ليست المرة الأولى التي يسجل فيها مغاربة حالات نصب بشكل غير اعتيادي،
وغالباً ما يكون أبطال هذا الفعل الإجرامي، أشخاصاً يدّعون قربهم من العائلة الملكية أو اشتغالهم بالقصر الملكي.
قبل يومين كان أحد المغاربة في زيارة إلى روسيا مع عائلته لحضور فعاليات كأس العالم حين حاول حجز مقعد له في أحد مطاعم روسيا، لكنه تم أن أبلغته الإدارة أنه لا مكان له فعاود الاتصال مجدداً وهذه المرة بشخصية رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني الذي انتحل شخصيته لتتم له إدارة المطعم الحجز على الفور في أفضل مكان بالمطعم على اعتبار أنه العثماني.
لم يكتف الأب الذي اصطحب أبناءه بالغذاء في المطعم لكنه وقّع على الأطباق الخاصة بصفته رئيس الحكومة والتقط صوراً مع العاملين، لم يكتشف العاملون الخديعة قبل أن ينشر ابنه المقيم في الولايات المتحدة الأميركية مقطعاً مصوراً لوالده وهو يمارس مزحته، في حين أن متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروه أمراً خارقاً للقانون وقد يعرضه للمساءلة إذا ما تكرر الأمر.
My dad wanted to make a reservation at a restaurant and they told him that they were completely booked, minutes later he called back claiming to be the prime minister of Morocco….. we got the best table in the place and the chef answer him to sign a plate and take a pic w him? pic.twitter.com/Yx2hdlK5Zf
— Ihab. (@Ihab8knicks) June 19, 2018
نصب باسم العائلة الملكية.. آخر الحالات
تأتي الواقعة بعد أيام من تفجر مواقع التواصل الاجتماعي بواحدة من حالات النصب باسم المؤسسة الملكية، حين بثت سيّدة مغربية فيديو مباشراً تتحدث فيه عن واقعة تعرضها للنصب على يد أشخاص يدّعون قربهم من العائلة الملكية، ودارت أحداث الشريط داخل قاعة أظهرت احتجاز شخص أسمر البشرة، حين كان يتحدث معها حول واقعة تعرضها للنصب رفقة ضحايا آخرين في مبلغ 80 مليون سنتيم
بعد فتح تحقيق في الواقعة تم اعتقال المتهمين، وقرر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتمارة (غرب، بلدة قرب الرباط)، إيداع اثنين منهم سجن العرجات بسلا (قرب الرباط) لاتهامهما بتهمة الاحتيال وانتحال صفة مسؤولين حكوميين، بعد إيهام السيدة وعائلتها بإمكانية التدخل لدى إدارة الضرائب، لتحريرها من متابعات ضريبية فاقت قيمتها المليار سنتيم مقابل دفع 80 مليون سنتيم.
حيل نصب باسم الملك.. حكايات متكررة
حِيَل هؤلاء المدّعين باسم الملك وأقرب المقربين إليه انطلت العام الماضي على الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، عبد الحق لمريني حين تمكنت سيدة مسنّة، تشغل منصباً في جمعية نسائية ترأسها إحدى الأميرات، من انتحال صفات شخصيات مغربية سامية، عن طريق الاتصال هاتفياً بالناطق الرسمي باسم القصر الملكي، وإبلاغه بجملة من الأوامر التي خضع لتنفيذها.
كما تداولت الصحف في السنوات السابقة أيضاً قصة نصب مثيرة، ترتبط بشبكة تتزعمها سيدة انتحلت صفة الكاتبة الخاصة لمستشارة الملك، محمد السادس، الراحلة زليخة نصري.
وكانت السيدة وشريكها، تواعدا مع مقاول في البناء على أن يبيعهما عمارة تقع بحي لاجيروند بالدار البيضاء (غرب) لاستقبال الصحراويين العائدين من مخيمات تيندوف على الأراضي الجزائرية.
