"أتمنى أن أطعن نفسي في قلبي.. أريد أن يقتلني أحد ما"!
هكذا صاح الطفل (كويدن) ذو الـ9 أعوام، وهو يبكي بحرقة وألم، ويكاد قلب أمه أن ينفطر عليه بسبب ما يلاقيه ابنها من حوادث تنمر طوال الوقت.
سمعنا الأسبوع الماضي عن حادثة الطفل الأسترالي الذي يتعرض للتنمر في المدرسة بسبب إصابته بمرض التقزم. ولربما شاهد الكثير منّا المقطع الذي صورته له أمه وهو في حالة انهيار بسبب ما يلاقيه من تنمر طول سنوات طفولته الصغيرة.
وبالطبع انتشر المقطع في أرجاء السوشيال ميديا، وقد أحدث ضجة كبيرة، وتحدث الكثير عن أضرار التنمّر ومساوئه، وكيف ندعم أطفالنا عندما يتعرّضون للتنمر.
اليوم نتعرض لزاوية أخرى مختلفة عن آفة (التنمر)، وهي..
ماذا لو كان ابني أنا متنمراً؟
ماذا أفعل، وكيف أعالج هذا السلوك لديه؟
لنستعرض أولاً ما هو التنمر؟
التنمر -كما عرّفه الموقع الشهير لمكافحة التنمر stopbullying.gov– هو أن يؤذي شخصٌ ما شخصاً آخر عن قصد وتعمد، سواء هذا الإيذاء جسدياً أو عاطفياً أو نفسياً.
ولكي نستطيع وصف السلوك بأنه تنمر، يجب أن تتوفر به صفتان:
- أن يتكرر السلوك، أو يُتَوَقّع أن يتكرر.
- أن تكون فيه قوى غير متكافئة بين المتنمِّر، والمتنَمَّر به.
سواء كانت هذا التفاوت في القوى حقيقياً (مثل أن يكون طفل أكبر سناً أو حجماً من طفل آخر)، أن أن يكون التفاوت وهمياً (مثل أن يكون طفل ما مشهور في المدرسة بين الطلبة).
وللتنمر أنواع كثيرة يمكن أن يقع فيها أبناؤنا كما يمكن أن تُمارس عليهم، مثل:
إطلاق الألقاب السيئة
الإغاظة
السخرية
التعليقات التي تحوي إيحاءات جنسية
السبّ
التهديد
النبذ خارج المجموعة "عن تعمد"
ترويج الإشاعات
تعمد إحراج الآخرين
الضرب/ الركل
الدفع
الحبس وقطع الطريق
إتلاف ممتلكات الآخرين
ما الأسباب التي تدفع طفلاً لأن يكون هو المتنمّر؟
الأطفال تقوم بسلوك التنمر لأسباب عديدة، على رأسها:
- تعرضه لأذى نفسي/ عاطفي/ أو جسدي من أحد أو كلا الوالدين. فالطفل الذي نشأ في بيئة عنيفة، تستخدم الضرب مثلاً كوسيلة للتأديب وتقويم السلوك، فسيكون أكثر ميلاً بكثير لاستخدام نفس هذا الأسلوب مع الأطفال الآخرين عندما يتعرض لما لا يرضيه أو يرضى عنه. ونفس الأمر فيما يخصّ الانتقاد اللاذع وسخرية بعض الآباء من أبنائهم. وكما يقول أهل الغرب في علوم التربية Children See Children Do.
- لا يستطيع تكوين الصداقات.
- ليست لديه ثقة بنفسه ولا تقدير لذاته. نعم فالمتنمر في حقيقة الأمر هو شخص هشّ وضعيف من الداخل، ويحاول الاختباء من ضعفه هذا وإخفاؤه عن طريق استعراض بعض القوة، حتى لو بشكل سيئ.
- أحد الأسباب الأخرى الشائعة للتنمر أن يكون الطفل مفتقداً الشعور بالانتماء. فالشعور بالانتماء لكيان ما وأسرة ما هو احتياج نفسي لدينا جميعاً، فإذا كان هذا الاحتياج غير مشبع لدى الطفل قد يلجأ للتنمر بآخرين فقط حتى يشعر بأنه ينتمي لشيء ما. حتى لو كان هذا الشيء هو فعل التنمر نفسه.
كما هو الحال في نقص احتياج الانتماء، فإن نقص بعض الاحتياجات النفسية الأخرى مثل الحب، والحاجة للانتباه، والاحتياج للقوة والسيطرة؛ قد يدفع الطفل للتنمر بآخرين.
وقد وجدت بعض التحليلات والدراسات أن الأكثر ممن يقومون بالتنمر هم أشخاص/ أطفال تم التنمر بهم مسبقاً، مرات عديدة.
- استخدام الشاشات بكثرة وبشكل غير صحي: سواء برامج كارتون فيها قدر كبير من العنف والضرب والتنمر، أو ألعاب فيديو كلها حروب وقتال، أو الاستغراق ساعات يومياً أمام شاشات الهواتف والتابلت والآيباد، فتضعف لدى الطفل المهارات الاجتماعية، ومهارات التفكير.
الإشارات التي عليّ الانتباه لمعرفة ما إذا كان ابني متنمراً:
أن تبدو عليه علامات متزايدة للعنف والخشونة في التعامل بشكل عام.
أن يكون كثير اللوم للآخرين على أخطائه.
لا يرضى بتحمل نصيبه من المسؤولية في أي شجار مع الأصدقاء.
