لم يكن مستغرباً كثيراً للقريبين من إنغفار كامبراد، أنه سيصبح في يوم ما من أغنى أغنياء العالم، وأحد أعظم المستثمرين على وجه الكرة الأرضية، فذلك الرجل الذي بدأ معترك التجارة وهو في سن الخامسة من عمره، باتت منتجاته موجودة في منازل عشرات ملايين البشر، والعلامة التجارية لشركته أصبحت الأشهر في بلدان العالم.
وطويت أمس السبت 27 يناير/كانون الثاني 2018، صفحة حياة السويدي كامبراد (91 عاماً) مؤسس شركة "إيكيا" للأثاث، تاركاً وراءه صرحاً شهيراً، بدأ بناءه في مسار حافل بالإنجازات الاستثنائية.
وقال بيان للشركة، اليوم الأحد 28 يناير/ كانون الثاني 2018 إن "كامبراد الذي كان سباقاً إلى إنتاج الأثاث الجاهز للتركيب، توفي في بلدته سمالاند"، واصفاً إياه بأنه "واحد من أعظم المستثمرين في القرن العشرين"، وفقاً لما ذكره موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
من أعواد الثقاب إلى العالمية
ولد كامبراد في العام 1926، وعاش في إحدى المزارع بالقرب من منطقة لوينغبي في السويد، وعندما كان صغيراً امتلك حلماً تجارياً شجعه إليه حسه الاقتصادي الرهيب، فبدأ وهو في السادسة من عمره ببيع عيدان الثقاب لجيرانه على دراجته، وكان يقوم بشراء كميات كبيرة منها بأسعار رخيصة جداً من العاصمة السويدية ستوكهولم، ثم يبيعها بشكل فردي بسعر منخفض، مع تحصيل ربح جيد.
وفيما كان الناس يشعلون أعواد ثقاب كامبراد، كانت تجارته تتوسع شيئاً فشيئاً، لينتقل بعدها إلى بيع الأسماك، وزينة أشجار الميلاد، والبذور، وأقلام الحبر الرصاص، ولم يُشبع ذلك شغفه في التجارة وأسرارها.
في عامه السابع عشر، بدأ كامبراد مرحلةً جديدةً في حياته، سينتهي المطاف بها إلى جعله واحداً على قائمة أكثر شخصيات الأرض ثراء بالمال، وحينها كان كامبراد يعاني من إعاقة جراء إصابته بمرض "الدسلكسيا"، وهو اضطراب يجعل المُصاب يواجه صعوبة في القراءة والهجاء.
المرحلة الأهم في حياته
وبدأ كامبراد مشواره الأصعب في العام 1943 عندما أسَّس شركة "إيكيا" للأثاث، مُستثمراً أموالاً حصل عليها من والده كهدية على نجاحه في الدراسة، وانطلق في عمله بالاعتماد على المراسلات.
واختار كامبراد اسم شركته "إيكيا" من حروف اسمه واسم المزرعة التي نشأ فيها واسم قرية قريبة. وفي البدء لم تقدّم "إيكيا" سوى الأغراض المنزليّة الصغيرة، والأغراض المكتبية البسيطة كالأقلام، والمحافظ، وإطارات الصور، وشراشف الطاولات، والساعات، والمجوهرات وخزائن النايلون ومنتجات خاصة بالمكاتب بأسعار منخفضة.
وبعد عامين من انطلاق شركته، بدأ كامبراد في استخدام شاحنات توزيع الحليب لنقل بضائعه، ثم قرر التخصص في الأثاث، فبدأ بجلب أثاث محلي الصنع، ينتجه صناع محليون من خشب الغابات القريبة من منزله.
هزم منافسيه
ولاقت هذه التجارة استجابة واسعة، ومن أجل التوفير من المساحة التي تطلبها المفروشات والتخفيف من كلفة الشحن ابتكر كامبراد فكرة بيع مفروشات يقوم الزبون بجمعها، وللترويج لسلعته بشكل أكبر قرَّر الشاب نشر إعلان للتعريف بعلامته، وبعدها أطلق كتالوجاً خاصاً، وفتح صالة للعرض للوصول إلى المزيد من المستهلكين، ومع السنوات قدَّم العديد من الأفكار المفيدة للزبائن.
وخلق نجاح كامبراد أعداءً له، ففي العام 1955، عاداه بعض تجار الأثاث السويديون آنذاك بسبب الأسعار المنخفضة التي يبيع منتجاته بها للزبائن، واتخذ التجار قراراً بمقاطعة الموردين الذي يتعاملون من كامبراد، في محاولة لدفن "إيكيا" حديثة العهد.
ولم يقف كامبراد مكتوف الأيدي، فمن جهة صمم قطع الأثاث في شركته، ومن جهة ثانية كان يشتري المواد الخام من بعض الموردين في السر، بعيداً عن الأنظار، وفي ذلك الوقت كان بيع منتجاته يتزايد.
ووجد كامبراد نفسه مضطراً للبحث عن أفضل، فسافر إلى بولندا لشراء الخشب من هناك، مستعيناً بعلاقات تجارية جديدة لتدعم مسيرته التجارية، كما سعى للاهتمام بالعملاء من خلال تقديم القهوة والكعك داخل المتجر، وهذا سبب أساس شعبية المطاعم الموجودة داخل المتاجر في هذه الأيام، وفقاً لموقع "أراجيك".
نهاية حياته
وتوسَّعت الشركة لتصبح أكبر شركة أثاث في العالم تشتهر بتصاميمها البسيطة التركيب وأسعارها الجذابة، ويقول مصمم الأثاث، جيف بانكس، إن اختراعات كامبراد غيّرت الطريقة التي يصمم بها الناس الأثاث لبيوتهم، مشيراً أن البعض حاول تقليده، لكنهم فشلوا جميعاً، وفقاً لـ"بي بي سي".
وواصل الملياردير الشهير العمل إلى آخر أيام حياته، ولم يتنح عن رئاسة مجلس إدارة الشركة إلا في عام 2013، ليفسح المجال لابنه الأصغر.
وفي العام 2016 بلغت مبيعات الشركة 36,4 مليار يورو، وتنتشر فروع للشركة في عشرات دول العالم.
ويعرف عن كامبراد أنه كان يعيش حياة بسيطة، مقتصداً في إنفاقه، إذا كانت لديه سيارة فولفو قديمة، ويسافر مع عامة الناس في الطائرة.
وفي سن متأخرة من العمر، واجه كامبراد أسئلة بشأن علاقاته الماضية بالنازية. وقد كشف الملياردير عن جوانب من ماضيه في كتاب أصدره عام 1988، معترفاً أنه كان صديقاً حميماً لأحد السويديين الفاشيين اسمه بير إنغدال، وعضواً بالحركة السويدية الجديدة بين 1942 و1945، وقال إنها كانت "حماقة شباب"، وإنها "أكبر خطأ ارتكبه في حياته".
وفي كتاب إليزابيت أسبرينك، الصادر عام 2011، يقول إن نشاطات كامبراد الماضية تجاوزت ما اعترف به، إذ إنه كان يجند الناس للحزب النازي السويدي، وبقي مقرباً من أنصاره حتى بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات.
وقال وقتها المتحدث باسم مؤسس إيكيا إن كامبراد اعترف بتقرّبه من الفاشية، و"لكن لا أثر لهذه الأفكار في ذهنه اليوم".