عندما ألغت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في اللحظة الأخيرة أول مهمة نسائية بالكامل من رائدات الفضاء للسير إلى الفضاء لعدم كفاية عدد البدلات الفضائية التي تلائمهن، أثار ذلك نقاشات أكبر حول كيف تتنقل النساء في عالم يبدو أنه مصمم للرجال.
قالت كارولين كريادو بيريز، الصحفية الإنجليزية ومؤلفة كتاب "Invisible Women Exposing Data Bias in a World Designed for Men" أي "النساء غير المرئيات: كشف تحيز البيانات في عالمٍ مصمم للرجال" في حوار لها مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) إنها لم تتفاجأ على الإطلاق بما حصل.
وقالت: "إن هذا ما يحدث مرة تلو أخرى عندما يتعلق الأمر بما نصممه"، مضيفة: "إننا معتادون على التفكير في الرجال بصفتهم الشيء الأساسي، والنساء شيء جانبي، مجرد شكل مختلف عن الرجال"، نقلاً عن هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وبدأت كارولين البحث في مسألة التحيز الجنسي، بعد أن اكتشفت أن البيانات الطبية بشأن النوبات القلبية كانت مبنية على الأعراض لدى الذكور، مما تسبب في فشل الأطباء في تشخيص حالات النوبات القلبية لدى النساء، لأن أعراضهن لم تكن مطابقة.
وأضافت: "إنه التفكير ذاته الذي أدى بوكالة ناسا الفضائية إلى صنع بدلتين من المقاس الكبير، باعتباره المقاس المتوسط، لأنه متوسط المقاس لدى الرجال بالفعل ،بداية من سترات الوقاية التي ترتديها الشرطة، التي لا تتسع للصدر، مروراً بنظارات الحماية الكبيرة للغاية بالنسبة لوجوه النساء، وحتى الأحذية الطويلة التي لا تناسب أقدامهن، تقول كارولين إن القائمة لا تنتهي. مضيفة: "المرأة المتوسطة (تُعتبر) شاذة".
بداية من سترات الوقاية التي ترتديها الشرطة، التي لا تتسع للصدر، مروراً بنظارات الحماية الكبيرة للغاية بالنسبة لوجوه النساء، وحتى الأحذية الطويلة التي لا تناسب أقدامهن، تقول كارولين إن القائمة لا تنتهي. مضيفة: "المرأة المتوسطة (تُعتبر) شاذة".
سبعة أشياء توضح أن العالم ليس مصمماً للنساء
1- بدلات الفضاء
انهالت التعليقات الغاضبة على وكالة ناسا على الفور، على موقع تويتر، بعد أن أعلنت أن الرحلة الفضائية خارج المركبة ألغيت لكل النساء، بسبب بدلة فضاء من المقاس المتوسط.
أوضحت الوكالة أن رائدة الفضاء آن ماكلين اكتشفت في وقت متأخر أن المقاس المتوسط يناسبها أكثر من المقاس الكبير الذي كانت تستخدمه، ولذا، ولأسباب تتعلق بالسلامة، سُحبت من الرحلة خارج المحطة.
وتوجد بدلتا فضاء من المقاس المتوسط في محطة الفضاء الدولية، لكن واحدة منهما فقط هي التي أُعدت للخروج من المركبة على نحو سليم، وكان سيستغرق تحضير الأخرى لتصل إلى الحالة القياسية ساعات.
وتقول كارولين إن الوكالة ما زالت تقول إن المقاسات المتاحة كانت المتوسط، والكبير، والكبير للغاية فقط.
وغرَّدت وكالة ناسا عبر حسابها على موقع تويتر: "لقد رأينا تغريداتكم بشأن توافر بدلات الفضاء في الرحلة الخارجية التي كان من المقرر أن تنطلق الجمعة 29 مارس/آذار 2019. وللإيضاح، لدينا أكثر من بدلة فضاء من المقاس المتوسط على متن المحطة، لكن لكي نلتزم بالإطار الزمني لمستجدات محطة الفضاء الدولية، من الأسلم والأسرع تغيير مهمات رواد الفضاء بدلاً من إعادة تعديل بدلات الفضاء".
