يستعد أكرم وشقيقه عيسى مورادي، من ولاية قسنطينة 450 كلم شرقي الجزائر، رفع دعوة قضائية ضد وزارة الاتصالات بالجزائر، بعد الخسائر التي تكبَّداها حين قطعت الوزارة خدمة الإنترنت على المواطنين طيلة أيام البكالوريا، لتمنع الغش في الامتحانات.
يملك الأخَوَان شركةً متخصصة في بيع وبرمجة الهواتف الذكية وتسويقها على مستوى الشرق الجزائري، ويعتمدان على شبكة الإنترنت، في أغلب عملياتهما التجارية.
انتهى الامتحان وخلَّف ملايين الدولارات خسائر
انتهت أطوار امتحان شهادة البكالوريا(الثانوية) بالجزائر، في 25 يونيو/حزيران 2018، مخلَّفة خسائر بمئات الملايين من الدولارات، ومتابعات قضائية بسبب قطع الإنترنت خلال الساعات الأولى من الامتحان في كل مادة.
فشركة مورادي للتسويق التكنولوجي، وخلال أيام البكالوريا الخمسة، سجلت خسائر فاقت 500 مليون سنتيم بالعملة المحلية (45 ألف دولار أميركي).
بأسف شديد تحدَّث أكرم مورادي لعربي بوست، منتقداً إجراءات الحكومة في قطع الإنترنت بسبب الامتحانات، خاصة وزارة الاتصالات، التي لم تحترم عقود زبائنها، ولم تتطرق مطلقاً في حديثها عن تعويضات عن الخسائر التي خلفتها للمواطنين.
حسان خليفاتي، المدير العام لشركة إيليانس للتأمين في الجزائر، يؤكد أن مجمل شركات التأمين لحقتها خسائر كبيرة، لأنها تتعامل وفق شبكة الإنترنت في تحصيل دفعات واشتراكات الزبائن، وارتباطها بمختلف البنوك.
وتحدث لعربي بوست قائلاً "أغلب شركات التأمين أوقفت عملها خلال فترة البكالوريا، وتم تأجيل تسجيل ملفات الزبائن في بعض الأحيان، والبطء في التعامل مع الشركاء والتنسيق بين المكاتب".
وأردف قائلاً "رقم أعمال شركة أليانس للتأمينات، ومقارنة بالفترة ما قبل الامتحان شهد تراجعاً ملحوظاً وخسائر سيتم تحديدها لاحقاً".
الخبير في تكنولوجيا الإعلام والاتصال يونس قرار، أكد لعربي بوست، أن خسائر قطع الإنترنت على الجزائريين قُدرت بملايين الدولارات؛ إذ استمرت مدة قطع الخدمة من ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً.
وفي عملية بسيطة، يضيف قرار "عدد المشتركين في خدمات إنترنت الجيل الثالث والرابع يفوق 10 ملايين مشترك لمتعامل واحد، وإذا تم حصر الاشتراك اليومي لكل شخص بـ100 دينار لليوم ، فإنه ولمدة خمسة أيام الخاصة بالبكالوريا ستصل الخسائر إلى 500 مليار سنتيم (5 ملايين دولار)".
إلزام بالتعويض
اجتمع رجال الأعمال على مطالبة الحكومة من خلال شركة اتصالات الجزائر، بالتعويض عن مجمل الخسائر المسجلة أيام الامتحان الخمسة.
ويقول في هذا الشأن أكرم مورادي "نحن كرجال أعمال وملاك لشركات، تربطنا مع اتصالات الجزائر عقود، تتحدث بنودها عن علاقتنا بالشركة في شق الهاتف الأرضي والإنترنت، والشركة لم تحترم هذه العقود، وعليها تحمل المسؤولية وتعويضنا عن الخسائر التي لحقت بنا، لأننا لا علاقة لنا بتحركات الحكومة وخططها في محاربة الغش والتسريبات".
خبير الاتصالات عثمان عبد اللوش، انتقد شركة الاتصالات بالجزائر، واعتبرها بعيدة عن الاحترافية في عملها، ورحَّب بالخطوة التي أقدم عليها بعض الزبائن في رفع دعوة قضائية للمطالبة بالتعويض.
وتحدث اللوش لعربي بوست قائلاً "كثير من المغالطات والخداع يعرفها عالم النت في الجزائر، بسبب غياب الجدية في الالتزام بخدمة المشترك أو المتعامل معه، إلى درجة أصبح قطع الإنترنت عادياً وبسبب واهٍ".
وما دامت شركات الاتصال، يضيف "ترى القضية من منظور تجاري واقتصادي بعيداً عن الخدمات، فعليها أن تعوض خسائر الشركات الاستثمارية، وحتى المواطنين العاديين بتعويض ساعات القطع".
لم يحترموا 40 مليون مشترك
انتقد الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، في حديثه لعربي بوست تعامل الحكومة الجزائرية من خلال تعليمات لاتصالات الجزائر بقطع الإنترنت أيام البكالوريا.
