السر في جليد الأرض نفسها.. دراسة: 200 عام من الثوران البركاني أنهت العصر الجليدي

قبل آلاف السنين، كانت الكرة الأرضية عبارة عن كتلة جليدية ضخمة، لكن شيئاً ما أذاب هذا الجليد وتحول المناخ كلياُ فأصبح مهيئاً ليحتضن الحياة كما نعرفها اليوم. هذا بالضبط ما يبحث عنه العلماء، أي سبب تلك النقطة التحولية في الزمن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/05 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/05 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش

قبل آلاف السنين، كانت الكرة الأرضية عبارة عن كتلة جليدية ضخمة، لكن شيئاً ما أذاب هذا الجليد وتحول المناخ كلياُ فأصبح مهيئاً ليحتضن الحياة كما نعرفها اليوم. هذا بالضبط ما يبحث عنه العلماء، أي سبب تلك النقطة التحولية في الزمن.

لتقصي هذا الأمر كرس أستاذ باحث، ومدير مختبر الكيمياء فائقة التتبع وعضو معهد بحوث الصحراء يدعى جو ماكونيل، جزء كبيراً من حياته في دراسة العوامل والعناصر المحيطة بهذا السر.

فقبل حوالي 25 ألف سنة، وخلال فترة تعرف باسم الحد الأقصى الجليدي الأخير، كان الجليد يغطي مساحات كبيرة من اليابسة في العالم، وساهم ضوء الشمس الضعيف نسبيً، والصفائح الجليدية القارية الكبيرة، وكميات منخفضة جدا من ثاني أكسيد الكربون في الهواء، في تهيئة الظروف المناسبة لظهور عصر جليدي. وخلال السنوات الـ 15000 التي تلت، تحوَل المناخ العالمي من مناخ جليدي إلى مناخ حار.

غير أن مناخ نصف الكرة الجنوبي تغير فجأة قبل نحو 18 ألف سنة، وبدلاً من الانخفاض التدريجي المتوقع عندما يقترب مدار الأرض ببطء من الشمس، حصل شيء ما، تسبب في إحداث تغيير واسع النطاق عبر العديد من القارات.

في إحدى البحوث التي نشرتها دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم"، اكتشف ماكونيل رفقة مجموعة دولية من الباحثين، أن سلسلة فريدة من الانفجارات البركانية الضخمة دامت لـ 192 عاما، تزامنت تماما مع بداية هذه الفترة من تغير المناخ السريع والمنتشر على نطاق واسع في نصف الكرة الجنوبي.

وشملت هذه التغييرات المناخية المفاجئة، التراجع الواضح في الأنهار الجليدية في باتاغونيا ونيوزيلندا والحد من حالة الجفاف في جنوب أستراليا. وتوسعت البحيرات بسرعة في جبال الأنديز البوليفية، وارتفع منسوب الأمطار الصيفية في المناطق شبه الاستوائية من البرازيل، وانخفض بشكل حاد غبار الغلاف الجوي، الذي يمكن دراسته من الرواسب المحيطية والقضبان الجليدية في القطب الجنوبي.

وعزي العديد من هذه التغيرات إلى تحوَل قطبي مفاجئ في الرياح الغربية التي تطوَق القطب الجنوبي. إذ غيرت الرياح المتقلبة حركة المحيطات والتهوية في أعماق المحيطات، مما أثر على الأنهار الجليدية في نصف الكرة الجنوبي.

والسؤال هنا:

لماذا تغيرت الرياح فجأة، ولماذا كان هناك تحوَل مناخي متزامن في أرجاء نصف الكرة الجنوبي بأكمله.


القرائن في صميم الجليد

من المعروف أن القطب الجنوبي موطن براكين ذات أهمية عالمية، غير أن قبل 17700 سنة بدأ حدث فريد من نوعه، يتمثل في انفجارات بركانية شبه مستمرة على مدى 192 سنة، أنتجت كميات هائلة من المواد الكيميائية المعروفة باسم الهالوجينات، انتشرت في الغلاف الجوي في القطب الجنوبي.