والجدير بالذكر أن تقارير الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية (NPR) أفادت بأن ناسا اضطرت للتخلص من بدلاتها صغيرة الحجم في تسعينات القرن الماضي، بسبب تخفيضات الميزانية. وهذا كان يعني أن ثلث النساء في وقتها لم يكن من الممكن أن تناسبهن أي بدلة فضائية.
2- التجهيزات العسكرية
في عام 2016، بدأ الجيش الأمريكي في تجنيد النساء في أدوار قتالية في وحدات كانت سابقاً مقصورة على الرجال فقط في الجيش والمشاة البحرية، وقوات العمليات الخاصة.
أضاف الجيش 8 مقاسات أصغر في هذا العام لتتناسب مع النساء، لكن المعدات الأخرى مثل الأحذية والخوذات لم تؤخذ بالاعتبار بالقدر الكافي.
وأفادت تقارير على موقع Military.com أن نيكي تسونغاس، عضوة الكونغرس وقتها، ندَّدت بانعدام المسؤولية لدى القوات المسلحة تجاه احتياجات أفراد الخدمة من الإناث، مشيرة إلى السلبيات "المفزعة" بالنسبة للإناث، مثل عدم قدرتهن على إطلاق النار على نحو سليم.
فيما قالت العديد من النساء لموقع Buzzfeed News الإخباري الأمريكي هذا العام، إنَّهن أجبرن أثناء خدمتهن على تعديل ستراتهن الواقية لكي تلائمهن، حتى لو كان هذا يعني أن ينزعن الألواح الجانبية الحامية، أو يضعن قطعاً من الفلين تحت الأحزمة لضبط مكان العدة، والتأكد من أن أعضاءهن محمية.
وعام 2018، قال الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إنهم يعملون على تسريع عملية الحصول على واقٍ مناسب للنساء، لكن عملية الحصول على المعدات الجديدة لم تكن مكتملة.
وقالت أليكس إلياس، الباحثة المهتمة بشؤون النساء المنضمات إلى القوات المسلحة: "ذهبت النساء إلى العراق وأفغانستان -حتى عام 2018- بمعدات صممت من أجل الرجال".
لكن حتى قبل أن تُفتح هذه المناصب الجديدة نسبياً، كانت السيدات في القوات المسلحة تُجبر على التعامل مع أزياء خطيرة وغير مناسبة. تقول إلياس إنه أثناء الحرب العالمية الثانية لم يكن يُتوقع من النساء تولي أي أدوار غير مكتبية، لذا فشلت القوات المسلحة في تحضير الأزياء لوظائف أخرى مثل الميكانيكا.
3- دمى حوادث السيارات
لم تختبر الحكومة الأمريكية تأثير تصادم السيارات على دمية أنثى على نحو كافٍ حتى عام 2012. وكانت الدمى لعقود طويلة تعتمد على حجم الجسم المتوسط، الذي يتوافق بنحو 50% مع جسم الذكر.
أفادت دراسة أجراها مركز الميكانيكا الحيوية التطبيقية التابع لجامعة فرجينيا في عام 2011، أن السائقات اللاتي يتعرضن لحوادث فرص إصابتهن بإصابات خطيرة ترتفع لنسبة 47% أكثر من الرجال، وبنسبة 71% في الإصابات المتوسطة.
وتذكر الصحفية كارولين أنه حتى الآن، هذه الدمية النسائية ما هي إلا تصغير من دمية الرجل، ولا تعطي معلومات دقيقة حول مدى تأثير الحوادث على النساء.
وتوجد قصة متشابهة في الاتحاد الأوروبي.
