ظل مصطفى عبد المرضي يمنِّي النفس كل 4 سنوات بمشاهدة منتخب مصر وهو يشارك في كأس العالم لكرة القدم، إلى أن تحقق الحلم الذي طال انتظاره كثيراً، غير أن تشفير المباريات ونقلها حصرياً على قنوات "بي إن سبورتس" نظير اشتراك غالٍ نغَّصا عليه الحلم.
لكن عبد المرضي وغيره من آلاف المصريين ابتدعوا بدائل لمتابعة البطولة وتفادي دفع الاشترك الباهظ، ففي حين اشترى البعض ديكودرات تعمل بالإنترنت، ولجأ آخرون إلى القنوات الأوروبية أو حتى الإسرائيلية، اكتفى البعض بالذهاب للمقاهي لمشاهدة البطولة الأهم في كرة القدم.
يمتلك عبد المرضي، البالغ 32 عاماً، جهاز "بي إن سبورتس"، لكنه فوجئ باشتراك خاص لباقة كأس العالم يصل سعره إلى نحو 1850 جنيهاً (نحو 103 دولارات)، وذلك في حالة لو كنت مشتركاً من قبلُ.
ويقول عبد المرضي، الذي يعمل مترجماً في إحدى الوزارات الحكومية: "بسبب الخلافات السياسية بين مصر وقطر، قررت الشركة القطرية فرض اشتراك خاص بكأس العالم عكس ما فعلته مع باقي دول المنطقة، حيث جعلت القناة اشتراك كأس العالم مجاناً للمشتركين".
وتابع: "مبلغ الاشتراك المخصص لكأس العالم كبير جداً.. ده تقريباً ثلاثة أرباع مرتبي، أنا موظف حكومي ومرتبي ليس كبيراً".
الشيرينج هو الحل
حالُ عبد المرضي يظل أفضل كثيراً من غير المشتركين الراغبين في مشاهدة كأس العالم بالمنزل.
غير المشتركين في القناة سيكون عليهم شراء جهاز الاستقبال الخاص بهم وقيمته 1600 جنيه، ثم دفع قيمة الاشتراك السنوي مع القناة وهو 2280 جنيهاً، وأخيراً دفع قيمة اشتراك كأس العالم 1850 جنيهاً،
وهو ما سيكلف الراغبين في مشاهدة كأس العالم نحو 5730 جنيهاً (نحو 320 دولاراً).
لكنَّ آخرين سيلجأون إلى التكنولوجيا الحديثة والإنترنت لمشاهدة المباريات، التي تضم أفضل 32 منتخباً في العالم، دون أن يدفعوا الكثير، وذلك عبر تقنية الشيرينج.
وتتمثل تقنية الـSharing في وضع عدسة جديدة على طبق لاستقبال قمر اصطناعي بجوار النايل سات، وشراء سيرفر جديد موصَّل بالإنترنت، بحسب ما يشرحه المتخصص بتركيب الريسفيرات محمد العربي.
الأقمار التي يستطيع المستخدم استقبالها إلى جوار نايل سات هي (عاموس- يوتيال سات- إسترا- الأوروبي)، مضيفاً: "حتى الآن تأكَّد عرض 7 قنوات على القمر الاصطناعي الأوروبي مباريات كأس العالم بتقنية HD، فيمحين تذيع قناة تركية على القمر الاصطناعي التركي بتقنية 4k".
وتتميز هذه التقنية بصورة أنقى وأكثر جودة من قنوات "بي إن سبورتس" ولا تستهلك قدراً كبيراً من الإنترنت، ولكن تحتاج إلى سرعة أقلها 4 ميغابايت، لكن يعيبها التعليق الصوتي الأجنبي.
عبد المرضي قرر أن يلجأ إلى هذه الحيلة؛ لضمان استمتاعه بالبطولة في منزله وعلى أريكته المريحة، حيث يقول بتفاؤل: "لديّ ريسفر موصَّل بالإنترنت، وأنا أجيد لغتين أجنبيتين، فالتعليق الأجنبي لن يزعجني في شيء، الأمر كله لن يكلفني سوى 50 جنيهاً (2.8 دولار) اشتراك في سيرفر لمدة 3 أشهر".
السم الإسرائيلي في العسل
بين شوطي اللقاء تصفَّح مصطفى هاتفه وفتح تطبيق فيسبوك، وشاهد إعلاناً على صفحة إسرائيل باللغة العربية يقول إنهم سيذيعون مباريات كأس العالم بشكل مفتوح وباللغة العربية.
