أثارت محاكمة عائلة سورية عاقبت ابنتها (17 عاماً) في مدينة ميونيخ على مصاحبتها لشاب أفغاني، الذي اعتبروه الشريك "الخطأ"، غضب قاضٍ ألماني وجه كلاماً قاسياً لها، قبل أن يصدر بحق أفرادها حكماً مخففاً بناءً على طلب الضحية.
ونقلت وسائل إعلام ألمانية عن القاضي روبرت غرين قوله للعائلة الجالسة على كراسي الاتهام يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني: "نحن نعيش هنا في ثقافة يستطيع فيها الجميع أن يقعوا في الحب. ليس هناك في هذا الصدد فرق بين الرجل والمرأة. قد يكون الأمر مختلفاً في ثقافتكم".
وأكد أن "ابنتكم تصرفت بشكل طبيعي تماماً". ونُقل عنه قوله أيضاً: "المرأة تحظى بأهمية أقل في ثقافتكم. هذا هراء".
عقاب شديد للابنة
وكان والد ووالدة وشقيق الطالبة السورية قد أقروا بما نُسب إليهم. وبحسب الاتهام كانت العائلة قد علمت خلال احتفالات عيد الميلاد 2017 بأن ابنتهم عليا (اسم مستعار) لديها حبيب أفغاني، الأمر الذي استنكروه، ولكي يمنعوا تواصلها معه اتخذوا إجراءات تعسفية شديدة، بحبسها 3 أيام في منزل عائلتها، حيث توجب عليها الجلوس على الأرض ولم يتم تقديم الشراب والطعام لها، وفرضت عليها رقابة، بحسب ما نقلت صحيفة "تي تزت".
وقيل إن والدها محمد سعيد (66 عاماً) ركلها مراراً على رأسها وفي وجهها في اليوم الأول، وهددها في اليوم الثاني بقطع حنجرتها وتزويجها قسراً في سوريا، فيما كانت والدتها رنا (50 عاماً) وشقيقها محمد (23 عاماً) يساعدانه عبر منعها من الهرب ومراقبتها.
وتضمن ما فعله الأب "ممارسات مقززة"، إذ قيل إنه سحب الفتاة (16 عاماً حينها) إلى الحمام وطلب منها تنظيف التواليت بلسانها! قبل أن تتدخل الأم الموجودة معه وتمنع ذلك. وهدد الأب ابنته مجدداً بالقتل في اليوم الثالث، بحسب صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ".
وقال القاضي للعائلة إنه لم يعايش شيئاً كهذا منذ 15 عاماً: "كان هذا تعذيباً نفسياً. لقد عاملتم ابنتكم ككلب. تم خزيها"، مضيفاً: "أرفض هذا الجانب الجزئي من ثقافتهم كلياً. هذا جدير بالازدراء. يتوجب عليكم أن تشعروا بالخجل من أنفسهم"، مستدركاً أن سلوك العائلة ليس ذا علاقة مع الثقافة.
الأب خطط لإرسالها إلى سوريا
وبعد أسابيع من التعذيب الذي تعرضت له، تجرأت الفتاة منتصف شهر يناير/كانون الثاني وأخبرت أحد المعلمين، فتم وضعها تحت رعاية مكتب رعاية الشباب، وأخذها إلى مكان مجهول، حيث يتم الاعتناء بها مذاك.
وتمكنت العائلة بعد أيام رغم ذلك من اعتراض طريقها أمام المدرسة وأخذ ابنتهم وتهريبها عبر ألمانيا، تماشياً مع خطة والدها لإرسالها لسوريا وتزويجها هناك. وكشفت العائلة عن مكان وجودها بعد اعتقال الشرطة للأب.
الضحية طلبت من القاضي ألا يتم عقاب والدها
وتم اتهام الأم والشقيق باحتجاز الحرية والامتناع عن مساعدتها، فيما تم اتهام الأب إلى جانب ذلك بإساءة معاملة شخص هو وصي عليه، وإلحاق أذى بدني جسيم، والتهديد والإكراه.
ونظراً لطلب الفتاة، التي رفضت أن تدلي بشهادتها في المحكمة، من القاضي في كتاب وجهته له ألا يعاقب والدها بالسجن، تم الحكم مع وقف التنفيذ على الأب بعامين سجن والابن بعام، رغم المعاملة السيئة الجسيمة التي مارساها، فيما تم فصلها عن العائلة وإيواؤها في مكان مجهول بالنسبة لأسرتها، على أن تقرر هي بنفسها لاحقاً التواصل مع أقاربها أم لا.
وقال الأب في المحكمة إنه يعتذر عن سوء سلوكه، فيما بكت زوجته قائلة إنها تشتاق لابنتها. وقال ممثل النيابة إن على "عليا" أن تخشى على سلامتها وتختبأ.
العائلة ليست مندمجة جيداً
وبينت مراسلة صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أن ما أثار انزعاج السامع لقراءة النيابة تفاصيل الدعوى ضدهم، هو ابتسام الأب وابنه باستهزاء في بعض المواضع.
وذكرت المصادر الصحافية أن العائلة ليست مندمجة في المجتمع بشكل جيد، ففي حين يعمل والدها سائقاً ويجني 800 يورو شهرياً ويتعلم بعض الألمانية، يظل الابن والأم في المنزل دون عمل أو إجادة للغة الألمانية. وكانت الفتاة الوحيدة الوحيدة الفاعلة في الحياة الألمانية.
