يعد المخ البشري أعقد عضو في الجسم؛ إذ لا يتحكم في وظائف الحياة الأساسية مثل التنفس، ووظائف الأعضاء، والحركة فحسب، بل يقف أيضاً خلف عمليات أكثر تركيباً، من التفكير إلى التحكم في السلوك والعواطف وخلق الذكريات. لكن بالرغم من أهمية أدمغتنا، لا يزال كثير منا لا يعرف عنها الكثير. إليك حقائق مذهلة عن المخ البشري، بحسب موقع The Conversation.
نشاط المخ لا يتوقف
حتى أثناء نومنا، يظل دماغنا نشطاً. ولا غرابة في ذلك، فعليه أن يبقينا أحياء. لكن أجزاء مختلفة من المخ مسؤولة عن أداء وظائف مختلفة. ينقسم المخ إلى أربعة أزواج من الفصوص على جانبي الرأس. يقع الفص الجبهي بالقرب من مقدمة الرأس والفص الصدغي في أسفلها. وفي الوسط، يوجد الفص الجداري، ويقع الفص القذالي عند مؤخرة الرأس.
يرتبط الفص الجبهي غالباً بالعمليات المعرفية مثل: التفكير والتعلم والإبداع والانتباه والسيطرة على العضلات المستخدمة في الحركة والكلام. ويساعدنا كذلك على خلق الذكريات، وتعلم تنظيم العواطف والسلوك.
يضطلع الفص الجداري بمجموعة من الوظائف، ومنها معالجة البيانات الحسية والعددية، بالإضافة إلى المعلومات البصرية المكانية الضرورية للحركة، وإدراك العمق، والتنقل. يتلقى الفص الصدغي أيضاً معلومات تتعلق بالأصوات، بما فيها اللغة التي نسمعها، وكذلك معالجة الذكريات. ويشارك الفص القذالي في المعالجة البصرية، فعندما يدخل الضوء إلى عينيك ينتقل بواسطة الأعصاب إلى هذه المنطقة ويتحول إلى الصورة التي تراها.
تُقسم الفصوص إلى مناطق وظيفية، وهي مناطق منفردة في فص معين ومسؤولة عن وظائف محددة. على سبيل المثال، هناك منطقة في الفص الجبهي تُسمى منطقة بروكا، التي تشارك بشكل خاص في إنتاج اللغة وفهمها.
ومن خلال مسح المخ يمكن للعلماء قياس المناطق التي تصبح نشطة أكثر في المخ ومتى تُصبح نشطة من خلال النظر إلى المناطق التي تشهد زيادة في تدفق الدم، الذي يوفر الأكسجين الإضافي الذي تحتاجه المنطقة لتعمل أو تؤدي مهمة ما. وتعد معرفة الأجزاء التي تؤدي المهام مسألةً مهمةً للأبحاث وعند إجراء الجراحات.
حقائق مذهلة عن المخ البشري.. يستقبل المخ المعلومات باستمرار
يستقبل المخ باستمرار سيلاً من المعلومات، وتُخضع هذه المعلومات للسيطرة من خلال مسارين يُبقيان كل شيء تحت السيطرة. وتُعرف المعلومات الحسية بأنها المعلومات التي تتدفق إلى المخ، بعكس المعلومات الحركية التي تتدفق منه إلى الخارج.
وبالرغم من تلقي المخ هذه المعلومات بشكل مستمر، فنحن لا نعي بها غالباً، حيث تذهب إلى المناطق التي تعالج المعلومات "اللاواعية". فعلى سبيل المثال، تصل إلى المخ بلا توقف معلومات حول وضع عضلاتك ومفاصلك، لكن نادراً ما نلاحظ ذلك حتى يصبح غير مريحٍ، أو إذا أصبحت هناك حاجة لأن تغير وضعك.
أما ما يتعلق بالمعلومات الحركية المتدفقة إلى الخارج، بما فيها الحركات الطوعية التي نتحكم فيها كالتقاط شيء ما، فإننا نكون على دراية بالوظيفة التي نؤديها. لكن، كما هو الحال مع المعلومات الحسية، قد تحدث الأفعال الحركية بشكل غير طوعي، كما في التنفس أو العضلات التي تحرك الطعام عبر جهازنا الهضمي.
