جواز السفر هو واحد من كبرى الوثائق قيمة وأكثرها تعقيداً وتحديداً للهوية الوطنية لأصحابها.
في المملكة المتحدة، يحتفل الكثيرون بالعودة إلى جواز السفر القديم ذي اللون الأزرق، بعد نحو 30 عاماً من حمل جوازات السفر ذات لون النبيذ الأحمر المميِّز لدول الاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير النسخة الإسبانية من BBC.
سيتم تفعيل هذا القرار الذي أعلنته وزارة الداخلية، بمجرد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة للكثيرين هو مثال على استعادة السيادة التي سمحت لبريطانيا بالقيام بهذا التحول الكبير.
إلا أن الحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لم يجبر المملكة المتحدة على الالتزام بلون جواز السفر الأحمر؛ لذا ليس هناك مجال كبير للسلطات البريطانية للمناورة فيما يتعلق بالوثائق في المستقبل.
والسبب في ذلك، أنه يجب على جميع جوازات السفر اليوم أن تمتثل لمعايير التصميم والسلامة الصارمة التي تمليها سلطة معينة، والتي بدورها تجعلها متشابهة جداً، نتعرف عليها فيما يلي، وفقاً لما أورده تقرير BBC Mundo.
أمن متطور
تُفرض هذه المعايير من قِبل منظمة الطيران المدني الدولي، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، تحمل عضويتها 193 بلداً و6 أقاليم معترف بها.
ووفقاً للمنظمة، یجب أن تكون الوثیقة في شكل دفتر، بأبعاد "125 مم × 88 مم"، و8 صفحات على الأقل، بالإضافة إلى الصفحة التي تحتوي على بیانات حامل جواز السفر، ويجب أن تكون المعلومات بصفحة البيانات هذه في أماكن ومناطق محددة تسمح بقراءتها إلكترونياً.
وبالإضافة إلى ذلك، تفرض المنظمة الالتزام بمعايير أمنية عديدة في الوثيقة؛ لمنع التزوير والاحتيال. وعلى مر السنين، تطورت هذه الأمور على نحو متزايد.
تشمل هذه التقنيات المتطورة الصور المجسمة التي تضيء تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية، وهي رقاقات إلكترونية تحتوي على جميع معلومات الشخص والصبغة البصرية المتغيرة التي يتغير لونها تحت مصادر وأنواع الضوء المختلفة.
كما تشدد المنظمة على السلطات بضرورة زيادة التقنيات الأمنية التي تجعل التزوير أكثر صعوبة. وفي الصفحات الداخلية، تضع الدول الكثير من العلامات المحلية مع أرقام ووسائل الإغاثة، وتعقد معظم الدول اتفاقات تجارية مع شركات متخصصة ومفوضة -محدودة للغاية- لتصنيع جوازات السفر.
4 ألوان أساسية لجواز السفر
وقال هرانت بوغوسيان، نائب رئيس الشركة التي تدير موقع Passport Index التفاعلي لبيانات جوازات السفر، في تصريحات لـBBC Mundo، إن "الأسباب التي دفعت كرواتيا لعدم اعتماد لون النبيذ الأحمر -وهو بديل اللون الأحمر- ربما تكون مبنيّة على قرار سياسي، وهو أحد الأسباب العديدة التي تحدد لون تلك الوثيقة".
هناك 4 ألوان أساسية لجوازات السفر؛ الأحمر والأخضر والأزرق والأسود. ولكن هناك درجات وأنواع لا حصر لها.
في حديثه مع مجلة Business Insider، يقول بوغوسيان: "تختار الدول الألوان وفقاً لاعتبارات سياسية أو جغرافية أو تاريخية أو دينية مختلفة". وأضاف: "يعتقد البعض أن اختيار الاتحاد الأوروبي اللون الأحمر مرتبط بالشيوعية".
يرتبط الأزرق عموماً بالعالم الجديد، كما رأينا في جوازات سفر الولايات المتحدة وكندا وبلدان أميركا الوسطى والأرجنتين وفنزويلا وغيرها الكثير. أما في إسرائيل والعراق وسوريا وكوريا الشمالية، فهي زرقاء أيضاً.
ويمكن أيضاً أن يرتبط اللون بالدين، وهذا هو سبب اختيار اللون الأخضر في البلدان الإسلامية، في إشارة إلى النبي محمد. وتريد بلدان أخرى تسليط الضوء على قوميتها أكثر من ذلك، مثل سويسرا، التي يعتبر لون جوازها الأحمر الحيوي شبيهاً بعَلمها.
الألوان غالباً ما تجعل من السهل على موظفي الجوازات تحديد الصف الذي يجب إرسال المسافر إليه. يمكن اعتبار هذا مريحاً من قِبل البعض وعنصرياً من قِبل البعض الآخر.
في الوقت الذي كانت تمر فيه كولومبيا بحالة صعبة من العنف والاتجار بالمخدرات، كان جواز سفرها الأخضر علامة تحذيرية في مراكز الهجرة والجمارك. لذلك، في عام 1992، قرر المسؤولون تغييره إلى لون النبيذ الأحمر؛ على أمل جعل الحياة أسهل لمواطنيهم عند السفر.
بالطبع، لم يكن ذلك التغيير ليساعد دون الخطوات الإيجابية التي اتخذتها كولومبيا لاستعادة النظام العام.
رمز للقوة
وفى الحالة البريطانية، قال وزير الهجرة براندون لويس إنه مسرور بالعودة إلى التصميم "الأيقوني" الأزرق بحروفه الذهبية والذي يعود تاريخه إلى نحو 100 عام.
استغل أولئك الذين أيدوا قرار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، هذا الأمر للفخر بالقرار.
"في استفتاء عام 2016، أردنا جوازات سفرنا مرة أخرى.. الآن قد استعدناها!"، هتف نايجل فاراج، الزعيم السابق للحزب الوطني (UKIP)، أحد أكثر مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أعاد هذا القرار الانقسام الأيديولوجي الموجود في المجتمع البريطاني حول الخروج الوشيك من الاتحاد الأوروبي، رغم أن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي لم يكن لديه قط سلطة إجبار المملكة المتحدة على تغيير لون جواز سفرها.
رفضت لندن جواز السفر الأزرق من تلقاء نفسها في الثمانينيات عندما أراد أعضاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية آنذاك تنسيق التصميم لجعل الحياة أسهل للمسافرين وموظفي الهجرة.
وفي حالة حدوث ذلك، كان بإمكانهم رفض الأمر، كما فعلت كرواتيا، التي احتفظت بجواز سفرها الأزرق بعد دخول الاتحاد الأوروبي في عام 2013.