شخصان، الأول يبلغ من العمر 90 عاماً وهو من المحاربين القدامى بالجيش الأميركي، انتقل إلى العمل الأكاديمي، وتخصَّص في المسرح الفيكتوري، والآخر شيشاني في الثلاثينات من عمره، يُعَد أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويُعرَف أحياناً باسم "أحمد أبو ذراع".
لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، يبدو أنَّ بعض الجهات الحكومية الأميركية خلطت بينهما. ويعتقد ديفيد ماير، أستاذ الدراما الفخري في جامعة مانشستر البريطانية، أنَّ هذه الحالة الغريبة من الخطأ في تحديد الهوية تسبَّبت في انقطاعه عن العمل، وعدم وصول الخطابات والطرود البريدية إليه، وتأخير سفره في مناسبة واحدة مزعجة على الأقل.
بعد أن خدم ماير في الجيش الأميركي ملازماً ثانياً وأول في كوريا، وحصل على تصريح من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي لقراءة وثائق "سرية" و "سرية للغاية"، انتقل إلى مهنة متميزة في العمل الأكاديمي. وهو والد الصحفية ومؤسسة حزب "المساواة النسائي" في بريطانيا كاثرين ماير.
البداية مع ملصق
بدأت المشكلة تلوح قبل عامين، عندما حاول شراء ملصق مسرحي قديم في حالة جيدة من موقع eBay. وراسله البائع ليخبره أنَّ الطرد قد عاد إليه، مع رسالة من الجمارك الأميركية تنص على أنَّ "اسم المستلم يتطابق مع طرف/كيان محظور لا يُسمَح له بإرسال أو استقبال الطرود".
شعر ماير بالحيرة. فالملصق يصوّر رجلاً راكعاً على الثلج أمام زوجته خارج مستشفى ترويجاً لمسرحية The Power of Gold، وهي مسرحية ميلودرامية محلية تعود للقرن التاسع عشر.
قال ماير لصحيفة The Guardian : "كان واحداً من تلك الملصقات التي أنبأتني بأشياء كثيرة عن المسرح في تلك الحقبة، لكنَّني لم أتصور أنَّه ملصقٌ مُدمِّرٌ إلى هذا الحد".
اسمه مدرج في قائمة المعاقبين
حاول ماير الاتصال بخدمة البريد في الولايات المتحدة، لكنَّه لم يصل إلى شيء، لذا اتجه إلى جوجل. واكتشف في نهاية المطاف أنَّ أحد المقاتلين الشيشانيين، ويُدعى أحمد شاتاييف، كان يحمل اسم ديفيد ماير كاسمٍ حركي له (من بين مجموعة من الأسماء الزائفة والحركية الأخرى، بما فيها أحمد أبو ذراع). وكان شاتاييف، المشتبه بتدبيره لهجوم مطار إسطنبول عام 2016، قد أُدرِج على قائمة عقوبات للحكومة الأميركية في العام السابق للهجوم.
وبقدر ما قد يكون انتحال صفة أستاذ في الدراما أمراً فعالاً، فإنَّ هذه الخطوة قد تسبَّبت أيضاً في إدراج اسم أكاديميّ يعيش في نصف العالم الآخر ضمن ما يشبه قائمة سوداء سرية.
من الصعب تصديق وجود حالة يمكن أن يكون احتمال حدوث خطأ في تحديد الهوية فيها أقل من حالتنا هذه، أو تكون درجة اكتشاف السلطات لها أسهل من حالتنا هذه. إذ كان لديفيد ماير الحقيقي، الذي انتقل إلى مانشستر بعد زواجه من امرأة بريطانية، مسيرة مهنية طويلة في المجال الأكاديمي وعاش في نفس العنوان لأربعة عقود، بدايةً من العام الذي وُلِد فيه المقاتل الإرهابي "ديفيد ماير" في الشيشان. لذا، اعتقد ماير الحقيقي للوهلة الأولى أنَّ حذف اسمه من القائمة التي أُدرِج عليها قد يتطلَّب بعض الإجراءات البيروقراطية لكنَّه ليس أمراً مستحيلاً. لكن بعد أكثر من عامين، انتابه اليأس.
ويقول: "أنا عاجز". وتواصل ماير مع هيئة البريد، وأحد أعضاء الكونغرس عندما كان في الولايات المتحدة، والسفارة في لندن، وبعدما فشلت تلك المحاولات، وكّل محامية لمتابعة القضية. وقال: "درست المحامية الأمر، وكلَّفتني الكثير من المال، ولم يحدث شيء".