يذهب 20% من دم الجسم إلى المخ
يعتمد الحفاظ على وظائف المخ، والأنسجة الحية بأجمعها على إمدادات الأكسجين الموجودة في الدم. يتلقى المخ بين 15% و20% من الدم القادم من القلب في حال الاسترخاء، لكن العديد من العوامل قد تؤثر على ذلك، ومن بينها السن والنوع والوزن. ففي الذكر المتوسط، يُدفع ما يقرب من 70 ملليلتراً من الدم في الجسم مع كل نبضة قلب. وبذلك، تصل 14 ملليلتر تقريباً من الدم إلى المخ مع كل نبضة قلب، وهو أمر ضروري لتوفير الأكسجين لخلايا المخ.
ومن المعروف أن السكتات المخية، التي تنقطع خلالها إمدادات الدم ولا تصل إلى مناطق في المخ، تحدث بنسبة أكبر في الشق الأيسر من المخ. وهذا مهم لأن الجانب الأيمن من المخ يتحكم في الجانب الأيسر من الجسم، والعكس صحيح. ونظراً لأن الباحثين اكتشفوا حدوث السكتات المخية بعدد أكبر في الشق الأيسر من المخ، وهو ما قد يؤثر على وظائف الجانب الأيمن من الجسم، فقد يكون أولئك الذين يستخدمون اليد اليمنى أكثر عرضةً لفقدان وظائف الشق الأيمن بعد السكتة المخية.
جراحات المخ غير مؤلمة
انتشر مقطع مصوَّر لامرأة تعزف الكمان فيما يعمل الجراحون على إزالة ورم من دماغها، ما دفع الكثيرين لطرح أسئلة حول أدمغتنا. وفيما يبدو ذلك غريباً، يعد إجراء جراحات المخ لمريض مستيقظ أكثر شيوعاً في الواقع مما قد يعتقده الناس.
ففي كثير من الأحيان، تتطلب العمليات الجراحية المرتبطة بالمناطق الوظيفية في المخ، أي المسؤولة عن الحركة والكلام والرؤية، وضع المريض تحت تخدير كلي، ثم إيقاظه بحيث يمكن تقييم هذه الوظائف أثناء العملية.
والمثير للدهشة أن الجراحة الفعلية لا تؤلم المخ على الإطلاق؛ ذلك لأن المخ لا يملك مستقبلات ألم متخصصة تسمى "مستقبلات الألم". والأجزاء الوحيدة المؤلمة في الجراحة هي عند شق الجلد والجمجمة والسحايا (طبقات الأنسجة الضامة التي تحمي المخ). وبحسب عدد من العوامل، قد يخضع المريض لمخدر عام أو موضعي خلال هذا الجزء من العملية.
تضرر المخ قد يغير شخصيتنا
تأتي كمية هائلة من المعلومات التي نعرفها عن المخ بسبب وقوع ضرر ما. فمن الحالات الأشهر على الإطلاق، حالة فينس غيج، الذي كان يُوصف بأنه عامل مسؤول وشريف، لكنه بعد أن أدى حادث عمل في اختراق قضيب معدني لجمجمته، تسببت الأضرار التي لحقت بفصه الأمامي في أن يصبح شخصاً طفولياً، وغير محترم، ومندفعاً. وبذلك، أظهر غيج لعلماء القرن التاسع عشر أن تضرر الفص الجبهي قد يسبب تغييرات كبيرة في الشخصية.
نعلم أيضاً أن من فقدوا بصرهم بعد تلف الفص القذالي، إما بسبب صدمة أو نمو ورم أو سكتة دماغية، قد يستمرون في الاحتفاظ ببعض جوانب الرؤية من خلال ما يُعرف "بالرؤية العمياء". ويخبرنا ذلك أن المعلومات البصرية لا تذهب جميعاً إلى القشرة البصرية في الفص القذالي.
فقد يستمر مَن يملكون "الرؤية العمياء" في رصد معلومات بصرية والتحرك وسط العوائق على الرغم من فقدانهم للبصر. بل إن بعضهم أبلغ عن قدرته على "رؤية" عواطف معينة ووصف المشاعر التي تثيرها لديهم. ويُظهر ذلك مدى شدة ترابط وظائف العقل.