وأحدثت هذه الهالوجينات – بما في ذلك مدمرات الأوزون القوية، مثل البرومين والكلوريد واليود – ثقباً في طبقة الأوزون، يشبه إلى حد كبير،الحفرة الحديثة الناجمة عن استخدام البشر لنوع من المركبات تحتوي على الهالوجين، تسمى مركبات الكلوروفلوروكربون، يرمز إليها بـ CFC. وأدى ذلك إلى تغييرات واسعة النطاق في حركة الهواء في الغلاف الجوي، وبدأ التحوَل بعيداً عن حالة المناخ الجليدي.

أسباب هذا الاستنتاج:

تستند نتائج دراسة ماكونيل التي نشرتها مجلة The Conversation إلى قياسات كيميائية مفصلة لمجموعة واسعة من العناصر والآثار الكيميائية في القضبان الجليدية في القطب الجنوبي. وقد نتج معظمها عن تقسيم لوحات الجليد غرب القطب الجنوبي (WAIS)، وهو موقع حفر بعمق قدره 3.405 متر يوفر سجلات مناخية دقيقة للغاية تغطي فترة 68 ألف سنة الماضية.

شملت الأبحاث أوسع مجموعة من التحاليل الكيميائية وتحليل العناصر، لأول مرة، على القضبان الجليدية العميقة، إلى جانب توزيع الوقت الأكثر دقة من نوعه. وتم تكرار هذا السجل من الانفجارات على وجه التحديد في عينات متماثلة من نفس القضبان الجليدية، وفي قضبان جليدية مستخلصة من موقع بالقرب من محطة بيرد غرب القارة القطبية الجنوبية، والنهر الجليدي تايلور في وديان القطب الجنوبي الجافة.

وأظهرت سجلات قضبان الجليد شذوذا كيميائيا غير عادي على الإطلاق دام طيلة 192 سنة من 17.748 إلى 17.556 سنة قبل زمننا الحاضر.

وبعد مقارنة تحليلات قضبان الجليد عالية الدقة مع مجموعة من القياسات أقل دقة للغبار ما بين الكواكب، وشظايا الصخور المتناثرة ونظائر الكبريت، تبين أن الشذوذ الكيميائي كان نتيجة سلسلة انفجارات بركانية ضخمة صادرة من جبل تاكاهي، على بعد حوالي 350 كيلومتراً شمال موقع الحفر الرئيسي.

وكانت الخصائص الأخرى للسجل الكيميائي – بما في ذلك الحالات الشاذة في نظائر الكبريت ونضوب البرومين شبه الكامل في الجليد أثناء الحدث – متسقة مع زيادة الأشعة فوق البنفسجية على سطح الأرض.

وتشير الدراسة إلى أن الهالوجينات (الكلورين والبرومين واليود) وغيرها من المواد الناتجة عن ثوران جبل تاكاهي انتشرت لتصل إلى طبقة الستراتوسفير في القطب الجنوبي حيث دمرت طبقة الأوزون.

تزامنت الانفجارات الهائلة الغنية بالهالوجين من جبل تاكاهي، مع بداية تغير المناخ المفاجئ في نصف الكرة الجنوبي، وزيادة تركيز الغازات الدفيئة خلال نهاية العصر الجليدي الأخير.

ترابط أو تسبب

استغرقت الأنهار الجليدية في نصف الكرة الجنوبي 10 آلاف سنة للتراجع التام، غير أن هذه الانفجارات البركانية حدثت قبل (أو ربما خلال) أهم فترة من تغير المناخ السريع في نصف الكرة الجنوبي، مع ارتفاع معدل تركيزات غازات الدفيئة العالمية.

السؤال الأساسي المطروح هو "هل حدث هذان الحدثان في نفس الوقت بمجرد الصدفة أم ثمة ترابط سببي بينهما؟" إن احتمال تزامن هذين الحديثين، عن طريق الصدفة ضعيف جداً، واستنادا إلى الأدلة في القضبان الجليدية للقطب الجنوبي، قد يكون نضوب طبقة الأوزون هو عامل الربط الحاسم بينهما.

علامات:
تحميل المزيد