندنية نيك بيزل: "قد يكون الطلب على أنوعٍ مُعيّنة من الورق، مثل ورق A4 المستخدم في المكاتب، تراجع منذ عقود بعد أن خسر معركته أمام الحواسيب. ولكن صناعة الورق تنمو إجمالاً".

وأخيراً الفن

ومن أشهر مواقع استخدامه في قطاعات الفن؛ فبعد شهورٍ من الإغلاق وتعطيل التقويم الاجتماعي، شهدت هواياتٌ عملية مثل الأعمال والحرف اليدوية والفن والخبز نهضةً كبيرة مؤخراً.

وبينما يحمي الورق البشر في الوقت الحالي من العدوى الفيروسية والملل بدلاً من دخوله في صنع سهام أسرة تانغ الجنوبية، يبقى مادةً قيّمة في مستودع أسلحة البشرية ضد فيروس كورونا وغيره من الفيروسات.

تحميل المزيد