أدى انتشار تعدد الزوجات في سوريا إلى ظهور تشريعات جديدة تحاول تقييد الارتباط بزوجة ثالثة! ظاهرة حوّلت ما كان "مستحيلاً" لدى الفتيات يوماً ما إلى أمر ممكن.
قبل حوالي 4 سنوات أحبت "فاطمة" رجلاً كانت تعلم أنه متزوج وله عدة أولاد من زوجته الأولى. لكنها وافقت على الزواج به.
أكد لها سوء علاقته مع زوجته الأولى، وأقنعها بأن قطار الارتباط سيفوتها، وهي على مشارف الأربعين.
زوجة ثانية ولا لقب عانس..
خافت فاطمة من أن تعيش بقية حياتها وحيدة، ففضلت لقب "زوجة ثانية" على "عانس".
بهذا لخصت فاطمة (اسم مستعار) قصتها، وكشفت لـ "عربي بوست"، لماذا قبلت أن "تنزل على ضرة".
خسرت أسرتها خلال الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من 7 سنوات.
كانت تعيش مع أحد أخوتها في منزل مُؤجر. واضطرت لتحمّل طباعه السيئة، إلى أن التقت بأحد أقاربها وتزوجته.
الحياة في منزل الزوجية لم تكن سهلة أبداً، كما تؤكد فاطمة، إذ أقامت في مسكن مشترك مع زوجته الأولى؛ كل منهما في طابق.
كانت تعلم فاطمة مذ قررت الدخول لحياة العائلة، أن عليها الصبر والتودد للزوجة الأولى كي "تكسبها"، وهو ما حدث بالفعل حتى أنهما تتساندان في حال وقوع شجار مع الزوج.
إذاً عمرها وسوء وظروفها، بالإضافة للحب، كانت مبرراتها للارتباط برجل متزوج.
"لا أبحث عن الحب، أريد بيتاً يأويني"
لكن الحب ليس المبرر الوحيد لقرار من هذا القبيل، أو هذا على الأقل ما حصل مع رشا.
فقدت رشا زوجها الأول خلال الحرب. لم تكن تعرف إن كان على قيد الحياة أم لا، وبعد انتظار لعدة سنوات تطلقت منه بموجب دعوى أقامتها.
عانت كثيراً من الظروف الاقتصادية الصعبة بعد غياب الزوج، إذ باتت مسؤولة عن تربية أولادها والإنفاق عليهم بالإضافة لتأمين المسكن.
اضطرت للعمل ساعات طويلة كي توفر جزءاً من هذه المصاريف.
وحينما تقدم لها أحد الأشخاص قبلت به. كان متزوجاً من امرأتين، لكنه وعدها بمسكن يؤويها وأولادها.
تقول رشا: "أنا لا أبحث عن الحب فهو لغيري، أريد الاستقرار ومكاناً يأويني أنا وأولادي".
تعيش رشا مع بقية أفراد أسرته الأولى والثانية، ودائماً ما تتشاجر مع أولاد الزوج أو مع زوجتيه اللتين رفضتا دخولها لحياتهما.
عاملها الجميع بطريقة سيئة، ولكن بالنسبة لرشا فإن حياتها السابقة لم تكن أفضل، لهذا هي قادرة على التحمل والصبر.
ارتفع معدل #زواج_القاصرات في #سوريا بدايةً من 2016 من 7% إلى 30%، بحسب تقرير أعده المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية | https://t.co/7AlTWolfgb pic.twitter.com/pN9ePgOl5I
— منشور (@manshoor) January 12, 2018
انتشار تعدد الزوجات في سوريا إلى 40% يدفع القضاء للتحرك
فاطمة ورشا مجرد نموذجين للكثير من الحالات التي انتشرت مؤخراً في المجتمع السوري المنهك من الحرب.
شابات رضين بالزواج من شخص متزوج بسبب الظروف التي فرضتها الأزمة.
وكشفت مؤخراً إحصائيات نشرتها صحف محلية أن نسبة حالات الزواج لرجال تزوجوا بامرأة ثانية وصلت إلى 40% من إجمالي حالات الزواج في دمشق.
أما نسبة من تزوج امرأة ثالثة، فلم تتعد 1% من إجمالي الحالات المسجلة.
ولم تسجل المحكمة إلا حالتين فقط لزواج رجل من امرأة رابعة.
ومؤخراً اشترطت المحاكم الشرعية أن يكون دخل الرجل ما يقارب 500 ألف ليرة سوريا (970 دولاراً) للسماح له بالزواج من ثالثة.
فلا يوجد موانع للتعدد إذا رضي الطرفان
ولا يوجد في قانون الأحوال الشخصية السوري ما يمنع تعدد الزوجات أو يعيق ذلك، باعتبار أنه يستند للتشريع الإسلامي الذي يحل الزواج بأربع.
ويذكر القانون في المادة 67:" ليس للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في دار واحدة بغير رضاها"، كما يذكر في المادة 68: "عند تعدد الزوجات يجب على الزوج التسوية بينهن في المساكن".
وتوضح المحامية ردينة تميم، أن القانون لا يفرض شروطاً لمنع تعدد الزوجات، وأن القاضي الشرعي يسأل السيدة إن كانت تعرف بأنها ستكون زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة فتجيب بالإيجاب عادة.