ومُنعت العائلة من التواصل معها بأي طريقة كانت حالياً، وفقاً لقرار محكمة الأسرة ومكتب رعاية الشباب. وتم أمر الأم بالذهاب لدورة لغة ألمانيا، والابن بالقيام بأعمال اجتماعية طوعية. وقال القاضي إنه في حال التقى الأب بابنته عليا صدفة في الشارع عليه أن يتفادها ويتنحى جانباً.
واعتبر الادعاء العام أنه "تم تدمير عائلة من قبل الثلاثة المدعى عليهم".
وعبر محاميا الدفاع عن أمليهما في أن يلتئم شمل العائلة مجدداً. وكذلك كان موقف القاضي لكن "ليس ككلب بل كشخص متساوٍ في الحقوق"، على حد ما نقل عنه موقع "بيلد".
ليست الحالة الأولى هذا العام
وكانت جريمة "محاولة قتل" فتاة مولودة في ليبيا تدعى آلاء بزعم "الشرف"، قد أثارت ضجة في ألمانيا في شهر فبراير/شباط الماضي، حيث يُتهم شقيقها وزوجها السوري الجنسية بمحاولة قتلها بطعنها وشق شدقيها بسكين في مدينة لاوبهايم بولاية بادن فورتمبيرغ جنوب البلاد، عقاباً لها على دخولها في علاقة مع شاب سوري ومطالبتها بالانفصال. وكانت الفتاة حاملاً، ولم يكن من المعروف إن كان الطفل من زوجها -وفقاً للشريعة- الذي يكبرها بـ17 عاماً أم من صديقها الجديد، بحسب النيابة العامة.
واتهم والداها في البداية بإلحاق أذى بدني جسيم بها، لكن تم الإفراج عنهما لاحقاً في شهر أكتوبر الماضي، لأن الاشتباه بهما أصبح ضعيفاً بحسب المحكمة. وكان الأبوان قد اتصلا بفرق الإنقاذ بعد الجريمة، وساهما بإنقاذ حياتها بذلك، بحسب صحيفة "زود فيست بريسه".
وكان شقيقها قد صور عدداً من مقاطع الفيديو لها وهي تنزف وأرسل بعضها لحبيبها، قائلاً إنه يستمتع برؤيتها تموت.
وكان والدها اللبناني الجنسية قد أعاد في حديث مع تلفزيون "شبيغل" بعد أسبوعين من الجريمة ما حصل إلى ما رأى أنها تعاليم الشريعة بالقول: "عندما تدخل امرأة متزوجة في علاقة ويحكم عليها قاض إسلامي بالموت، لن يكون بإمكاني قول لا".
هل مثل هذه الحالات شائعة بسبب نمط العلاقات العاطفية الغربي؟
ورغم قسوة ووحشية الحالتين المذكورتين، فإن هذه الجرائم العنيفة لا تعد شائعة بين اللاجئين القادمين في الأعوام الماضية لألمانيا.
وأوضح جلال أمين، الاستشاري القانوني في شؤون اللاجئين، إنه يجب التمييز عند الحديث عن الوضع بين الطبقات الاجتماعية، ضارباً المثال بأولاد الطبقة المثقفة من فنانين وشعراء الذين كانوا يتمتعون في سوريا حتى بحرية في الدخول في العلاقات خارج إطار الزواج كما هو الحال في ألمانيا، مشيراً إلى أنه لا يتم تقبل العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج بالنسبة للطبقة المتوسطة أو المتدينة، لكن الأمر لا يصل إلى مرحلة ارتكاب جرائم.
ولفت في حديث هاتفي مع "عربي بوست" إلى أن البعض يتقبل أن يصاحب أبناؤه فتيات على عكس الحال عندما يتعلق الأمر ببناته، وإلى أن العلاقات العاطفية بين الشباب والشابات من القادمين الجدد للبلاد موجودة سراً رغم عدم تقبل الأهل.
وفي هذا السياق أيضاً، أشار إلى أنه رغم عيش القادمين من المنطقة العربية وتركيا في ألمانيا، لكن ما زال يتم التمسك بالأعراف الاجتماعية بوجوب أن تكون المرأة عذراء، لذا تُجرى عادة عمليات جراحية لرد غشاء البكارة لفتيات في برلين، حيث يقيم.
وفيما إذا كان جميع العوائل السورية التي وصلت حديثاً نسبياً قادرة على التأقلم مع نمط العلاقات الغربي، تحدث الاستشاري "أمين" عن عدم تقبل البعض أن تعيش ابنته على نمط الحياة الغربية، ذاكراً إحدى الحالات التي أخذ فيها الأب بناته تهريباً إلى اليونان ومنها إلى تركيا فسوريا، بعد أن علم أن زوجته على علاقة مع رجل آخر وعدم رغبته في أن تدخلن بناته الصغار حالياً في علاقات مماثلة مستقبلاً. كما تحدث أيضاً عن حالة أخرى، وافق فيها الأهل على تزويج بنتهن القاصر، طوعاً، كحل استباقي خشية أن تدخل في علاقة خارج إطار الزواج.