واعتبر أن القرار يمثل عدم احترام لملايين المشتركين في خدمة الإنترنت من قبل اتصالات الجزائر، وعلى الدولة تقديم اعتذار للمشتركين والمستثمرين وتعويض الخسائر المسجلة.
ويضيف بولنوار "هناك في الجزائر ثلاثة متعاملين لخدمات الهاتف النقال، وهي جيزي، وموبيليس، وأوريدو، وهي توفر خدمة الإنترنت بجيليها الثالث والرابع لقرابة 35 مليون مشترك، فيما تقوم اتصالات الجزائر بتوفير الإنترنت الثابت لنحو 5 ملايين مواطن".
وبالتالي يقول: "فقرار قطع الإنترنت هو عدم احترام لكل هؤلاء المشتركين، وعلى الدولة مراجعة سياسة تعاملها مع هذا الامتحان المصيري".
أيهما أولى الخسائر أم الامتحانات؟
ملايين الدولارات التي سُجلت كخسائر تضاف إلى الفوضى المسجلة بمختلف المطارات والبنوك، ومراكز البريد والتأمينات، جعلت المتابعين والمحللين والخبراء ينتقدون تركيز الدولة على محاربة الغش على حساب ضرب الاقتصاد.
وفي هذا الصدد اعتبر الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، بأن تفكير الدولة في محاربة الغش بهذه الطريقة خاطئة، وكان لها "إلغاء الامتحان بدل تكبد كل هذه الخسائر التي امتدت للمطارات والموانئ والبنوك".
الخبير في تكنولوجيا الإعلام والاتصال يونس بقرار حمَّل الدولة مسؤولية هذه الخسائر، التي جاءت بسبب الفوضى في تسيير ملف محاربة الغش في الامتحانات الرسمية، وخلطه بما هو اقتصادي، مؤكداً "كان يكفي للدولة توفير أجهزة التشويش على شبكتي الهاتف والإنترنت في مراكز إجراء الامتحانات، بدلاً من قطع الإنترنت على 48 ولاية كاملة كل سنة مع شهادة البكالوريا".
كما أن ملايين الدولارات التي سُجلت كخسائر كانت تكفي لتنظيم دورات لهذا الامتحان، فتفكير الوزارة من الشق الاقتصادي غير مُجدٍ لأن الدولة وفي كلتا الحالتين خسرت، وكان خسرانها أكبر في قطع الإنترنت.
الأمر أبسط من ذلك
الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى لم يتقبل جملة الانتقادات التي طالت قطع الإنترنت على الجزائريين، والخسائر التي سجَّلتها الشركات الاقتصادية.
وقال في مؤتمر صحفي "كان علينا قطع الإنترنت للحفاظ على مصداقية الشهادة، التي تعد مستقبل المتمدرسين الجزائريين".
وهون أحمد أويحيى، من تأثير قطع الإنترنت على الشركات واحتمال تعرضها لخسائر. واعتبر أن الحديث عن خسائر للشركات هو "أمر مبالغ فيه"، وأن هذا الإجراء "كان حتمياً لحماية مصداقية امتحانات الباكالوريا".
مضيفاً أن الشركات الجزائرية ليست مدرجة في بورصة "وول ستريت" بنيويورك، في إشارة إلى البورصة الجزائرية التي تعاني من ركود.
نحارب الغش
وزارة البريد وتكنولوجيا الاتصال في الجزائر من جهتها نسقت بينها وبين وزارة التربية، من أجل التصدي لكل محاولات تسريب المواضيع، ومنع الغش.
وكشفت الوزيرة هدى إيمان فرعون، عن مخطط لقطع الإنترنت كل أيام الامتحان، بمعدل ساعة واحدة عن كل امتحان مادة، وردَّت الإجراء إلى الحفاظ على مستوى الشهادة، وترك التلاميذ يركزون في الامتحان، بدل التفكير في المواضيع والإجابات التي قد تصلهم.
وكانت مديريات التربية عبر ولايات الجزائر، قد باشرت ومنذ فترة العمل بتعليمات الوزارة، وتنصيب كاميرات مراقبة، وأجهزة التشويش لمنع استعمال الهاتف النقال وشبكة الإنترت، إلا أن ذلك لم يمنعها من قطعه.
خسائر والهدف لم يتحقق
ورغم قطع الخدمة والإجراءات الصارمة في امتحان شهادة البكالوريا، إلا أن الجميع اصطدم بتسريب مادة اللغة العربية خلال دقائق من عودة الإنترنت، وهو ما يعكس بحسب الخبير يونس قرار فشل ذريع لإجراءات الوزارة.
في الوقت الذي كانت قد أكدت فيه وزيرة التربية نورية بن غبريت بأنها تتابع قضية تسريب أسئلة اللغة العربية، وأنها توصلت الى مصدر التسريب وستتخذ إجراءات قاسية بحق المتورطين.
اقرأ أيضاً
امتحان أم حرب.. طائرات عسكرية ودوريات شرطة في الجزائر لمنع التسريبات في امتحان البكالوريا