تقول كارولين: "توجد خمسة اختبارات تنظيمية في الاتحاد الأوروبي، واحد منها فقط يحتم عليك استخدام "دمية" أنثى، وفي مقعد الراكب فقط وليس السائق".
وأضافت أنه من الواضح أن الصناعة تعي فكرة أنها يجب أن تنظر في مسألة النساء، لكنهم "لم يفعلوا ذلك بأي طريقة تتناسب مع حقيقة أن النساء يمثلن 50% من التعداد السكاني".
4- الهواتف الذكية
بداية من التطبيقات وحتى الحجم الحقيقي، هناك الكثير من سمات التصميم التي جعلت بعض النساء يقُلن إنَّ مَن صمم الهواتف الذكية كان يفكر في الرجال فقط.
أيدي النساء أصغر في المتوسط من أيدي الرجال بحوالي بوصة (2.5 سم)، مما يتسبب لهن في مشكلة في استخدام أحجام الشاشة التي تكبر باستمرار.
الكتابة بيد واحدة على هاتف 4.7 بوصة (12 سم) أو آيفون أكبر قد يكون عملاً صعباً أو مستحيلاً بالنسبة للكثير من النساء وللرجال صغيري الأيدي أيضاً.
تقول إحدى المستخدمات عبر حسابها على موقع تويتر: "شركة أبل تقول: "مرحباً بكم في عالم الشاشات الكبيرة". والنساء صغيرات الأيدي أمثالي اللاتي يحتجن هاتفاً أكثر أماناً لأسباب تتعلق بالسلامة عالقات مع شيء كبير لا يمكنهن الإمساك به، ودائماً معرّض للسقوط. إنها الشركة التي تصمم مقرات بقيمة خمسة مليارات دولار دون حضانة لرعاية الأطفال".
وأشارت كارولين أيضاً إلى أن تطبيق الصحة وSiri (مساعد زكي لإنجاز المهام) متحيزان دون قصد أيضاً ضد المرأة.
في عام 2016، أصلحت شركة أبل بعد خمس سنوات من ظهور المشكلة خطأً برمجياً كان يجعل Siri يرسل مَن تسعى للإجهاض إلى مراكز التبني بدلاً من الحصول على الرعاية.
تقول كارولين: "تطبيق الصحة الشاملة على آيفون الذي لا يوجد به متتبع للدورة الشهرية، وSiri التي يمكنه إرشادك لبائع فياغرا، لا يمكنه إرشادنا لأماكن للحصول على عملية إجهاض.. هذا ما يحدث عندما لا تُشرك المرأة في عمليات اتخاذ القرار".
وأضافت: "إنها ليست مؤامرة، لا أعتقد للحظة أن مصممي أبل أردوا التضييق على المرأة، أعتقد أنهم لم يعرفوا".
5- الملابس الرياضية
عندما صمَّم نجم كرة السلة الأمريكية ستيفن كاري خطَّ إنتاج جديداً لأحذية الأطفال في العام الماضي، مقاسات الأولاد فقط هي التي كانت متوفرة.
في النهاية كتبت طفلة عمرها 9 سنوات، تدعى رايلي، خطاباً لكاري تسأله عن سبب هذا الوضع.
وقالت فيه: "أعلم أنك تدعم الفتيات الرياضيات لأن لديك ابنتين"، مضيفة: "أتمنى أن تتمكن من العمل مع شركة Under Armor لتغيير هذا، لأن الفتيات أيضاً يُردن الركض بحذاء Curry 5".
فشكرها كاري، وشرح لها أن المقاسات الأصغر مكتوب عليها كلها علامة "أولاد" على الموقع.
وحتى شهر مارس/آذار 2019، ما زال لدى الأولاد المزيد من الاختيارات في خط إنتاج كاري عند شركة Armor Curry، لكن معظم الأحذية متاحة للجنسين.