ثم يسأل الرجل إن كان مقتدراً فيجيب بالإيجاب أيضاً، وينتهي الأمر عند هذا الحد.
يكتفي القاضي بالأجوبة الشفهية التي لا تترافق مع ثبوتيات تكشف دخل الزوج، وقدرته على تأمين مسكن شرعي لزوجته الجديدة.
الأمر ينتشر بين الأثرياء والمتعلمين أيضاً
وترفض تميم ربط تعدد الزوجات بالبيئات الفقيرة فقط أو في أوساط غير المتعلمين، موضحةً أنه رصد مثل هذه الحالات بين بعض الأثرياء والمتعلمين.
يعود إقدام نسبة من الفتيات على هذا القرار لاعتقادهن بأن فرص الحصول على شاب مناسب تراجعت مع انخفاض عدد الشباب في البلد نظراً للحرب والسفر، وسوء ظروفهم الاقتصادية بشكل عام.
تغيرت عادات الزواج في #سوريا مع الحرب وظهرت أعراف جديدة وغريبة على المجتمع السوري | #كيف_تشكلنا_الحربhttps://t.co/7AlTWolfgb
— منشور (@manshoor) January 11, 2018
والخوف من انتشار الزواج العرفي
تعمل تميم منذ عدة سنوات مع عدة جمعيات ومنظمات بهدف نشر الوعي القانوني بين السيدات بشكل خاص.
وفي كل محاضراتها تؤكد على ضرورة الابتعاد عن الزواج العرفي من أجل حماية حقوقهن وحقوق أبنائهن في المستقبل، خاصة مع تزايد هذه الظاهرة بالتزامن مع الحرب.
وعند تطرقها لتعدد الزوجات، لا تشجع ولا تنهي عنه، لكنها تنبّه للمشاكل التي قد تقع والتي تكون في الغالب، بتراجع الزوج عن وعوده بتوفير مسكن مستقل أو الإنفاق على الزوجة الجديدة.
كما توضح الأستاذة تميم أنه يمكن للمرأة وضع شروط خاصة في عقد الزواج كي تضمن حقها، مثل اشتراط توافر المسكن الشرعي أو النفقة الشرعية.
القانون يجبر الرجل على توفير النفقة والمسكن ولكن..
فالقانون السوري يتيح للزوجة إمكانية المطالبة بالنفقة والحصول على المسكن الشرعي، ولكن المسكن الشرعي قد يكون سيئاً جداً ولا يناسب الوضع المعيشي للزوجة وكذلك قيمة النفقة.
ويشرح محام فضل عدم ذكر اسمه، بأن مسألة النفقة على الزوجة والأولاد هي من واجبات الزوج بكل تأكيد.
ونفقة الزوجة واجب على زوجها بموجب نص صريح المادة /١٥٤/ من قانون أحوال شخصية.
وهي تشمل الطعام والكسوة والسكن والتطبيب بالقدر المعروف.
وتابع المحامي، أنه يجب التنويه إلى ان المطالبة بهذه الحقوق تكون أمام القضاء المختص.
ويلزم الزوج بدفع النفقة إلى زوجته، إذا امتنع عن الانفاق عليها أو ثبت تقصيره، حتى لو كانت من دين آخر.
ويضيف، بأن النفقة تقدر بحسب حالة الزوج، وتمكن زيادتها ونقصانها بعد مضي 6 أشهر على النفقة المفروضة.
المبالغ المنصوصة لا تكفي في زمن الحرب
أما المبالغ التي يحكم بها الآن، فهي لا تكفي للأسف بسبب الظروف الراهنة، والزوج ملزم بنفقة مطلقته المعتدة.
ولا تحصل كل زوجة على هذه النفقة، وخروجها مثلاً من مسكنها الشرعي يفقدها حقها في النفقة وتسمى ناشزاً.
وعملها أيضاً بدون إذن زوجها أيضاً يفقدها نفقتها، وبالنسبة للمسكن فمسألة شرعيته أو عدمها تعود للمحكمة.
والقضاء ملاذها الوحيد للحصول على حقوقها لو استطاعت
وفي ما يتعلق بالسكن الزوجي، أوضح المحامي أنه لا يحق للزوج إسكان زوجته مع "الضرة"، ولا مع أقاربه سوى ولده الصغير، إذا ثبت إيذاء أهله لها.
فإسكان زوجته مع ضرتها يجعل المسكن غير شرعي، وهذا المنع مذكور صراحةً في قانون الأحوال الشخصية.
وختم المحامي الناشط في عدة جمعيات، بأن الزوجة يمكن أن تلجأ للقضاء لحل أمورها، وأن إمكانية تحصيل حقوقها شي ممكن جداً بعكس النظرة السائدة.
فالقانون سمح لها مثلاً أن تمنع زوجها من السفر في حال عدم تسديد مهرها أو نفقتها، لو أرادت تصعيد الأمور.
ولكن في حالتي رشا وفاطمة، تغيرت الأولويات، وهما مثل آلاف السيدات في سوريا أمام خيارين أحلاهما مر.