يتخيل الكثير منا أن الإقناع فن مظلم أو تضليلي، نربطه بالسياسيين قساة القلوب وبائعي السيارات المستعملة الغشاشين. لكن الحقيقة هي أن الإقناع- أو فنه وعلمه- أساسي وضروري للتفاعل البشري مثل التواصل نفسه.
فتعليم شخص آخر أو تربية طفل، على سبيل المثال، من أعمال الإقناع. كما أن تنبيه شخص ما بالمخاطر أو مساعدة الآخرين على حل حالات الطوارئ هي أفعال تتطلب الإقناع. وحتى إخبار شخص ما بحبك هو في الواقع فعل من أفعال الإقناع.
لهذا السبب، هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من الأشخاص ذوي المهارات العالية في العلوم الإقناعية.
وعادةً يرفض هؤلاء الأشخاص مفاهيم علم النفس الشائعة الخاصة بالتأثير لصالح مناهج أكثر ثباتاً من الناحية العلمية. وبذلك يدركون أن الشيء الذي يبدو غالباً أنه الفطرة السليمة قد يكون خاطئاً، في حين أن ما يبدو غير معقول يمكن أن يكون فعالاً.
7 استراتيجيات يعتمدها الأشخاص المقنعون
في هذا الصدد نحدد 7 أشياء يقوم بها الأشخاص المؤثرون بشكل مختلف، وفق ما عددتها مجلة Forbes الأمريكية.
1. يهدفون إلى حل مشاكل الآخرين، وليس مشاكلهم
يهدف الكثير منا إلى إقناع الآخرين من أجل الوصول إلى أهدافنا الشخصية. على سبيل المثال، نمارس الإقناع أملاً في بيع منتج أو كسب دعم.
نتيجة لذلك، نهدف إلى إقناع الشخص الآخر بمزايا ما نريد وليس ما يريده. ومع ذلك، فإن الأشخاص المقنعين بشكل لا يصدق لا يفعلون ذلك.
يضعون أهدافهم الشخصية جانباً (للحظات على الأقل) من أجل النظر في أهداف الأشخاص الآخرين ومنظورهم. ويحاولون تحديد قيم هذا الشخص وتحدياته، ثم إقناعه من خلال الإشارة إلى تلك القيم.
بعبارة أخرى، يهدف الشخص المقنع بشكل لا يصدق، أولاً وقبل كل شيء، إلى حل مشاكل الشخص الآخر وليس مشاكله. في الواقع، وجد العلماء أن "تبني وجهات نظر" الطرف الآخر هي الطريقة الأكثر فاعلية لاكتساب التعاطف.
2. لا يتجاهل الأشخاص المقنعون الاختلافات الشخصية
فهم يتعرفون على الاختلافات الشخصية بين أولئك الذين يسعون إلى إقناعهم؛ والآباء يعرفون هذا بشكل طبيعي.
على سبيل المثال، لدى الأطفال المختلفين شخصيات مختلفة، مما يتطلب أساليب مختلفة لإقناعهم بترتيب أسرّتهم مثلاً.
وقد وجد الباحثون في إنجلترا دليلاً على ذلك، فالشخصيات الخجولة والمثبطة اجتماعياً على سبيل المثال تميل إلى اتباع الجمهور. ومع ذلك، يحتاج الأشخاص الأكثر انفتاحاً وذوو التوجه الذاتي إلى وقت أو ضغط نادر من أجل إقناعهم.
وأخيراً، يحتاج الأشخاص الأكثر قبولاً وانفتاحاً إلى التوافق مع الأشياء التي فعلوها في الماضي حتى يمكن التأثير عليهم.
3. الأشخاص المقنعون ليسوا انتهازيين أبداً
باتباع المنطق أعلاه، فإن الشخص المقنع يبذل مجهوداً كبيراً في الإقناع. يعرف أهداف الآخرين ويستشعر الاختلافات الشخصية، ويسمح للآخرين بإقناع أنفسهم.
ومن ثم، قد يفترض أن النظراء الخجولين يحتاجون إلى تحفيز لطيف ومقارنة معيارية. حيث تحتاج الشخصيات الخجولة إلى دليل على ما فعله الآخرون في مثل مواقفهم.
ومع ذلك، تحتاج الشخصيات الأكثر انفتاحاً إلى قصة تبدو مألوفة، بينما تحتاج الشخصيات الأكثر عدوانية وانفتاحاً إلى موعد نهائي للإنجاز.
بشكل عام، افترض أن القائد الأعلى يحتاج إلى فريق لتبني تغيير مخيف للغاية في المنتج أو خط الخدمة الذي تقدمه الشركة. تتمثل إحدى وسائل الإقناع الفعالة في جعل الجميع يوافقون أولاً على الهدف- وليس التغيير نفسه.
بمجرد توافق أعضاء الفريق على الهدف، يسمح القائد المؤثر لكل منهم بشرح كيف أن النهج الحالي "سيوصلنا إلى هناك".
وهذا يتيح لهم أن يرى كل منهم، وفقاً لسرعته الخاصة، كيف قد يكون التغيير ضرورياً. على النقيض من ذلك، سيؤدي الدفع القسري نحو التغيير إلى ثورة صامتة.
