كعب أخيل وحصان طروادة وصندوق باندورا.. تعبيرات خرجت من أساطير تاريخية ولا تزال صالحة لتفسير الواقع

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/19 الساعة 05:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/19 الساعة 05:58 بتوقيت غرينتش

ارتبطت حياة البشر بالأساطير التي وُجدت منذ آلاف السنين وتغذت من خيال البشر، وقد ساعدت تلك الأساطير على فهم الحياة البشرية، فتحولت إلى قصص يُضرب بها المثل، وتعطي الحكمة بصورة تزيد من معرفة الإنسان بالتجربة الإنسانية لمن خلقوا تلك الأساطير وارتبطت بهم.

وقد ساهمت تلك الأساطير في كتابة التاريخ، وإعادة صياغة المعتقدات وربما الأديان، وكانت مصدراً للكثير من الأعمال الأدبية والشعرية والفلسفية. واستطاعت الأساطير أن تخلق استعارات لغوية تستخدمها شعوب العالم لتعبر عن معاني مستوحاة من باطن الأسطورة.

سيزيف: بطل المعاناة العبثية إلى الأبد

تتحدث الأسطورة الإغريقية عن سيزيف ملك ومؤسس مملكة (كورنثة) -وهي مدينة تقع وسط جنوب اليونان- وقد عُرف عنه المكر والخداع، وصوَّرته الأسطورة والكتابات التاريخية والأدبية بأنه أكثر البشر مكراً وخداعاً. فقد قام سيزيف بإفشاء أسرار الإله زيوس، أعظم آلهة الإغريق وأبو الإله والبشر الذي يحكُم آلهة جبل الأوليمب طبقاً للمعتقدات اليونانية القديمة.

وعقاباً لسيزيف على إفشاء أسرار الآلهة، حكم عليه زيوس بالموت والذهاب إلى الجحيم في العالم السفلي، لكنه استطاع خداع إله العالم السفلي والهروب إلى الأرض من جديد.

وعندما علم زيوس بهروبه، جُنَّ جنونه وقام بإعادته مرة أخرى وحُكم عليه بحمل صخرة ضخمة، يرفعها يومياً بمقتضى العقاب الإلهي من أسفل الجبل إلى أعلاه، ولكن قبل أن يبلغ قمة الجبل، تفلت الصخرة دائماً منه ويكون عليه أن يبدأ من جديد.. وبذلك أصبح سيزيف في عذاب أبدي.

وقد وجد الشعراء والأدباء في أسطورة سيزيف رمزية، ووسيلة مناسبة ومموهة تحكي عن الأسى والمعاناة الأبدية، فقد رأى ألبير كامو، في مقاله المنشور عام 1942 والمسمى "أسطورة سيزيف"، أن تلك الأسطورة تعبر عن الحياة الإنسانية المتكررة كل يوم، وما تحتويه من معاناة وسخف متكرر.

لوحة حجرية لبينثيسيلا وأخيل بمتحف الفاتيكان (روما)

وقد استخدم كثير من الأدباء والكتاب العرب تلك الأسطورة في كتاباتهم، فالشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر، المعروف باسمه المستعار أدونيس، عبَّر عن تلك الأسطورة في قصيدته "رسالة إلى سيزيف"):

أقسمتُ أن أحمل مع سيزيفْ صخرتَه الصمّاءْ

أقسمتُ أن أظلّ مع سيزيفْ أخضعُ لِلحُمّى وللشرارْ

ويقول الشاعر المصري أمل دنقل في قصيدته الشهيرة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة":

سيزيف لم يعد على أكتافه الصخرة

يحملها الذين يولدون في مخادع الرقيق

والبحر كالصحراء لا يروي العطش

وهو يشير هنا إلى أن الأسطورة والصخرة سقطتا من فوق كتف سيزيف وصارا علامة على من يقعون في العذاب الأبدي. وقد صار اسم "سيزيف" يُستخدم لوصف من يعيش في معاناة وألم لا ينتهي، ويُعبر دائماً عن الحزن الذي لا حد له.

لوحة تُصور سيزيف.. رسمها الإيطالي تيتسيانو فيتشيليو

كعب أخيل: لكل بطل نقطة ضعف خفية

تقول الأسطورة الإغريقية إن أخيل، بطل ملحمة الإلياذة، عندما وُلد أرادت أمه أن تحميه وتجعله من الخالدين؛ فقامت بتغطيسه في مياه نهر ستيكس المقدسة التي تمنح صاحبها الخلود، بحسب الأسطورة.

ولكن أمه حينما فعلت ذلك أمسكته من كعب قدمه، وهذا جعل تلك المنطقة هي النقطة الوحيدة في جسده التي لم تمسّها المياه، مما جعلها نقطة ضعفه الوحيدة.

ظل جسد أخيل قوياً منيعاً ضد الطعنات والإصابات، لكن باريس، شقيق هيكتور، اهتدى إلى نقطة ضعف أخيل، واستطاع إصابته في كعبه، مما جعل أخيل يسقط، ليُجهز باريس عليه ويقتله.

تمثال بجزيرة كورفو يُصور أخيل وهو يحتضر بعد إصابته في كعبه

ومن بداية القرن التاسع عشر، أصبح "كعب أخيل" مصطلحاً يتم استخدامه كنايةً عن الضعف، وأوّل من استخدمه كان الشاعر الإنكليزي صامويل تايلر كولريدج عندما وصف إيرلندا بأنها "الكعب الضعيف لأخيل البريطاني".

