أين علامات النصر؟! وماذا حلَّ بالابتسامات العريضة، التي تليق بالتربُّع على مانشيتات الصحف العالمية وعناوين نشرات الأخبار؟!
سؤالان خطرا ببال كلّ من شاهد الصورة التي نشرتها وزارة الصحة التايلاندية للأطفال الـ 12، الذين أُنقذوا بصعوبةٍ بالغة من كهف ثام لوانغ الأسبوع الماضي، بعدما أمضوا بداخله 15 يوماً برفقة مدرّبهم.
الصورة وصفتها صحيفة The Guardian البريطانية بأنها "كابوسٌ للمصوّرين وأعجوبة بشرية". فعوضاً عن الاحتفالات الصاخبة، "هذه صورة للذكريات والأسى".
في الصورة، نشاهد أطفال الكهف ملتفّين باحترامٍ حول صورةٍ لسامان كونان، الذي لاقى حتفه خلال عملية إنقاذهم. وكونان هو جندي سابق في القوات البحرية التايلاندية الخاصة، الذي كان يضع اسطوانات هواءٍ احتياطية في ممرّاتٍ تحت الماء؛ إلا أن اسطوانة هوائه نفدت، فتوفي بسبب نقص الأوكسيجين.
في الصورة، يظهر استيعاب الأطفال وتقديرهم لحجم التضحية التي قدّمها كونان في سبيلهم. لا يبدو الزيف على أيِّ وجه. لا أحدٌ يضحك. واحدٌ في النصف يبتسم ابتسامة خجولة. لا يمكنهم التمثيل إطلاقاً، وهذه ميزة الأطفال. هم مرتاحون بعد عملية إنقاذٍ كانت تُعتَبَر شبه مستحيلة، لكن هذه الصورة هي الحقيقة المطلقة. لقد نجحت عملية الإنقاذ، نعم.. لكن رجلاً قد توفّي. وصورته يحملها أولئك الذين ساهم في إنقاذهم بصدقٍ، مناقضٍ للكذب المعتاد في زمننا.
التجهُّم على هذه الوجوه الشابة واضح، وليس مجرّد لحظة ذكرياتٍ عابرة. إنها الحقيقة المحيطة بمحنتهم. بالطبع ستكون هناك بسماتٌ لاحقاً، كما ينبغي أن يكون. لكنهم قالوها بوضوح: "من قال إنه يجب علينا الابتسام والتظاهر بالفرح، ونحن نجونا للتوّ من الجحيم"؟!
الصورة فتحت عدّة تساؤلات:
كيف تمكَّنوا من الحفاظ على تعقُّلهم وهدوئهم لمدة 9 أيامٍ، تواجدوا فيها تحت الأرض؟ وكيف احتفظ المنقذون بأملهم، أن يكون أفراد فريق كرة القدم المفقود، ما زالوا على قيد الحياة؟!
الأسئلة المطروحة كثيرة جداً، ولعلَّ الأجوبة عليها مستحيلة في هذه الأوقات بالتحديد. لكن المؤكد أن البشر يُظهرون أفضل ما بداخلهم خلال أشدِّ الابتلاءات، هي غريزة البقاء. والمؤكد أيضاً أن الاحترام، الذي يُبديه أطفال الكهف تجاه كونان، هو مرحلة أخرى من الاستقامة البشرية، تستحق التوقّف عندها كثيراً.
تجدر الإشارة إلى أن سامان كونان، الذي حمل أطفال الكهف صورته، توفي بشكلٍ مأساوي يوم الخميس 5 تموز/يوليو 2018، عن عمر 37 عاماً. فخلال عملية الإنقاذ، فقد الغوّاص وعيه حين عاد إلى مكانٍ آمنٍ، بعد توصيل الإمدادات الأساسية لمجموعة المنقذين.
ويُذكر أيضاً أنه كان متطوّعاً في هذه المهمّة الإنسانية، ويُعتقد أنه كان يحاول الوصول إلى كهفٍ تمَّ إنشاؤه كمركز قيادةٍ، على بعد كيلومترين داخل الكهوف المغمورة بالمياه، عندما نفذ الأوكسيجين نحو الساعة الثانية من فجر الخميس.
إقرأ أيضاً…
أول ظهور لـ"أطفال الكهف" التايلانديين وهم يتعالجون في المستشفى (فيديو)