قفز كيرياكي الكسيادو في سيارته، واتَّجه إلى مدينة مجاورة فنجا من الحريق الذي دمَّر منتجح ياتي، في المقابل حاول جيرانه الفرار مشياً باتجاه البحر، فقضوا. وهكذا تحدَّد مصير سكان هذا المنتجع السياحي الصغير بخيارات اللحظة الأخيرة، للهرب بهذا الاتجاه أو ذاك.
وروت المتقاعدة (62 عاماً) التي نجت من الكارثة، التي دمَّرت جزئياً هذا المنتجع الواقع شرقي أثينا: "طلب مني زوجي أن أغادر مع حفيدي ذي السبع سنوات، فركضنا نحو السيارة، وكانت ثمار أشجار الصنوبر تتساقط محترقة أمامنا"، وتمكنا من النجاة.
توجهوا نحو البعض فقضوا
وانهارت باكية، صباح الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018، وهي تشير إلى منزل على بعد أمتار من بيتها، قائلة: "الشرطية التي كانت تسكن هنا وزوجها وطفلاهما توجهوا مشياً ناحية البحر، لكنهم وجدوا أنفسهم عالقين خلف جدار من النار فقضوا". وأكد الواقعة سكان آخرون في الحي.
وبلغت حصيلة الحريق الهائل الذي أتى خلال ساعات قليلة على مئات المنازل، 79 قتيلاً، حسب أجهزة الإطفاء التي لا تزال تبحث عن مفقودين محتملين.
وحين اجتاحت أعمدة دخان ضخمة حديقة منزله، معلنة وصول ألسنة اللهب إليه من الجبل المجاور "بسرعة خارقة"، لم يكن أمام تيودوروس كويستوبولوس سوى ثوانٍ معدودة ليتخذ قراره.
وقال الرجل، الذي بدا متعباً وهو يقف أمام منزله، الذي لم تلحقه أضرار ونجا سكانه: "كنَّا خمسة. فقلت لنفسي "ندخل إلى الفيلا ونغلق النوافذ والأبواب (وكلها من الألومنيوم) وليحدث ما يحدث" الطريق كان مزدحماً بالسيارات التي كان ركابها يحاولون مغادرة ماتي".
هل نبقى أم نغادر؟ باتجاه البحر أم باتجاه آخر؟ يميناً أم يساراً؟.. كلها أسئلة تعكس شعور الناجين الذين أحسّوا أن أرواحهم كانت مرتبطة بالجواب عن هذه الأسئلة.
كثيرون احتموا بالجداول التي تحيط بالمنتجع، والتي استعادت الأربعاء مياهها الشفافة تحت شمس حارة. بيد أن ما تناثر من ملابس ولعب أطفال تركت على عجل، يشهد على "ليلة كانت أشبه بالجحيم"، أمضاها مَن توجه إلى هذا المكان، حسب عبارة الناجي سابي كيسوف.
حديقة وسط الخراب
وتمكن حارس منزل متواضع غير بعيد من الشاطئ، بلا صعوبة، من الوصول إلى البحر، حيث أمضى عدة ساعات مع مشغلته، وهي سيدة تبلغ من العمر 73 عاماً، وتعاني من سرطان. وقال: "كنا 300 شخص على الأقل، الأسوأ كان الدخان، وكنا نتنفس بصعوبة"، في حين توّلت زوارق إجلاء الفارّين من المكان طوال الليل.
لكن آخرين لم يتمكنوا من الوصول إلى الشاطئ. فعلى بعد مئات الأمتار من منزل سابي كيسوف عُثر على 26 جثة في أرض فيلا بنيت على شاهق صخري، ما حال دون الوصول إلى مياه البحر.
ومن الغريب أن بعض المنازل بقيت سليمة تماماً، وبالكاد لامستها ألسنة اللهب، في حين كانت مبان أخرى في الشارع ذاته مدمَّرة تماماً.
وقال كيسوف، الذي خصَّص بعض وقته صباح الأربعاء ليسقي أشجار حديقة منزله غير البعيد عن منازل أخرى دُمرت تماماً: "عثرنا على كل شيء، حتى السيارة والدِّيك والكلب".
وقالت فاني أنتونيني، وهي تعدل مزهرية انقلبت أمام البقايا المحترقة لِمَا كان منزلَ أسرتها: "الأمر لا يمكن تفسيره، لماذا احترق هذا المنزل، ولماذا لم يحترق المنزل المجاور؟".
ورغم كل شيء قالت هذه الأم ساخرة، وهي التي بقيت لساعات مساء الكارثة بلا أخبار عن ابنها المراهق قبل أن تعثر عليه: "بإمكاني أن أقدم لكم الماء فهو لم ينقطع، كما أنه بإمكاني أن أستحِمَّ".