جدران مهدَّمة وأبواب طالها النسيان، وفضاء مُتسخ أصبح مَرتعاً لمُدمني المخدرات بعد أن هجَره أصحابُه منذ عقود طويلة، هذا ما بدا عليه منزل عائلة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بمدينة وجدة الحدودية، شرق المملكة، الذي تعتزم السلطات المغربية هدمه لما يُشكِّله من خطر على سلامة الساكنين والبيوت المجاورة في حال انهياره بالكامل.
تعود بداية القصة إلى أحد أيام فبراير/شباط 2017، حين تَهدَّم جزء من البيت المتواجد في حي "أشقفان البراني" بالمدينة العتيقة، الذي ترَعرع فيه الرئيس الحالي للجزائر وقضى فيه طفولته وجزءاً من شبابه قبل أن يرحل رفقة والديه وأشقائه شرقاً نحو الجمهورية الجزائرية التي تفصلها عن مدينة وجدة 20 كيلومتراً فقط.
الدبلوماسية على الخط
مباشرة بعد انهيار إحدى واجهات المنزل، قررت جماعة مدينة وجدة إزالة كامل البيت باعتباره يشكل مصدراً للخطر، إلا أن ملكيته لأشخاص غير مقيمين بالبلاد حال دون اتخاذ الإجراءات المعمول بها بالمغرب.
الدكتور عمر حجيرة، رئيس الجماعة الحضرية لمدينة وجدة (بلدية)، أكد لـ"عربي بوست"، أن مصالح الجماعة حاولت التواصل مع مالكي العقار لإعلامهم بضرورة هدم البيت الآيل للسقوط الذي بات نقطة سوداء بالمدينة العتيقة لوجدة.
وأشار إلى أن صعوبة الوصول لعائلة بوتفليقة جعلت مسؤولي المدينة يتوجهون للتمثيلية الدبلوماسية للجزائر بمدينة وجدة، حيث قاموا بإعلام القنصل العام الجزائري بوضع المنزل وبالقرار المتخذ بشأنه.
إستقبل د.عمر حجيرة رئيس جماعة وجدة القنصل العام للجمهورية الجزائرية بوجدة هذا اللقاء تمحور حول حل إشكالية المنزل الآيل…
Gepostet von الصفحة الرسمية للدكتور عمر حجيرة am Dienstag, 18. September 2018
وينصّ القانون المغربي المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط وتنظيم عمليات التجديد الحضري، على أنه "يجب على رئيس مجلس الجماعة بعد توصّله بتقرير مكتوب من اللجنة الإقليمية أو من المُراقِبين، أن يخبر بواسطة قرار مالك المبنى أو مُستغِلِّيه بكل وسائل التبليغ القانونية".
القانون المغربي يقتضي في مثل هذه الحالات بأن يقوم أصحاب العقار بمباشرة هدم ملكيتهم بأنفسهم، أو تسديد مبالغ الخدمات للبلدية في حال كانت ستقوم بهذه المهمة.
معارض جزائري: سأحوله لمُتحف!
في انتظار رد عائلة الرئيس بوتفليقة، وما إن تبادر إلى علم المعارض الجزائري رشيد نكاز، وأحد المرشحين لانتخابات الرئاسيات الجزائرية لسنة 2014، خبر نية السلطات المغربية هدم المنزل حتى توجه إلى مدينة وجدة، وقابل رئيس الجماعة الحضرية، معلناً رغبته في شراء بيت بوتفليقة وتحويله إلى متحف من نوع خاص، وفق تعبيره.
Gepostet von رشيد نكاز Rachid Nekkaz am Montag, 1. Oktober 2018
الدكتور حجيرة أكد لـ"عربي بوست" أن رجل الأعمال والسياسي المُعارض رشيد نكاز حلَّ الاثنين 1 أكتوبر/ تشرين الأول بمدينة وجدة، طالباً من البلدية اقتناء البيت الآيل للسقوط أثناء لقاء جمعه بمسؤولين محليين مغاربة.