ولا يزال يتعذَّر عليه تلقي أي طرد بريدي مُرسَل من الولايات المتحدة، وفي حين تُعاد الرسائل والطرود الرسمية إلى المرسِلين، يعتقد ماير أنَّ العديد من الرسائل الشخصية قد تكون فُقِدَت.
يؤثر هذا الحظر على العمل الذي يشغل وقته وهو في سن التسعين: "لا أتلقى رسائل، ولا أعرف مواعيد المؤتمرات، وأنا أنشر كتباً ومقالات في أميركا، ومن الصعب التعامل مع المحررين مع وجود هذا الحظر".
احتياطات وقت السفر
وهو قَلِقٌ إزاء تعطيل سفره أيضاً. فعندما حاول تسجيل إجراءات السفر عبر الإنترنت خلال رحلته الأخيرة إلى أميركا، تلقَّى ماير رسالة تقول إنَّه غير مؤهل للسفر. ولكنَّه ذهب إلى المطار على أي حال، حاملاً وثائقه العسكرية التي تعود إلى نصف قرن، وسُمِح له في النهاية بالسفر.
ويقول: "أحتفظ الآن بشهادة تسريحي من الجيش مع جواز السفر، تحسُّباً في حال استفسر أي شخص عن جنسيتي وما يثبتُ أنَّني كنتُ ملازماً في الجيش الأميركي قبل سنوات كثيرة".
وما يزيد شعوره بالإحباط هو أنَّ بعض الجهات الحكومية الأميركية مقتنعة تماماً أنَّه مواطن بلا سجل إرهابي؛ إذ يقول: "لم يجدوا صعوبة في إرسال الإشعارات الضريبية، وتصلني بعض الرسائل البريدية من حينٍ لآخر من جمعية قدامى المحاربين".
ورفضت السفارة الأميركية التعليق على حالةٍ فردية، مُتذرِّعةً بأمور الخصوصية. وقالت السفارة إنَّ المسافرين الذين يعتقدون أنَّهم مستهدفون ظلماً يمكنهم التقدُّم لبرنامج التحقيق في طلبات الانتصاف للمسافرين.
شعور باليأس
وقد بدأ ماير في الشعور باليأس من رفع اسمه عن القائمة أبداً -أو حتى معرفة طبيعة تلك القائمة التي تضم اسمه- ويتساءل كم من الناس الآخرين وقعوا أيضاً ضحية لهذا الخلط المأساوي؟
يقول ماير: "يبدو لي هذا أمراً أخرق وأرعن للغاية. ما لا أعرفه هو عدد الأشخاص الآخرين الذين يقعون ضحية لهذا الأمر. تخيَّل مدى الإزعاج الذي كان ليحدث لو كان (مُنتحِل الاسم) يستخدم اسماً مثل جون سميث؟ إنَّه أمر صاعق".
وعلى مدى سنوات، كانت هناك مخاوف طويلة من أنَّ قوائم المراقبة السرية تُعَد شديدة الغموض والشمول في آنٍ واحد، وأنَّ المجال لطلب أولئك المدرجة أسمائؤم -حتى من النخبة الأميركية- بالتعويض ضئيل. وكان قد صُعِق السيناتور تيد كينيدي، شقيق الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، من وجود اسمه ضمن إحدى قوائم مراقبة الإرهاب في عام 2003؛ كما أُدرِج اسم عضو الكونغرس الجمهوري توم ماكلينتوك في قائمة "حظر السفر" الأكثر صرامة بعد فترة وجيزة من ذلك. وقال في وقتٍ لاحق إنَّ الأمر نجم عن الخلط بينه وبين عضو في منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي.حُذف اسم كليهما من القائمتين في نهاية المطاف ليتمكَّنا من السفر مرةً أخرى، لكنَّ ديفيد ماير لم يتمكَّن حتى من العثور على القائمة التي تُسبِّب مشكلاته، ناهيك عن حذف اسمه منها. بل وحتى مقتل شاتاييف لم يُقدِّم أي مساعدة. إذ قُتل الشيشاني في حصارٍ للشرطة في جورجيا قبل عام، لكنَّه على ما يبدو لا يزال على قيد الحياة في صورة "زومبي" ومُدرَجاً على بعض قوائم الإرهاب. ومؤخراً كان أحد الطرود المُرسَلة إلى ديفيد ماير قد أعيد إلى مُرسِلِه الشهر الماضي نوفمبر/تشرين الثاني.