6- المعدات العلمية
قالت عالمة الأحياء جيسيكا ماونتس، المديرة التنفيذية لتحالف Kansas Alliance for Wetlands and Streams، في حوار لها مع الصحفي كريس بيل من BBC، إن معظم المعدات التي استخدمتها كانت مصممة للرجال.
وقالت: "المشاكل المترتبة على ذلك ليست الانزعاج وحسب، إنها جميعاً تتعلق بالسلامة الشخصية"، مضيفة: "الملابس الفضفاضة تعلق في المعدات المتحركة. والأحذية الكبيرة تؤدي إلى التعثر والسقوط".
وتابعت: "البدائل "المصممة للنساء" عادة ما تكون أغلى، ولها جيوب أصغر، وما زالت غير مناسبة".
7- المساحة المكتبية
هذه الأخطاء في التصميم ليست في الأشياء التي نلبسها أو نتعامل معها بأيدينا فقط، فحتى البيئة المحيطة قد تميل أيضاً لصالح كفة الرجال.
طُورت المعادلة الخاصة بدرجات الحرارة القياسية للمكاتب في الولايات المتحدة في الستينات من القرن الماضي، اعتماداً على معدل الأيض لدى رجل يبلغ من العمر 40 عاماً ويزن 154 رطلاً (70 كيلوغراماً).
واكتشفت دراسة نُشرت في عام 2015 في مجلة Nature العلمية، أن معدل الأيض لدى الإناث قد يكون أقل من معدل الأيض لدى الذكور في هذه المعادلة بحوالي 35%، مما يجعل درجة الحرارة المفضلة لديهن تختلف 5 درجات في المتوسط.
وفي عام 2018، سلَّطت سينثيا نيكسون، ممثلة مسلسل "Sex and the City" الضوء على هذه المسألة قبل نقاشها الأولي مع حاكم نيويورك، أندرو كومو، عندما نعتَ فريقها تفضيلاته الباردة في درجات الحرارة بالتحيز الجنسي.
تقول المؤرخة شيرلي وجدا: "على الرغم من كل حديث الشركات عن العمل الجماعي، من الصعب أن تشعر بأنك جزء من الفريق عندما يضعونك في بيئة فيزيائية غير ملائمة".
وأضافت أن الكراسي المكتبية الشعبية ذات الشبك تزيد من مشكلة البرودة، بينما الصيحات الأخرى مثل المقاعد المرتفعة قد تكون صعبة وغير مريحة للنساء اللاتي يرتدين الفساتين أو التنانير.
تقول شيرلي إنه عندما يتعلق الأمر "بالتصميمات والمعدات المتحيزة جنسياً، فالمؤرِّخون لم ينتبهوا للأمر بالقدر الكبير". ويغلب الاتجاه نحو المعيارية من أجل الكفاءة، مما يؤدي إلى عالم من نوع "مقاس واحد يناسب الجميع".
بالنسبة لكارولين، منذ نشر كتابها، أصبح من المثير والممتع لها أن ترى الوعي المتزايد بهذه القضايا، وأشارت إلى أنه حتى ردة الفعل الغاضبة على بدلات ناسا الفضائية لم تكن لِتحدث أبداً منذ عقد مضى.
وقالت: "لكن التفكير في الأمر يثير غضبي؛ لأن كل هؤلاء النساء يحيين حياتهن وهنَّ يفكرن أنَّ بهنَّ شيئاً خاطئاً، أو أنهن صغار (الحجم) للغاية، أو غير ملائمات، أو أي شعور آخر"، مضيفة: "إننا فقط لم نبنِ أي شيء من أجل النساء".
عندما ألغت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في اللحظة الأخيرة أولَ مهمة نسائية بالكامل من رائدات الفضاء للسير إلى الفضاء لعدم كفاية عدد البدلات الفضائية التي تلائمهن، أثار ذلك نقاشات أكبر حول كيف تتنقل النساء في عالم يبدو أنه مصمم للرجال.