كان بول بوريل خادم الأميرة ديانا هو الشخص الوحيد خارج عائلتها الذي سُمح له بحضور الدفن في منزل عائلتها، وذلك بعد وفاتها في حادث سيارة بمدينة باريس في 31 أغسطس/آب 1997.
وبعد الحادث بثمانية أشهر صرح بوريل قائلاً: "لن أقول قصتي أبداً أو أبيع أسراري ولن أخون الأميرة ديانا، لقد كان شرفاً وامتيازاً خدمة مثل هذه الإنسانة الملهمة والفريدة من نوعها، لذلك لن أخون أبداً الثقة التي وضعتها فيَّ".
لكن حدثت لاحقاً مفاجأة في أغسطس/آب 2001، عندما ألقت قوات الشرطة البريطانية القبض على بول بوريل وبتفتيش منزله في بلدة تشيستر الواقعة شمال غرب إنكلترا تبين أنه سرق محتويات قصر كنسينغتون الخاص بالأميرة ديانا، ووصل حجم المسروقات إلى 342 قطعة تخص الأميرة ديانا والأمير تشارلز والأمير وليام قدرت قيمتها بـ 5 ملايين جنيه إسترليني، فما هي القصة الخفية وراء هذا الخادم؟
قرر العمل بالقصر الملكي في الثامنة من عمره
ولد بول بوريل في مقاطعة ديربيشاير الشهيرة بتعدين الفحم فكان والده يعمل سائق شاحنة في هيئة الفحم الوطنية ووالدته تعمل عاملة نظافة، وأراد له والده أن يعمل في المنجم المحلي وفي سن الثامنة اصطحبه لمشاهدة مراسم تغيير الحرس الشهيرة في قصر باكنغهام، وكان لتلك اللحظة مفعول السحر بالنسبة لبوريل إذ التفت إلى والده قائلاً: "في أحد الأيام سأعمل هنا".
بعد مرور عشر سنوات فعلها بوريل فانضم إلى الموظفين الملكيين عام 1976، بعد أن أكمل دورة في إدارة الفنادق، وفي غضون عام واحد أصبح حارساً شخصياً للملوك مثل الملك فيليب ثم ترقى ليكون أقرب المقربين إلى الأميرة ديانا، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1997 حصل "بوريل" على الميدالية الملكية الفيكتورية لتقديم الخدمات للعائلة المالكة.
بعد انفصال الأميرة ديانا عن الأمير تشارلز اختارت ديانا أن يبقى بوريل معها ووصفته حينها بأنه صخرتها التي تحميها وتشعرها بالأمان، لكن يبدو أنها كانت مخطئة إذ ذكر كين وارف الحارس الشخصي لديانا أن بوريل دائماً ما كان يسترق النظر إلى رسائل الأميرة الخاصة، وعندما استشارت "وارف" في هذا الأمر نصحها بإقالته لكنها لم تفعل.
لم يكن "بوريل" في نظر "وارف" مجرد خادم عادي لكنه كان مثل لاعب البوكر الذي يتعمد عدم إظهار جميع أوراقه حتى يبقى داخل اللعبة لأطول فترة ممكنة، فمنذ طلاقها كان حريصاً على ملازمة ديانا كظلها إذ ظهر في غالبية الصور التي كانت تُلتقط لها، وبعد وفاتها كان يخرج للصحافة كثيراً ليؤكد بأنه سيظل الخادم المخلص للأميرة ديانا، ولم تغب عنه أضواء الشهرة كثيراً حتى اكتشفت عملية السرقة عام 2001.
المقتنيات المسروقة ضمَّت صوراً حميمية وفساتين وأحذية
حينما داهمت قوات الشرطة منزل بول بوريل كان ما ينتظرهم أبعد بكثير من توقعاتهم؛ فقد كانت جميع غرف الطابق الثاني تعج عن آخرها بمقتنيات الأميرة ديانا فبدا المنزل حينها وكأنه متحف، توجد به لوحات لرسومات والكثير جداً من الصور الفوتوغرافية التي تعود إلى ديانا والأمير تشارلز وأولادهما وليام وهاري.
اكتشفت الشرطة مع استمرار البحث وجود الكثير من الصور الحميمية والخاصة، منها صور الأمير تشارلز مع أبنائه في الحمام إذ يظهر الأمراء الثلاثة وهم عرايا، وتضمنت المسروقات أيضاً 30 صورة فوتوغرافية موقعة من الأميرة ديانا، وصندوقاً يحتوي على الملاحظات الشخصية اليومية للأميرة إلى ابنها الأمير وليام، ورسائل ديانا الأكثر حميمية إلى زوجها ولي العهد تشارلز.
وبعد اعتقاد أفراد الشرطة أنهم انتهوا من البحث واستعدوا للرحيل سمعوا صوتاً يصدر من الجدار ليكتشفوا بأن بوريل مازال يخفي الكثير خلف الجدران، وبالوصول إلى ذلك المخبأ السري عُثر على الكثير من الصناديق التي كانت تحوي بداخلها الكثير من فساتين الأميرة ديانا، وملابس نومها والملابس الداخلية الخاصة بها، وأحذيتها والبدلات والقبعات والقفازات وحتى زجاجات العطور.
كما شملت المقتنيات المسروقة عدة قطع من المجوهرات، بالإضافة إلى نموذج مرصع بالجواهر على هيئة مركب شراعي تلقته الأميرة ديانا وتشارلز هدية زواج من أمير البحرين، ووفقاً للتقارير الإخبارية فقد عُرض نموذج المركب للبيع في متاجر الفنون في لندن ووزعت الشرطة تنبيهاً بمنع بيعه.