أن يكون شديد السعي للمنافسة.
أن يبرر السلوكيات السيئة التي يقوم بها آخرون.
أن يكون أحد أصدقائه متنمراً أو خشن التعامل، وهو مستمر في مصادقته.
أن تحدث بينه وبين بعض الأصدقاء الكثير من المشاحنات.
حسناً لاحظت الإشارات ووجدت أن ابني بالفعل يتنمر بآخرين.. كيف أتصرف؟!
التنمر على سوئه وضرره إلا أنه في النهاية سلوك يمكن معالجته. بل ويخبرنا ببعض مناطق الضعف لدى أبنائنا نحتاج لاحتوائهم فيها وطمأنتهم.
قدّره.. احترمه.. ركّز على إيجابياته: كيفية تعامل الأب/ الأم مع الطفل داخل المنزل هي أداة هامة ومؤثرة جداً على الكيفية التي يرى بها هذا الطفل نفسه، وكيف يقدّر ذاته.
علّمه ودرّبه على مهارات حل المشكلات: وبالتالي عندما يواجه مشكلة أنه لا يشعر بالانتماء في المدرسة، أو أي مشكلة أخرى توّلد لديه مشاعر الغضب والإحباط، يستطيع العمل على إيجاد حلول صحية لها. أو أنه ليس لديه أصدقاء، فيفكر كيف يكوّن الصداقات ويحل تلك المشكلة بنفسه بشكل صحي وإيجابي.
تعليم الطفل أضرار التنمر: وهنا يجدر بنا التنويه على أن يكون هذا التعليم بشكل غير مباشر، وليس بشكل مباشر. حتى لا يشعر الطفل بالتهديد أو محاولة التحكم فيقاوم الأهل ولا يتعلم. وهذا بالأخص في حالة أن حادثة التنمر لم يتم اكتشافها أو التحدث بها علناً بعد.
التعليم عن طريق القصص المصورة.. الكتب الخفيفة.. حكايات عن أطفال آخرين تعرضوا للتنمر وكيف أثر هذا عليهم وعلى حياتهم.
استخدام أسئلة الاستكشاف معه: كيف شعرت؟ كيف تتخيل أنه شعر؟ ماذا تعتقد عن الأفكار التي تولدت لديه؟
هدف الأسئلة هنا هو بناء مهارة هامة جداً لدى الطفل وهي مهارة التعاطف Sympathy والتي تقوم على التفكير في مشاعر وأفكار الآخرين عندما يمرون بموقف صعب عليهم.
ولكي تؤتي تلك الأسئلة بثمارها يجب أن تكون فعلاً في صيغة وبدافع الاستكشاف عما يدور داخل طفلي، وليس بهدف تأنيبه أو إشعاره بالحرج أو اللوم والانتقاد. بل يمكنني إن لاحظت أنه شعر بالإحراج، أن أخبره أنني لاحظت هذا وهو إشارة جيدة تدل على مشاعر مرهفة لديه. وبذلك أنمي لدى الطفل الاعتزاز بمشاعره هو وتقديرها، ومن ثم يستطيع تقدير وتفهم مشاعر الآخرين.
إشراكه في رياضة دفاع عن النفس: نعم.. فالهدف من ذلك النوع من الرياضات ليس فقط (تعليم القوة والهجوم/ الدفاع) كما يتخيل البعض.
بل إن تلك الرياضات (مثل التايكواندو – الكاراتيه.. إلخ) تعمل على تعليم الطفل أخلاقيات استخدام القوة، وآداب استخدام تلك المهارات التي يتعلمونها. وأيضاً تعلمهم الانضباط الذاتي، والقدرة على السيطرة على أنفسهم، وبناء تقدير الذات لديهم.. فقط ابحثي له عن مدرب أو أكاديمية جيدة وأخبريه بهدفك وأنك تريدين تعاونهم في احتواء الطفل وتعليمه وليس لرفضه ونبذه.
ساعده على تكوين وبناء الصداقات الصحية: مهم جداً أن يشعر الطفل بالانتماء لمجموعة صحية وبشكل صحي. حتى لا يبحث عن أشكال أخرى غير صحية لإشباع هذا الانتماء.
بل من الممكن أن أدعو صديقه "الذي تنمر به ابني" إلى منزلنا، ليلعبا سوياً تحت إشرافي.
اصنع في المنزل نظاماً لتقنين مشاهدة الشاشات: وتمسّك بتطبيقه. وحتى الأوقات المسموح فيها بمشاهدة الشاشات، دورك أنت كأب/ أم أن تراقبا المحتوى الذي يشاهده هذا الطفل، والحرص على ألا يتضمن مشاهد وألعاب عنف وقتال وإساءة وتعدٍّ.
في النهاية نقول إن الطفل المتنمر هو طفل لديه احتياجات نفسية غير مشبعة، وينقصه الكثير من مهارات التواصل الاجتماعي بشكل صحي، كما أنه طفل يشعر بالخوف وعدم الأمان داخلياً.
وعليّ أنا كأب/ أم أن أتعامل مع الوضع بحكمة، وأن أعمل على مساعدة ابني وطمأنته وإشباع احتياجاته النفسية بشكل صحي آمن، لا أن أرفضه وأنبذه فأزيد الوضع سوءاً.
يسرا القارح أم لثلاثة أطفال، مقيمة في كندا. تهوى القراءة و الكتابة والتعلم الذاتي والبحث، باحثة ومتخصصة في مجالي التربية وعلم النفس منذ عام 2010
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.