إن أسوأ كابوسٍ لأي راكب طائرة بلا شك، هو أن يسمع الطيار يقول عبر مُكبِّر الصوت: "معكم قائد الطائرة، تأهَّبوا للاصطدام".
ولكن لا بد من التشديد على أن هناك إمكانية للنجاة في حالة حدوث هبوط اضطراري، حسب تقرير لـ The Telegraph استشهد بحادثة طيران وقعت عام 2009، إذ استطاع قائد طيارة أميركي يعمل لصالح شركة طيران U.S، ويدعى "تشيسلي سولينبرغر" أن ينقذ حياة 155 راكباً كانوا على متن الرحلة الداخلية 1549، على طائرة من طراز إيرباص A320- وهبط بهم اضطرارياً في نهر هدسون في نيويورك، إثر تعطل محركي الطائرة بسبب الاصطدام بسرب كبير من الطيور.
حوار مع خبير بريطاني في الطيران
The Telegraph تحدثت إلى خبير الطيران جون تيرنر، وزميل الجمعية الملكية للطيران ومدير المؤسسة الفخرية للطيارين، لمعرفة ما يفعله مُصنِّعو الطائرات من أجل إعداد طائراتهم للهبوط في الماء.
علماً أن الخبير شدّد أيضاَ على أن نجاة كل راكبٍ في المقام الأول على مدى نجاح الشخص في اتخاذ وضع الاستعداد حين يطلب قائد الطائرة وطاقمها من الركاب فعل ذلك، ويعني وضع الاستعداد الصحيح توافر إمكانية فك حزام الأمان، والوصول إلى مخرج، لأنَّ عدم فعل ذلك بطريقةٍ صحيحة سيعني عدم القدرة على تنفيذ أيٍّ من إجراءات النجاة الأخرى".
هل الطائرات مُصمَّمةٌ للهبوط على الماء؟
أجاب تيرنر: "بالطبع، بعض الطائرات مُصمَّمة خصيصاً للهبوط على الماء .. أتحدث هنا عن بعض الأنواع البرمائية مثل طائرة ألباتروس، وطائرة إيه جي 600 الصينية البرمائية العملاقة الجديدة، المزودتين بجسمٍ سفلي على شكل هيكل سفينة (ومضخات نزح لطرد أي تسرُّبات). وعادةً ما تكون لديها أجنحة عالية للحفاظ على خلو الجناح والمحركات من الماء، بالإضافة إلى وجود عوامات تحت الأجنحة لإبقاء الطائرة فوق سطح الماء.
ماذا عن جميع الطائرات الأخرى؟
"مع أنَّ معظم الطائرات الحديثة ليست مُصمَّمة للإقلاع من على سطح الماء والهبوط عليه، فإنَّ تصميمها يتضمن ميزاتٍ لتحسين فرصتها في الهبوط الاضطراري على الماء بنجاح، إذ يمكن إغلاق جميع صمامات الهواء في المقصورة، بالضغط على زرٍ في لوحة التحكُّم لتجنُّب دخول المياه إلى المقصورة في حال نزولها أسفل الماء بعد الهبوط الاضطراري، مما قد يُسفر عن غرقها".
هل يتعين على شركات الطيران تجربة طائراتها الجديدة على الماء قبل استخدامها؟
"شركات الطيران ليست مُلزَمة بتجربة هبوط طائراتها على الماء بالفعل، في إطار اختبارات التصديق على استخدامها، لكنَّها تخضع لتقويماتٍ نظرية. وعادةً ما يتضمن دليل الطيران تدريباً على مواجهة الطوارئ، يشمل الإجراءات المطلوبة من الطيار، وتقديم مشوراتٍ بشأن السرعات المناسبة، وإعداد (الوضع المناسب لعجلات الهبوط وقلَّابات الأجنحة)، وبعض تقنيات الطيران من أجل الهبوط بنجاح".
ما الطريقة الأكثر أماناً المتاحة أمام الطيار للهبوط على الماء؟
"توصي معظم التعليمات بالهبوط هبوطاً موازياً للأمواج وليس عمودياً عليها، ومن الواضح أنَّ ذلك سيكون أسهل، وأنَّ فرص النجاة ستكون أعلى إذا كان الماء أهدأ مما إذا كان شديد الهياج، وتزداد فرص النجاة كذلك في النهار، لأنَّ الطيار يكون قادراً على رؤية سطح الماء بوضوح".
