كثيرات من الأمهات أو في حياتنا عموماً، تظن أن فلاناً شخص غبي، أو أن ابنها غبي دراسياً.. لماذا هو غبي؟ لأنه لا يجيد بعض المهارات المعينة مثل الرياضيات واللغات. حسناً، هناك أنماط متعددة أكثر من هذين المجالين، فلا يستطيع الجميع التحصيل بالقدر نفسه في الوقت نفسه، هناك من يُحَصِّل كم معلومات كبيراً في وقت قصير (كأنه يجري)، وهناك من يُحصل قدراً معيناً من المعلومات في وقت محدد ثابت، ( كمن يمشي بهرولة وتتعدد السرعات لتصل للمشي الهويني ). وهناك من يستوعب بنظام الهضم والقفز، يأكل المعلومة ببطء ليستوعبها ولا تظهر عليه في حينها، ثم فجأة نجده قد أحرز تقدماً هائلاً.
الناس (وبالتبعية الأطفال) مختلفون، وعلينا تقبل واستيعاب الاختلاف، وأن نديره ونكتشف مكامن قوته، لا أن نكسره ليلائم مقاييسنا نحن.
هذا بالنسبة لنمط التعلم، أيضاً الذكاء أصبح ينقسم إلى عدة أنواع وليس نوعاً واحداً فقط، إن فشلنا في إحرازه أصبحنا أغبياء!
فيما مضي، كان هناك تعريف واحد ومحدد للذكاء، ثم جاء د. هوارد غاردنر عام 1983 في كتابه "أطر العقل" ووضع تعريفاً مختلفاً للذكاء:
القدرة على إنتاج منتج أو تقديم خدمة لها قيمة ثقافية.
مهارات تُمَكِّن المرء من التعامل وحل المشاكل التي تواجهه في الحياة.
إمكانية إيجاد حلول واكتساب معارف جديدة.
لدى كل شخص تكوين متفرد من مختلف الذكاءات المتعددة المتنوعة تصنع ذكاءه الخاص.
ومن هذه المحددات، استطاع توصيف عدة أنواع من الذكاءات، وصنفها بـ7 أنواع أساسية، ثم أضاف إليها لاحقاً نوعين ليسا أساسيَّين، ثم أصبحا أخيراً من الأساسيين في آخر تعديل للنظرية.
حتى وقت هوارد غاردنر، كان يعتبر العلماء تلك الأمور مجرد مهارات فردية وليست أنواعاً مستقلة من الذكاءات.
وتكمن أهمية هذا التقسيم في أنه يقول إن لكل فرد تركيبة فريدة من نسب مختلفة من الذكاءات، فلا بد من فهم ذلك ومساعدته على اختيار نمط تعلّم/دراسي يناسب طبيعته الخاصة، بدلاً من قصر الذكاء على نمط واحد فقط، يكون مطلوب من الجميع اللحاق، ويصابون بالإحباط ويوصمون بالغباء إن فشلوا في ذلك.
وهذه نبذة سريعة عن أنواع الذكاءات المتعددة وما يميز أصحابها.
الذكاء الطبيعي البيئي Naturalist Intelligence:
هل سبق أن رأيت من يتميز بقدرته على التواصل بشكل جيد مع الحيوانات؟ من لديهم يد خضراء ويتميزون بتربية النباتات واستشعار تحتياجاتها؟ تلك هي بعض مزايا من يمتلك الذكاء الطبيعي.. يتميز أصحاب هذا النوع من الذكاء بالقدرة على تمييز مختلف الكائنات الحية أو حتى الفصائل المختلفة داخل النوع الواحد، سواء كانت حيوانات والفروق الدقيقة بينها أو الأنواع المختلفة بين النباتات واختلاف أنماط نموها.
كما أنه يستطيع التمييز بين أنواع الصخور والأحجار ويركز أيضاً في الظواهر الطبيعية، مثل حركة السحاب وحركة النجوم والشمس والقمر. كان لهذا النوع من الذكاء قيمة عالية في الماضي، فهو أسهم في إايجاد الزراعة وكيفية اصطياد الحيوانات وتحديد الاتجاهات في البحر اعتماداً على حركة النجوم. يتبدى هذا النوع من الذكاء الآن في "الأشياء"، ومعرفة كيف يفاضل الزبائن بين مختلف الطرازات، مثل المقارنة بين أنواع السيارات، ومستحضرات التجميل، وماركات الحاسوب، الهواتف المحمولة.. إلخ.
أكثر الأعمال التي تناسب من يملكون هذا النوع من الذكاء هم علماء نبات، وفلكيون، وطهاة، ومن يتقصون عن المنتجات ذات الرواج بين المستهلكين.