ولأن البلدية غير مُخول لها بيع المنازل سواءً الصالحة للسكن أو الآيلة للسقوط، فقد قامت بتوجيهه صوب قنصلية بلاده بوجدة لطلب اقتناء المنزل من مالكيه الأصليين.
بيت بوتفليقة.. نقطة سوداء بوجدة
أكثر من عام ونصف مرّ على الانهيار الجزئي الذي طال منزل أحمد بوتفليقة وورثتِه، ولا يزال الحال على ما هو عليه.
فيما اشتكى الجيران بحي "أشقفان" وشارع المغرب العربي وغيرهما من الأحياء المجاورة من الخطر الوشيك الذي بات يُمثله المنزل ليس على حياة المارَّة وسلامة بنيان البيوت المحاذية، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء، بل كذلك بات يشكل بؤرة لمدمني المخدرات ومتعاطي الممنوعات واللصوص، وفق ما أكده الفاعل الجمعوي والمهتم بالتراث الوجدي بولحية لحسن.
وأبرز بولحية لـ"عربي بوست" أن المكان بات مُخيفاً خاصة أثناء الليل، فضلاً عن كونه يُشوّه واجهة المدينة العتيقة التي يُعدُّ جزءاً منها. الأمر الذي أثر على المنظر العام خاصة أن المكان يعد ممراً أساسياً للسياح الأجانب والمغاربة، على حد قوله.
الحاج محمد، أحد أقدم سكان حي "أشقفان الباراني" الذي يُعدُّ مدخل المدينة العتيقة، أوضح أن عبدالعزيز بوتفليقة وُلِد بالبيت المتهدم الواقع قريباً من مسجد "الإمام علي".
وأضاف بلهجة غاضبة لـ"عربي بوست" أن "هذا البيت أصبح وكراً للفساد ومَطرحاً للنفايات ومسرحاً لعدد من جرائم النَّشل والسرقة"، ويتابع المتحدث أنه رفقة مجموعة من السكان قدموا شكايات لمجلس المدينة مطالبين بضرورة هدم البيت قبل حدوث مأساة.
صعوبات تحول دون هدمه بشكل سريع
رئيس جماعة وجدة، ردَّ على هذا كلام بالقول إنه من الصعب ولوج جرافات وآليات ضخمة إلى المدينة العتيقة، لتنظيف الفضاء المحيط من الأتربة والمهملات، خاصة أن البيت مُهدد بالانهيار في أية لحظة.
وأكد أن الجماعة تنتظر الضوء الأخضر من مالكي البيت لهدمه دون تأخر على غرار ما يحدث مع بيوت كثيرة آيلة للسقوط.
عمر حجيرة أكد لـ"عربي بوست" أن الموضوع ما كان ليأخذ هذا الحجم من النقاش والتأخير لو لم يكن البيت في ملكية الرئيس الجزائري وعائلته، ولو لم يكن الورثة المالكون يقطنون خارج أرض المغرب.
هل البيت حقاً في ملكية ورثة بوتفليقة الأب؟
ولأن المصائب لا تأتي فُرادى، فما إن انهارت واجهة المنزل المكون من طابق سفلي، ظهرت أسرة مغربية تدَّعي أن مالك البيت الأول أحمد بوتفليقة، والد الرئيس الحالي، باعهُ لها قبل أن يهاجر صوب الجزائر.
وقالت حفيدة السيدة التي تقول بامتلاكها "بيت بوتفليقة"، إن جدَّتها البالغة من العمر 80 سنة لا يمكنها متابعة قضية نزع ملكية المنزل التي تمَّت دون إعلام أو تعويض، مطالبة بالتحصُّل على مبلغ التعويض عن أرض البيت دون الاضطرار للجوء للمحاكم.
وثيقة رسمية حصل عليها "عربي بوست"، خاصة بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بوجدة، أكدت أن المنزل تعود ملكيته لأحمد بوتفليقة بن مصطفى، حيث تم حفظه بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1946.