ما الذي يتعين على الركاب فعله عند هبوط الطائرة على الماء؟
"يساعد تصميم الطائرات على إبقائها طافيةً فوق سطح الماء، وينبغي أن تكون مدة الطفو طويلة بما يكفي لخروج الجميع على الزلَّاقات المنتفخة، التي تُستخدَم كذلك كعوامات نجاة، وفي حال ارتداء سترات نجاة سليمة كما ينبغي، سيظل الشخص طافياً بأمان على سطح الماء، حتى وإن كان فاقد الوعي".
كلمة لطمأنة الركاب
"صار الطيران أكثر أماناً بحلول العام الجاري 2018، وهو ما يتضح في الإنجاز المهم الذي تحقق في العام 2017، بعدم وجود أي وفيات بين الركاب في رحلات الطائرات النفاثة. ومع ذلك، فقضاء دقيقتين في تأمُّل تعليمات بطاقة الطوارئ قد يساعد على استغلال الوقت بطريقةٍ مثالية في حال وقوع أي حادث. يمكن النجاة من الموت في حال الهبوط على الماء، ولكن عليك مساعدة نفسك كذلك".
رحلات طيران هبطت اضطرارياً في الماء
وبالرغم من الندرة الشديدة لحوادث الهبوط على الماء، كانت هناك بضع حالاتٍ أخرى اضطرّت فيها طائراتُ رحلاتٍ جوية إلى الهبوط على الماء.
ففي عام 1970، نفد الوقود من طائرة تابعة لشركة ALM، في أثناء رحلتها المتجهة من ولاية نيويورك الأميركية إلى جزيرة سانت مارتن، بعد ثلاث محاولاتٍ للهبوط في ظروفٍ جوية سيئة، واضطرت في نهاية المطاف إلى الهبوط في البحر الكاريبي، ولم يُخطَر الركاب آنذاك بربط أحزمة الأمان، وأسفر الحادث عن مصرع 20 راكباً من أصل 57 راكباً.
وفي عام 1996، تحطَّمت طائرةٌ مختطفة تابعة لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية إثر اصطدامها بالمحيط الهندي بالقرب من جزر القمر بعد نفاد الوقود منها، إذ كان الطيار يحاول الهبوط على الماء في أثناء تصديه للخاطفين.
وفي خلال العراك، انقلبت الطائرة قبل اصطدامها بالماء مباشرةً، مما أسفر عن تحطُّمها إلى ثلاثة أجزاء، ومصرع 125 شخصاً من أصل 175 كانوا على متنها.
الطيار يكشف
الجدير بالذكر أن The Telegraph أعادت إلى الواجهة الحديث عن واقعة النجاة "المعجزة" التي بدأ بها التقرير لأن بطلها الطيار المتقاعد الآن، كشف لصحيفة The Telegraph، أنه لم يكن قد تلقّى آنذاك سوى قدرٍ بسيط من التدريب بشأن الهبوط على الماء!
وقال: "كان التدريب الوحيد الذي تلقيناه بشأن الهبوط على الماء هو قراءة بضع فقراتٍ في أحد الكتب الإرشادية، وإجراء مناقشة موجزة داخل القاعة الدراسية".
وأضاف: "لم تتغير سوى أمورٍ قليلة منذ تلك الرحلة، إذ اعتمدت إدارة الطيران الفيدرالية ست توصياتٍ فقط من توصيات السلامة الـ35 التي قدمها المجلس الوطني الأميركي لسلامة النقل، في تقريره النهائي عن الرحلة رقم 1549. نحن مدينون لجميع الطيارين، بالعمل بناءً على ما تعلمناه، وعدم ترك التوصيات المهمة ملقاة على الأرفف تغطيها الأتربة".
وتابع: "لا أزال مسروراً جداً لأنَّنا تمكنَّا من إنقاذ حياة جميع الأشخاص في أزمةٍ مباغتة شديدة كهذه، بدون تلقِّي تدريبٍ خاص على مواجهتها".
الممثل توم هانكس مع الطيار تشيسلي سولينبرغر
وإذا أردت أن تعلم المزيد عن هذه المعجزة، فما عليك إلا مشاهدة فيلم Sully، وهو عمل شيّق أنتجته هوليوود عام 2016، ونشرت عنه "عربي بوست" تقريراً عن تعاون قطبي الفن السابع العملاقان كلينت أيستوود كمخرج لأول مرة، مع توم هانكس، في تجسيد قصة الطيّار البطل وحادث الطيران الحقيقي.
الواقعة محفورة في ذاكرة من عايشها في الولايات المتحدة لتفاعل الإعلام معها بكثافة، ولأن الطيار أصبح بطلاً أميركياً، ورمزاً للدقة والتفاني في العمل، وظهر في أشهر البرامج الحوارية، ودعي في ذات العام لحفل تسلم الرئيس أوباما مقاليد السلطة رسمياً.