الذكاء الموسيقي. Musical Intelligence
الحساسة للأصوات، والقدرة على التمييز بين النغمات والإيقاع والنبرات والجَرْس والطبقات الموسيقية، غالباً ما يوجد هذا الذكاء في الملحنين، والعازفين، والمنشدين، والمغنين، والنقاد الموسيقيين، والمستمعين ذوي الذوق الرفيع.
الصغار الذين يتمتعون بهذا النوع من الذكاء غالباً ما يحفظون الألحان بسهولة، يدندنون لأنفسهم أو حتي ينقروا إيقاعات، يمكنهم تمييز الأصوات والانتباه لأصوات قد لا ينتبه إليها الغالبية. يمكنهم التعلم عبر السماع جيداً، وقد يلحنون ويغنون ما يريدون حفظه؛ ليسهل عليهم تذكّره بسهولة. قد يكون هناك علاقة بين الذكاء الرياضي والذكاء الموسيقي، وأصحاب هذا النوع من الذكاء يكونون في الغالب أشخاصاً عاطفيين.
الذكاء المنطقي/الحسابي Logical-Mathematical Intelligence
ربما قابل بعضنا زميل الدراسة النابهة الذي يجيب عن كل الأسئلة الحسابية. هو القدرة على التعامل بكفاءة مع الأرقام، لهذا الذكاء أيضاً علاقة بالقدرة على تجريد المعاني وتوصيفها، التفكير المنطقي العقلاني، والتفكير النقدي، والقدرة على التفكير الإستنباطي والاستقرائي. كما يمكنهم الاستنتاج وربط العلاقات وإيجاد نمط ما بين الأشياء أو الأفكار.
قد يظهر هذا النوع من الذكاء متأخراً؛ لأن ادراك المعاني المجردة يحدث متأخر نسبياً للأطفال (بعد العاشرة). وقد يكون الطفل ممتلئاً بالمعاني ولا يستطيع التعبير عنها؛ لصغر سنه. يهوى الأطفال ذوو هذا الذكاء الألعاب الاستراتيجية، وإجراء التجارب، وحل ألعاب رياضية مثل السودوكو. المهن التي تلائم هؤلاء هي أن يكونوا محققين، وعلماء، وعلماء رياضيات. هذا النوع من الذكاء غالباً يكون له علاقة بالذكاء العام التقليدي.
الذكاء الوجودي also caller moral or spiritual intelligence Existential Intelligence:
هو القدرة على التفكر وطرح الأسئلة العميقة والدقيقة؛ مثل: ما معنى الحياة؟ ما هدفها؟ ما هو الموت والحياة؟ وما هو مصيرنا؟ وكيف جئنا لهذا العالم؟ يوجد هذا النوع من الذكاء بنسب متفاوتة عند الجميع، ولكن البعض يقنع وترضيه الإجابات التقليدية، والبعض الآخر يلحّ عليه هذا الأمر بشكل قوي دائماً ويشغل حيزاً كبيراً من تفكيره.
الذكاء الاجتماعي Interpersonal Intelligence
هذا النوع من الذكاء له علاقة بالتفاعل مع الآخرين بنجاح بالغ. لا يُعاني من يمتلكون تلك المهارة صعوبة تكوين صداقات. يشعرون بسهولةٍ بتقلُّب مزاج الآخرين، يمكنهم التعامل بسلاسة مع الناس، ويحبهم الغالبية بشكل واضح، يستطيعون التمييز بين الشخصيات المحيطة بهم، ويعرفون التعامل المناسب لكل نوع.
قد يساء فهم أو توصيف هذا النوع من الذكاء. أصحابه قد يكونون محبوبين جداً أو منبوذين لتميزهم. يتعلم هؤلاء الأطفال، بمشاركة الآخرين، اللعب أو العمل، ويتألقون إن وُجدوا في مجموعات، يحبون المناقشات والمناظرات ويمكنهم صياغة وجهات نظرهم بشكل لبق. يستطيعون أن يكونوا قادة أو أعضاء في الفريق بسهولة؛ لأنهم يفهمون الآخرين بشكل جيد. يوجد هذا النوع من الذكاء غالباً في: مديري التسويق، والساسة، والمدرسين، والممثلين المستشارين، والمتصدّين للعمل العام أو المجتمعي.
الذكاء الحركي Bodily-Kinesthetic Intelligence
القدرة على التحكم الكامل بالجسد في وقت معين، كما يمكنهم الإمساك والتحكم في الأشياء الدقيقة جيداً. غالباً ما يوجد في الرياضيين والجرّاحين والراقصين وأصحاب الحِرف اليدوية كالتطريز وصنع الحُلي. الأطفال الذين يمتلكون هذا النوع من الذكاء يهوون الحركة برتم معين والإمساك بالأشياء وتركيبها والأعمال اليدوية، ويمكنهم التعلم عن طريق المجسمات أو الحركة مع رتم معين مع الموسيقى.
