قديماً لم يكن الخط الفاصل بين العلم والخرافات واضحاً وضوحاً تاماً كما هو الحال اليوم، في الماضي، طوّر العديد من الدجالين، المشعوذين، أو حتى العلماء الذين لم يكن لديهم وسيلة تُمكنهم من التجربة والتحقق من النظريات العلمية القديمة، نظريات تظهر اليوم أنها غير صحيحة بالمرة، ورُبما إذا سمعت بها تشعر أن الأمر محض دعابة أو سخرية، لكنها حينها كانت تجد من يصدقها ويؤمن بها لفترات طويلة.
بالنسبة لمعظمنا، من السهل التمييز بين العلم الحقيقي والعلوم الزائفة، يتطلب العلم الحقيقي اختبار الفرضيات، وتحليل النتائج تحليلاً دقيقاً، وإعادة التجربة مرات عديدة، وبناء على ذلك يتم تغيير النتائج أو قبولها كحقيقة، قديماً لم يكن الأمر هكذا، كان الخط الفاصل بين العلم الحقيقي والزائف ضبابياً، وعلى مرّ التاريخ، طرحت بعض من أغرب النظريات العلمية القديمة حقاً، يُمكنك هنا التعرّف على بعضها.
الجنيات الداروينية
في عام 1913، نشر رجل دين إنجليزي يدعى Charles Webster Leadbeater (1854–1934) كتاباً بعنوان "الجانب الخفي للأشياء"، حاول فيه إنشاء فرع جديد بالكامل من الشجرة الداروينية التطورية من أجل وضع الجنيات بها.
قام Leadbeater بتطوير نظريته عن "التطور"، موضحاً كيف كانت هناك عدة خطوط مميزة في الطبيعة للتطور غير المادي والذي أصبح مُمثلاً في الجنيات، وفقاً لـ Leadbeater: "لقد نشأت الحياة التي أصبحت الآن جنيات مفعمة بالحيوية، من خلال الأعشاب والحبوب، مثل القمح والشوفان عندما كانت في المملكة النباتية، وبعد ذلك من خلال النمل والنحل عندما كانت في المملكة الحيوانية، ثم وصلت إلى مستوى هذه الأرواح الطبيعية الصغيرة".
ويُضيف: بمجرد أن تطورت هذه الحشرات إلى جنيات، أصبحت سعيدة للغاية، وأصبح لها أجناس مختلفة، كل جنس له ألوان خاصة به، مما يشير إلى الفرق بين قبائلهم أو أنواعهم، تماماً كما يكون للطيور اختلاف في الريش.
ولكون الجنيات خيالية، لم يكن Leadbeater قادراً على تقديم أي دليل مادي يثبت به نظريته.
الطب النازي وتجاربه الوحشية
أجرى النازيون العديد من التجارب البشعة خلال فترة وجودهم في السلطة، وكان أكثرهم غرابة تجارب الدكتور سيغموند راشر (1909-1945)، استخدم راشر نفوذه كأحد معارف هاينريش هيملر، وهو من أقوى رجال أدولف هتلر وأكثرهم شراسة قاد فرقة القوات الخاصة الألمانية والبوليس السري المعروف بالجيستابو، لإجراء سلسلة من التجارب على السجناء داخل معسكر الاعتقال داخاو.
أحد تجارب راشر الأكثر غرابة تتعلق بالتجميد، رغبةً في معرفة أفضل طريقة لعلاج الطيارين الذين تم إنقاذهم في بحر الشمال البارد، ولمحاكاة الظروف التي واجهها الجيش الألماني على الجبهة الشرقية، أجبر راشر السجناء على الوقوف خارجاً في فصل الشتاء لمدة 14 ساعة، أو بدلاً من ذلك غمرهم في خزانات الماء الجليدي، ثم حاول إحياءهم من حالة اللاوعي بوضعهم في الحمامات الساخنة.
سُجن راتشر في النهاية في داخاو، وأُطلق عليه الرصاص في أبريل/نيسان 1945.
الملح هو سر الحياة
ادعى الطبيب الأمريكي تشارلز وينتوورث ليتلفيلد (1859-1945) أنه اكتشف سر الحياة، وكان سر الحياة هذا الذي اكتشفه هو الملح، فعندما جاء إليه المرضى الذين يعانون من جروح، كان ليتلفيلد يقرأ صلاة قصيرة لمساعدتهم على الشفاء. في أحد الأيام، أخذ ليتلفيلد عينة من أملاح الجسم العضوية التي تساعد على حدوث التخثر، وقد حصل عليها من مريض على الأرجح، وقام بفحص العينة تحت المجهر، والمفاجأة كانت أنه وجد أن تكوين هذه الأملاح العضوية يشبه الأملاح التي تُكون الدجاجة التي كان يأكلها.
نشر ليتلفيلد في عام 1919 كتاباً كشف فيه أنه من خلال التركيز بشدة على أكوام صغيرة من الملح، تمكن من جعل بلوراتها تبدو في شكل العم سام، وهو رمز ولقب شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأميركية، على نفس المنوال الغريب، عندما غادر ليتلفيلد الأملاح وحدها، من المفترض أنها تطورت تلقائياً إلى حيوانات صغيرة مثل السلطعون أو القرود أو الأسماك أو حتى بشر مصغرين.