عوامل مكرّسة لنصب غير عادي
هذه القصص المتعلقة بالنصب باسم الملك أو القصر الملكي، بدأت في السنين الأخيرة بالتداول لدى الرأي العام وتناقلتها الصحف بشكل كبير، خصوصاً بعد "الانفتاح الذي عرفه المغرب، وسياسة الملك، محمد السادس، التي تحثّ على ربط المسؤولية بالمحاسبة"، يقول محمد شقير، أستاذ العلوم السياسية المهتم بالشؤون الأمنية.
يستطرد شقير، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن هذا لا يعني أن وقائع النصب باسم الملك، "لم تكن في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، بل نظراً للوضع آنذاك كان يتم التعتيم عليها وإخفاؤها بشكل كبير".ويرى المهتم بالشؤون الأمنية، أن هناك أمور تسمح بممارسة مثل هذه الجرائم، خصوصا إذا تمركزت في العاصمة الرباط كمحيط لممارسة السلطة وتواجد الملك إضافة إلى أن طبيعة التركيبة الاجتماعية المغربية التي تركّز على المظاهر أكثر من أي شيء آخر، زيادة على تنامي البطالة والهشاشة الاجتماعية في المغرب، يجعل أشخاصاً يستغلون وضعية ضحايا للنصب عليهم، بإيهامهم دائماً بأن لهم علاقات مع القصر"، يضيف محمد شقير.
إضافة إلى كل هذه العوامل المكرّسة لوقائع نَصبٍ غير عادية، يشير عبد الغني حدوش، نائب رئيس المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان (غير حكومية)، إلى معطى آخر يتعلق "بتقاعس المؤسسات عن أداء أدوارها، ما خلق حالة من اليأس عند شرائح مهمة من الشعب، زيادة طبعاً على الصدقية التي يتمتع بها المحيط الملكي".
كما ميّز نائب رئيس المركز الوطني للمصاحبة القانونية وحقوق الإنسان، في حديثه لـ"عربي بوست"، بين فئتين من ضحايا هذا النصب؛ ترتبط الأولى "بسياسيات عمومية فاشلة، وشُبّعت باليأس وانسداد أفق المؤسسات التي تخلّت عن بعض أدوارها".
أما الفئة الثانية، فيعتبرها حدوش "شريكة أكثر منها ضحية، باعتبارها تحاول القفز والالتفاف للتكسّب أو إنجاز مصالحها بشكل غير قانوني"
عقوبات عادية لجرم خاص جداً
لكن هذا الفعل الإجرامي الخاص جداً، بالنظر إلى إقحام اسم الملك فيه أو القصر الملكي، ليس له عقوبات مختلفة في القانون المغربي تميّزه عن حالات النصب الأخرى، كما أكد أشرف الجدوي، المحامي بهيئة الدارالبيضاء.
يوضح الجدوي لـ"عربي بوست"، أن المتهم بالنصب "يتابع بمقتضى الفصل 540 من القانون الجنائي الخاص الصادر عام 1962.
لقد كان مستحيلاً في ذلك الوقت، "أن يُقدِّم أحدهم بفعل النصب باسم الملك، زيادة على أن المخاطب بقانون سنة 1992 ليس هو نفسه المخاطب بأحكام القانون في 2018، لأنه جَرت متغيّرات كثيرة جداً"، يردف المحامي بهيئة الدار البيضاء.
الذي اعتبر أن "المشرّع لم يتنبَّه آنذاك لهذه المسألة، أو لم تكن مثل هذه الجريمة حاضرة، لكن اليوم يجب على المشرّع المغربي التدخّل لتشديد العقوبات على كل من ينصب باسم الملك، أو باسم الأفراد والمؤسسات التي لها رمزية داخل الدولة
ودعا نشطاء على مواقع التواصل بعد انتشار مثل هذه الحالات إلى اعتماد طرق جديدة للتوعية ضد هذه الحالات لاسيما في ظل غياب التواصل الحقيقي بين المؤسسات والمواطنين الذي يحد بدوره من هذه الظواهر.