الذكاء اللغوي Linguistic Intelligence
هو القدرة على التعامل بجدارة مع اللغة ومنتجاتها من الأدب. لديهم قدرات جيدة في القراءة والكتابة وقص القصص وتذكّر كلمات معينة في مواقف بعينها يحتاجونها، يمكن لهؤلاء أن يستخدموا الكلمات ببراعة لوصف مشاعر أو معانٍ معقدة وعميقة. يوجد هذا النوع من الذكاء غالباً في الكتّاب، والأدباء، والشعراء، وصحفيين، والخطباء المفوهين. يمكن قياس هذا النوع من الذكاء باستخدام اختبار IQ.
الأطفال ذوو الذكاء اللغوي يحبون قصّ الحكايات وحل الكلمات المتقاطعة وكتابة مواضيع التعبير والقراءة.
الذكاء الوجداني/ الذاتي Intra-personal Intelligence:
في هذا النوع من الذكاء يفهم المرء نفسه، ويجيد إدارتها. يستطيع فهم مشاعره وأحاسيسه جيداً، يعرف مكامن قوته وضعفه، ما يحبه وما يكرهه. ويكون قادراً على التنبؤ بردود الفعل، كما أنه يكون محدداً فيما يريد، ويتمكن من رسم خطة لما يريد الحصول عليه. هذا النوع من الذكاء غالباً ما يوجد في القادة الروحيين؛ الأطباء النفسيين والفلاسفة. قد يكون هؤلاء الأطفال خجولين بعض الشئ، ولكنهم يعرفون كيف يحمسون أنفسهم ذاتياً (غالباً لا يتأثرون بما يحيط بهم).
الذكاء التصويري Spatial Intelligence:
هو القدرة على التفكير بشكل مجسم (ثلاثي الأبعاد). يندرج تحت تلك المهارة مهارات الرسم، وتخيّل المجسمات وحركتها في الهواء، ويستطيعون استيعاب وقراءة الخرائط بسهولة. غالباً ما يمتلك البحّارة وقائدو الطائرات والنحاتون والرسامون والمعماريون والمهندسةن الفراغيةن وفنانو المكياج هذا النوع من الذكاء. الأطفال الصغار ذوو هذه المهارة يحبون حل المتاهات والألغاز وتجميع البازل وقضاء االوقت في الرسم أو في أحلام اليقظة.
* كما أن هناك نوعاً غير رسمي من الذكاء يقترحه غاردنر، وهو:
الذكاء التدريسي أو التعليمي Pedagogical intelligence
وهو القدرة على نقل وإيصال المعلومات بشكل واضح.. وجميعنا مر بتجربة المعيد/ دكتور الجامعة العلّامة في مجاله، ولكن لا نفهم منه أي شيء؛ لأن قدراته على إيصال المعلومة محدودة أو منعدمة.. على العكس، هناك أشخاص ماهرون جداً في إيصال المعلومات قد لا يكونون بدرجتهم العلمية نفسها، ولكن لديهم هذا النوع من الذكاء.
كانت هذه نبذة عن أنواع الذكاءات كما صنفها د.هاورد غاردنر. ولكن تلك النظرية ووجهت بعدة انتقادات؛ منها أنه نفى وجود مصطلح الذكاء بشكله التقليدي، كما أن البعض انتقد عدم وجود اختبارات لتلك الأنواع المختلفة من الذكاء لنجريها على الأفراد، مثل اختبار الذكاء التقليدي. ولكن، دافع غاردنر عن نظريته بأن الذكاء وتجليات إبداع البشر قد تكون أكبر من أن يحيط بها اختبار واحد لقياسها، ولكنها تتبدى في إنجازاتهم.
– هناك بعض الأشخاص يكونون أذكياء للغاية في مجال واحد، ولكنهم يفتقرون إلى أساسيات الذكاءات الأخرى، ألم نقابل مثلاً دكتور الجامعة العبقري، ولكن لديه مشكلة في إيصال المعلومة؟ هو عبقري رياضياً أو في مجاله، ولكنه ليس ذكياً اجتماعياً أو ذاتياً. هناك بعض الكتّاب رائعين للغاية في كتاباتهم، ولكنهم ليسوا خطباء مفوّهين. ومن يجمع عدة أنواع من الذكاء، مثل الذكاء الذاتي والذكاء اللغوي والموسيقي، قد يكون شاعراً، ولكن شعره يميل إلى الحكمة والقيم العميقة… أو قد يكون قصاصاً ماهراً وتحمل قصته حكمة ما.
مما سبق يتضح أن: هناك عدة أساليب للاستيعاب، كما أن هناك أنواعاً مختلفة من الذكاء وليس نمطاً واحداً فقط. المعضلة تكمن في فهم حدود قدرات المرء والعمل على تطويرها بما يناسبه.