في كأس القرع ومن روث الخيل يمكن تنفيذ الإنيسيان
الإنيسيان هو نوع من التماثل يُقصد به تنفيذ إنسان مُصغر بشكل اصطناعي، وهو الأمر الذي وضع بعض الفلاسفة القدماء طرقاً لتنفيذه، وقدّم الطبيب الكيميائي الألماني السويسري باراسيلسوس (1493-1541)، نموذج لتجربة عملية حول هذا الأمر، يشرح باراسيلسوس تجربته على النحو التالي:
"ضع الحيوانات المنوية لرجل فقط في كأس القرع ومُغطاة بروث الخيل، لمدة أربعين يوماً، بشكل يسمح لها أن تدوم على قيد الحياة ويضمن لها حرية الحركة، بعد هذا الوقت، سيتكون شيء مثل رجل، ولكنه شفاف، وبدون جسم، بعد هذه المرحلة إذا استمر هذا الشيء يتغذى بدم الإنسان يومياً بحذر وحكمة، ويظل لمدة أربعين أسبوعاً في حرارة ثابتة ومساوية من روث الخيل، سيصبح رضيعاً حقيقياً وحياً".
زعم باراسيلسوس أنه أنشأ إنيسياناً بهذه الطريقة، وكان طوله 12 بوصة.
نظرية الجليد العالمي
في عام 1894، لاحظ المهندس النمساوي هانز هوربيجر أن القمر كان لامعاً وخشناً، يشبه إلى حد كبير الجليد، ثم حلم بنفسه وهو يطفو في الفضاء في شيء يُشبه الجليد أيضاً، هذان الحدثان كانا كافيين له لتطوير نظرية الجليد العالمي.
تشرح النظرية أن الجليد هو اللبنة الأساسية للكون، فالأجرام السماوية جليدية والأثير الذي يتخلل الكون هو جليدي أيضاً، نموذج الفهم هذا للكون كان غريباً وما كان ليحظى بأي قبول لولا تطورين:
أولاً، بعد رفض نظرية هوربيجر تماماً من قبل المجتمع العلمي، قام بتسويق نظرياته مباشرة إلى الناس، وهو تكتيك أدى إلى حياة طويلة غير طبيعية للعديد من النظريات العلمية الزائفة.
الأمر الثاني كان وصول النازيين إلى السلطة، فقد كان كل من أدولف هتلر وهينريش هيملر، أحد النازيين الأكثر ميلاً إلى السحر، وكانا مؤيدين بارزين للنظرية.
نقل الحليب للمُصابين بدلاً من الدم
قبل اكتشاف فصائل الدم في عام 1901، اعتقد العديد من الأطباء أنه سيكون من المفيد جداً توجيه طاقاتهم نحو إيجاد بديل للدم، وتوصلوا إلى أنه بدلاً من محاولة إجراء نقل دم الإنسان للمرضى في الحالات الخطرة يمكن نقل الحليب.
لذلك، في عام 1854، تم حقن رجل يبلغ من العمر 40 عاماً بنحو 12 أوقية من حليب البقر، كان الاعتقاد الذي يُحرك الأطباء حينها هو أن الجزيئات الدهنية في اللبن ستصبح "جسيمات بيضاء"، والتي نشير إليها اليوم باسم خلايا الدم البيضاء، وهو ما لم يحدث، لكن على الرغم من ذلك، حقق هذا النوع من العلاج أكبر شعبية له في الولايات المتحدة بين عامي 1873 و1880.
كان هناك بعض النجاحات على الأقل بمعنى أن المريض لم يمت، ولكن هذه يعود على إلى الكميات الصغيرة من الحليب المستخدمة في هذا الإجراء.
علاج الأمراض العقلية بخلع الأسنان بالكامل
طوّر الدكتور هنري كوتن، مدير طبي لمستشفى بولاية نيوجيرسي، نظرية شديدة الغرابة لعلاج الجنون بين عامي 1907 و1930، كانت نظريته أن المرض العقلي يحدث بسبب الالتهابات الجسدية، وخاصة تلك الالتهابات التي تحدث في الأسنان، وكان الحل من وجهة نظره هو خلع الأسنان لعلاج المرض العقلي، وتحت إشراف دكتور كوتون، تم استخراج 11000 حالة لأسنان المرضى المصابين بأمراض عقلية.
عندما لم يحدث أي تحسن في حالات المرضى بعد ذلك، فسر كوتون هذا بأن العدوى يمكن أن تكون انتشرت في أعضاء أخرى، وكانت الخطوة الطبيعية التالية بالنسبة له هي إزالة هذه الأعضاء أيضاً، وهو ما فعله في 645 حالة منفصلة.
كان كوتون مؤمناً حقيقياً بنظريته، فقد أزال العديد من أسنانه، وأسنان زوجته وأولاده.