تمثال بجزيرة كورفو يُصور أخيل وهو يحتضر بعد إصابته في كعبه

حصان طروادة: جيش في جوف جواد خشبي

مجسم حصان خشبي تم استخدامه في فيلم Troy المقتبسة أحداثه من ملحمة الإلياذة

بعد 10 سنوات من حصار الأسبرطيين طروادة، وتيقُّنهم من استحالة انهيار أسوارها، قرروا القيام بخدعة تُعد من أشهر الحيل في جميع العصور. حيث قام الجيش الأسبرطي بالانسحاب من أمام الأسوار وترك حصاناً خشبياً عملاقاً، فشعر أهل طروادة بالسعادة وتخيَّلوا أن ذلك الحصان هدية تركها الأسبرطيون. ومع أن بعض السكان شعروا بأن ذلك الحصان قد يكون خدعة، فإنهم في النهاية قاموا بإدخال الحصان إلى داخل أسوار المدينة.

بعد احتفال أهل طروادة بما اعتبره نهاية للحرب وإفراطهم في شرب النبيذ، خرج جنود أسبرطة من مخبئهم داخل الحصان الخشبي وفتحوا أبواب المدينة، ودخل الجيش الغازي إلى المدينة بأكمله، وباشروا إحراق طروادة وهدم أسوارها التي استعصت عليهم 10 سنوات، وقاموا بقتل وأَسر جميع سكانها.

وأصبحت أسطورة حصان طروادة، تعبر عن الخديعة والمكر، فإذا ذكرت "حصان طروادة" فسيكون مقصدك أن شيئاً يُحاك في الخفاء، وأن الخصم ينتظر خديعة لا يستطيع رؤيتها. وصار مصطلحاً يعني الغدر والخديعة في السياسة؛ بل إنه انتقل إلى الحواسيب، حيث ظهرت برامج للقرصنة تسمى حصان طروادة، وهي التي تشيع تسميتها بالاسم الإنكليزي لها "تروجن".

صندوق باندورا: صندوق الشر ينفتح بفعل الفضول الإنساني

تدور أسطورة صندوق باندورا حول صراع البشر والآلهة كعادة الأساطير الإغريقية. وتتحدث تلك الأسطورة عن بروميثيوس، أحد آلهة الإغريق، الذي عهد إليه زيوس بخلق الإنسان وتشكيله. فأراد بروميثيوس أن يمنح الإنسان القدرة على استخدام النار لتكون سلاحه في مواجهة أسلحة الحيوانات مثل المخالب والحوافر، ولكن زيوس رفض ذلك، ورأى أن النار قوة عظيمة يجب ألا يستخدمها غير الآلهة. لكن بروميثيوس سرق قبساً من النار من هيفايستوس، الإله الحداد، وأعطاها للبشر.

وعندما علِم زيوس بسرقة بروميثيوس النار، قرر أن يعاقبه بنفيه وتقييده بصخرة ضخمة فوق جبال القوقاز، وفي كل صباح يأتي نسر عملاق لينهش كبده، الذي يعود للنمو من جديد ليستمر عقاب بروميثيوس إلى الأبد.

وبعد عقاب بروميثيوس، قرر زيوس أن يعاقب البشر بخلق المرأة الأولى وأطلق عليها "باندورا" أو المرأة التي جملت كل شيء كجزء من العقوبة للبشر، وقد خلقها زيوس -كما تقول الأسطورة- من الماء والتراب ومنحها الجمال والقدرة على عزف الموسيقى.

وأرسل زيوس باندورا مع جرَّة مغلقة إلى إبيمثيوس شقيق بروميثيوس، ومع تحذيرات بروميثيوس لأخيه من أن يَقبل أي هدايا من زيوس، فإنه وقع في غرام باندورا وتزوجها وأمرها بألا تفتح الجرة، لكنها لم تستطع كبح فضولها.

وعندما فتحت تلك الجرَّة، خرجت منها كل شرور البشر من الجشع، والفقر، والحزن، والنفاق. أسرعت باندورا بإغلاق الصندوق، ولم يبق فيه غير اليأس أو فقدان الأمل، ولذلك بقي في قلوب البشر الأمل ليمكَّنهم من الحياة مع كل تلك الشرور.

وعندما قام الفيلسوف الهولندي إيراسموس بترجمة القصة من الأساطير اليونانية القديمة في القرن الخامس عشر الميلادي، ترجم الجرة إلى صندوق فأصبحت الأسطورة تُعرف بـ"صندوق باندورا"، الذي يعني الآن أي شيء من الأفضل تركه دون لمس؛ خوفاً مما قد يخرج منه من مصائب .

إلياذة هوميروس مَنجم مصطلحات عصرية

ملحمة الإلياذة هي أقدم أثر أدبي إغريقي، وهي عبارة عن ملحمة شعرية ذات 16.000 بيت، ويُنسب ذلك العمل إلى الشاعر اليوناني الكبير "هوميروس" ويُعتقد أنها جُمعت عام 700 ق.م.

وتروي الملحمة العام الأخير لحرب طروادة التي اشتعلت بين مدينتي طروادة وأسبرطة. وتدور الملحمة حول صراع أخيل مع قائده "أجا ممنون"، وبعد ذلك صراعه مع الطرواديين بعد مصرع صديقه الحميم "باتروكلس"، وتعاطف أخيل تجاه خصمه ملك طروادة "بريام"، بعد قتله ابنه هيكتور، وتنتهي الملحمة بمصرع أخيل على يد باريس الأخ الأصغر لهيكتور.

وتعد تلك الملحمة واحدة من أعظم الأعمال الفنية الإنسانية في التاريخ، وقد استقى منها الكثيرون الحِكم والمصطلحات للتعبير عن الواقع وتوصيفه.