من بين الأشياء الأخرى التي سرقها بوريل 21 تسجيلاً صوتياً للأميرة ديانا و19 قرصاً مدمجاً و10 أشرطة، وقد حوت تلك التسجيلات الكثير من أسرار الأميرة ديانا إذ تحدثت الأميرة في تلك التسجيلات عن تفاصيل حياتها داخل القصر الملكي وخلافاتها مع الأمير تشارلز وتفاصيل علاقتها الجنسية معه.
وبجانب التسجيلات هناك أيضاً الرسائل الخاصة، فمن ضمن المسروقات كانت هناك رسالة كتبتها الأميرة قبل وفاتها بقليل قالت فيها: "لقد تعرضت للضرب والإيذاء العقلي الممنهج لمدة 15 عاماً الآن شكراً لك تشارلز لأنك وضعتني في مثل هذا الجحيم، ومنحتني فرصة التعلم من الأشياء القاسية التي فعلتها بي".
الملكة إليزابيث تتدخل شخصياً لوقف المحاكمة
حُكم على بوريل عام 2002 م بالسجن عشر سنوات بتهمة سرقة المئات من ممتلكات ديانا، لكن الحكم لم يُنفذ بسبب تدخل الملكة إليزابيث إذ قالت إنها تذكرت أن بوريل أخبرها أنه قد أخذ مقتنيات الأميرة ديانا من أجل حماية تراثها، لذا توقفت المحاكمة ولم يُعاقب بوريل، وظهرت بعض الآراء التي ذكرت أن توقف المحاكمة كان نتيجة خشية القصر الملكي من أن يكشف بوريل عن الكثير من الأسرار في شهادته.
هنا عادت إلى الأذهان تلك الفضيحة التي وقعت على متن اليخت الملكي بريطانيا، ففي عام 1981 داهمت الشرطة العسكرية اليخت وألقت القبض على 11 بحاراً ملكياً أثناء إقامة حفل لمثليي الجنس، وبعد التحقيقات سُجن تسعة ضباط بتهمة المثلية الجنسية التي كانت ممارستها غير قانونية آنذاك.
يُذكر أن بوريل كان متورطاً في تلك الفضيحة وبعد إخلاء سبيله خيره القصر الملكي ما بين الزواج أو ترك القصر للأبد واختار بوريل الزواج، وعلى الرغم من أن القواعد الملكية تمنع نهائياً زواج اثنين من الخدم داخل القصر إلا أنها استثنت "بوريل" فتزوج من ماريا مصممة الملابس بالقصر الملكي.
لم تكمن مخاوف القصر الملكي في تلك الحادثة فحسب، ولكن الأمر امتد إلى تلك الأقاويل التي انتشرت حول أن القصر الملكي كان يفضل توظيف الشواذ على أساس أنهم لن يتزوجوا أو يقيموا علاقات محرمة مع الخادمات مما وضع القصر في مأزق.
يبدو أنه ربح في النهاية.. فقد ألَّف واحداً من أكثر الكتب مبيعاً
قبل أن تتدخل الملكة إليزابيث لإيقاف محاكمته كان "بوريل" يسعى لعقد صفقة مع الأمير تشارلز بموجبها يُعيد كافة المسروقات مقابل أن تتركه الشرطة، وبالفعل لم يُحاكم "بوريل" لكنه في المقابل لم يرد جميع المسروقات، ففي عام 2003 م أصدر كتابه الأول "الواجب الملكي" الذي يحكي فيه عن الأميرة ديانا وحياتها الخاصة وعلاقتها مع أسرتها، وخاصة أخاها إيرل سبنسر وقد استند في كتابه على الكثير من رسائلها الخاصة التي سرقها وكذلك تسجيلاتها الصوتية.
بعد ذلك في عام 2006 ألف كتاباً آخر بعنوان "الطريق الذي نحن فيه"، ومن خلاله تعرض للكثير من تفاصيل حياة الأميرة ديانا الخاصة وعلاقتها بدودي الفايد، إذ ذكر بوريل أن ديانا لم تأخذ علاقة الفايد على محمل الجد، لكن الذي كان يدير تلك العلاقة بالأساس هو محمد الفايد الوالد، والشخص الذي أحبته ديانا بصدق هو طبيب القلب الباكستاني حسنات خان، ومن خلال هذا الكتاب الذي عرض فيه بوريل الكثير من تفاصيل حياة ديانا الحميمية والعاطفية شديدة الخصوصية أثبت للجمهور أن ما يحركه بالأساس هو المال والشهرة، فقد تحول في غضون سنوات من خادم ملكي إلى مؤرخ أسرار ثم مؤلف على قائمة الأكثر مبيعاً.
كان بوريل يعيش في شقته الكائنة في مقاطعة تشيشاير الإنكليزية والتي اشتراها بمبلغ 50 ألف جنيه إسترليني تركتها الأميرة ديانا له في وصيتها، لكنه الآن انتقل للعيش في الولايات المتحدة إذ أسس شركة خاصة به مستفيداً من علاقاته السابقة، وتبيع شركة بوريل النبيذ الفاخر تحت اسم ماركة Royal Butler Wines، كما يعمل أيضاً مقدم برامج فيذيع برنامج "الأميرة الأميركية"، وهو برنامج واقعي يُجرى فيه تعليم النساء الشابات آداب السلوك الصحيحة لمقابلة أفراد العائلة المالكة، ويلتقي المتسابقون أمامه من أجل أن يقيمهم ويطلقون عليه لقب "صاحب السموّ".
اقرأ أيضاً..