سألنا عبد المرضي: هل ستشاهد المونديال على القنوات الإسرائيلية؟ ردَّ بشكل قاطع: "لا طبعاً.. دول بيحطوا السم في العسل، بيعملوا كده علشان يبعتوا رسايلهم للشباب المغيَّب اللي هيتفرج عندهم".
في الثاني من يونيو/حزيران 2018، أعلنت صفحة إسرائيل باللغة العربية على موقع فيسبوك، وهي تتبع وزارة الخارجية الإسرائيلية، إذاعة مباريات كأس العالم في روسيا عبر التردد المفتوح على قناة "مكان".
ونشرت الصفحة الإسرائيلية تقريراً مصوراً، تحدث من خلاله مدير القناة ومدير البرامج وزعموا بث برامج واستديوهات تحليلية تضم أكاديميين ومدربين ولاعبين عرباً.
لم يذكر التقرير تردُّد القناة وعلى أي قمر اصطناعي ستُبَث، وإنما قالوا إأنهم سيذيعون عبر الراديو والتلفزيونوالديجيتال.
بالبحث عن الموقع الإلكتروني لقناة" مكان"، وجدنا موقعاً باللغة العربية خصص قسماً لكأس العالم مصحوباً بصورة شعار البطولة، وداخل القسم توجد 9 حلقات مصورة بعنوان "في الطريق إلى المونديال".
لكنَّ محمود محمد (29 عاماً)، ويعمل مديراً للتسويق في إحدى شركات الأجهزة الكهربائية، ويجلس على مقهى آخر علَّق أعلاماً لدول مشاركة في المونديال وصوراً لصلاح ورونالدو وميسي وغيرهم، يختلف مع مصطفى ويقول: "أنا راجل عملي، أبحث عن مصلحتي.. قناة إسرائيلية أو غيرها هتذيع الماتشات مجاناً هتفرج عليها".
يضيف محمد: "هتفرج على الإسرائيلي إلى أن يثبت العكس، لو هتذيع ماتشات بس مفيش مشكلة، لو أذاعت معلومات غلط طبعاً هقفلها"، لكنه استدرك وقال: "أنا بحب أتفرج على القهوة، شيشتي في إيدي وصحابي جنبي ونتفرج براحتنا".
وكتب ناشط يُدعى أسامة سلامة على "تويتر"، ساخراً من لجوئه إلى القناة الاإرائيلية: "شغّلت القمر الإسرائيلي عشان أتفرج على كأس العالم وجملة أستاذ عزت العلايلي في آخر فيلم إعدام ميت بتاعة (عاش خاين ومات كافر) مبتطلعش من ودني من ساعتها".
في حين رد مستخدم آخر على صفحة إسرائيل بالعربية على "تويتر"، بقوله: "هات التردد يا محتل".
المقهى موطني
إلى جوار مصطفى في المقهى، الذي بسط طاولاته على الرصيف لاستيعاب الشباب القادم لمشاهدة المباراة، كان يجلس صديقه أحمد السيد، (30 عاماً)، الذي تدخَّل في الحوار، ليقول إنه سيواصل الجلوس على المقهى لمشاهدة مصر في كأس العالم.
أحمد، الذي يملك محلاً صغيراً لبيع الأحذية والحقائب، لا يستطيع دفع 1850 جنيهاً على الأقل لمدة شهر؛ ولذلك يقضي معظم وقته في محله، الذي لا يوجد به تلفاز لمشاهدة المباريات.
وتابع الشاب المولع بكرة القدم وعيناه تتابع منتخب مصر وهو يستقبل الهدف الثالث من روسيا: "هقعد على المقهى وأدفع نحو 30 جنيهاً وأشاهد مباريات مصر".
وبالنسبة لأشرف الخولي، البالغ 36 عاماً، فإنه لا بديل عن المقهى أساساً، المهندس المعماري يمرر يده على صلعته وهو يردد ضاحكاً، أن المقهى موطنه لمشاهدة مباريات كرة القدم، "هنا أقدر أزعّق بنفعل براحتي في أثناء الفرص الضائعة وأخطاء اللاعبين… القهوة تحتوي انفعالاتي في أثناء المباراة".
اقرأ أيضا:
الصورة وحدها تحكي ما عاشه هذا الشاب المصري: كرة القدم فعلاً أكثر من مجرّد لعبة ومنافسة!
"دفعنا وسافرنا لنشجعكم، فحيّونا على الأقل! مشجعون مصريون يوجِّهون عتاباً لمنتخب بلادهم