4. الأشخاص المقنعون لا يتجاهلون قوة سرد قصة
غالباً ما تكون القصة هي العنصر الأقوى في الإقناع، ويقدم العلم دعماً كبيراً لهذا النهج. عند تقديم قصة، يقوم الأشخاص المقنعون بشكل لا يصدق بربط النقاط بين ما يحتاجه نظراؤهم والتأثير الذي يحاولون ممارسته.
وبالتالي، كما في المثال السابق، إذا استخدم القائد الذي يحاول كسب التأييد للتغيير قصة تجعل الجميع يتماشى مع وضع الشركة، فإن التوافق مع الهدف يكون أسهل.
بصورة موسعة، يصبح التوافق مع الحل أسهل. ويجد الآباء (وخاصة الأجداد)، على وجه الخصوص، قصصاً مفيدة في مساعدة أطفالهم على فهم بعض حقائق الحياة.
علاوة على ذلك، يكون مثل هذا النهج مفيداً عندما تظل "الحقائق" مرئية أو غير معروفة حتى الآن. على سبيل المثال، افترض أن أحد الوالدين يكره صديقاً جديداً للطفل، لسبب ما.
تفتقر الأم إلى البيانات التي تثبت قضيتها، لكنها ترى علامات سيئة. وإذا أرادت الأم أن تكون مقنعة بشكل لا يصدق، فقد تستخدم العلامات التحذيرية في سلوك الصديق لسرد قصة تعرضها على طفلها.
5. الأشخاص المقنعون لا يفرطون في استخدام العاطفة
يدعم قدرٌ كبير من البحث العلمي استخدام العاطفة في الإقناع. ومع ذلك، يعرف الأشخاص المقنعون بشكل لا يصدق أنه لا ينبغي المبالغة في ذلك.
وتظهر الأبحاث الحديثة أن بعض المشاعر القوية تنتج ردود فعل مختلفة.
على سبيل المثال، يثير الخوف آلية عميقة الجذور في الدماغ تحث الشخص على التعلم. نتيجة لذلك، يعد استخدام التحذيرات والمشاعر المخيفة في الإقناع أمراً جيداً إذا كان المرء يأمل في منع إجراء قد يرتكبه شخص آخر عن جهل.
كان هذا هو الحال على سبيل المثال، أثناء تفشي فيروس كورونا المستجد. فمع وجود عامة الناس الذين يجهلون إلى حد كبير علم الأمراض الخاص بالفيروس، تمكنت السلطات من تحقيق قدر أكبر من الالتزام بالتباعد الاجتماعي من خلال التحذيرات بشأن العدوى والوفاة.
في الوقت نفسه، يعتبر الغضب عاطفة أفضل للتعبير عنها إذا كان الهدف هو تشجيع العمل. على سبيل المثال، نظراً لأن معظم المدخنين يعرفون مخاطر التدخين، فإن الغضب الناجم عن فرض ضرائب جديدة على السجائر قد يقلل التدخين.
6. لا يتجاهلون السلوك البشري الغريب
ليس من المستغرب أن يحب الناس أحياناً السير عكس الاتجاه أو القيام بما لا يفعله الآخرون، فقط ليكونوا مختلفين. ما يثير الدهشة هو أن الأشخاص المقنعين يلتقطون هذا الاتجاه ويستخدمونه للتأثير.
على سبيل المثال في دراسة حديثة، وجد الباحثون أن الناس أكثر اهتماماً بمتابعة ما يحبه الآخرون وليس ما يفعله الآخرون. فقد يقتنع العملاء الذين يبحثون على منتجات على موقع أمازون، على سبيل المثال، بشراء ما ينصح به المستخدمون من خلال المراجعات؛ حتى لو كان ذلك يتعارض مع رغبة الشراء لديهم.
نتيجة لذلك يميل الأشخاص المقنعون بشكل لا يصدق إلى إقناع المزيد من الناس بكلماتهم، حتى لو كانت تتعارض مع الأفعال.
قد يتأخر قائد الفريق دائماً عن حضور الاجتماعات، ولكنه يحث الآخرين على الحضور في الوقت المحدد من خلال التأكيد على حبه للالتزام بالمواعيد.
7. يعتمدون على العلم أكثر من علم النفس
يعتمد العديد من محترفي التسويق على استبيانات مجموعات التركيز لتحديد ما يريده العملاء. على سبيل المثال، يحاولون تشكيل الحملات الإعلانية على أساس النتائج.
ومع ذلك، فقد وجدت الأبحاث الحديثة التي أجراها علماء الدماغ أن مجموعات التركيز غالباً ما تكون غير دقيقة. وأظهرت هذه الدراسة على وجه الخصوص، أن التأثير يعتمد أكثر على محاولة استكشاف قلوب الناس وهوياتهم.
لن يجادل أحد في القوة الهائلة للتأثير أو أهميته في العديد من تطبيقات الحياة والأعمال. لذا، فإن الاعتقاد بأنه خداع أو تضليل سيؤدي إلى خسارة هذه القوة.
لكن الأشخاص المؤثرين لا يغفلون هذه النقطة، وكما يؤكد العلم، فإنهم يدركون أن "تكتيكات" التأثير الأكثر فاعلية هي عادةً تلك التي تحقق تلك الفوائد.